- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- اعتبروه أحد أفضل الأطباء.. يمنيون يشيدون بالدكتور المصري هشام إبراهيم (تفاصيل)
- عقوبات أمريكية على شركة سورية تموّل الحوثيين من إيرادات بيع النفط الإيراني
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
على بعد خطوات, كان النهر يتمدد أمامي. تنعكس أشعة الشمس على مياهه, فتعشي بصري. لحظتها, كنت مأخوذا بما ينتظرني على الضفة الأخرى. لقاء مع شخص لا أعرفه. فقط لدي معلومات متناثرة, لا تسعفني على بناء صورة واضحة. قررت أن لا أنشغل بكثرة التفكير. في نفسي رددت غير مرة أن لا شيء يستحق. فاللقاء وإن كان مهما. سأتعامل معه بنوع من البرود..جربت في مرات سابقة جدية التعامل. فخرجت خائبا, تعتصرني الحسرة, ويتملكني الندم..وأنا أجر قدمي في اتجاه الضفة انشغلت إلى حين, بأمور لا علاقة لها باللقاء. تتبعت التواءات الطريق, أتملى في الأعشاب النامية على أطرافه. استوقفتني شجيرة لوز بهية. أزهارها البيضاء تشكل وشاحا مبهرا يغري بالتأمل. أصناف من الحشرات تحوم حولها. بدت لي الشجيرة إكليلا يزين البستان..
رغم احتراسي كان اللقاء المنتظر يطفر إلى سطح الذاكرة. يفرض علي سطوته. فلا أملك حينها, إلا أن أتماهى معه. أحاول استشراف ما يمكن حدوثه. أجتر الأمر للحظات. وحين أنتبه إلى نفسي, أستجمع قواي, وألفظه خارج اهتمامي.
حين أشرفت على النهر, تسلل الفتور إلى ذاتي, حدثتني نفسي بالتراجع..اقتعدت شبه تلة. نسيم خفيف يداعب صفحة النهر, تتجعد, فتتشكل مويجات لا متناهية. ألهب المشهد عواطفي. فتمنيت لو مكثت بقربه مدة كافية. أرتشف فسيفساءه, وأخزنها في تلابيب الذاكرة.
كان التردد يتسلل إلى دواخلي. وقبل أن أتخذ قرارا نهائيا, فوجئت بشيخ ينبثق من بين البساتين, يحمل على كتفه كيسا شبه ممتلئ, يرتدي جلبابا ترابي اللون. لحيته البيضاء تضفي على وجهه الأسمر ألفة محببة للنفس. حين دنا مني ألقى علي تحيته.
- السلام عليكم.
رددت عليه التحية, وقد ارتسم على ملامحي بعض الحبور..ارتبط الرجل في ذهني بمستملحاته. لا يكاد المرء يلتقي به, حتى يمطره بوابل من التعاليق المثيرة. هذا ديدنه منذ أن عرفته. أول لقائي به كان في مناسبة لا أتذكرها.
بدون مقدمات بادرني بسؤاله :
- فيم بالك مشغول يا هذا ؟
كان من الطبيعي أن أرد عليه بأنني لست منشغلا بأي شيء. لا أدري كيف وجدت نفسي أقحمه في شؤوني, فأجبته:
- لدي أمر يشغلني.
وكأن الجواب على طرف لسانه, علق قائلا :
- هم الدنيا ما يدوم, خليها على مولانا.
لم أضف شيئا إلى ما قلته عن مشاغلي. اغتنمت الفرصة لأتجاذب معه أطراف الحديث, خاطبته مستفسرا :
- إلى أين أنت ذاهب, أبا المدني ؟
ببداهة أجاب : - على باب الله.
هكذا عهدته, لا يعطي جوابا شافيا. يعلق بما يشبه الكلام المأثور. أنزل كيسه من على كتفه..لم يكن متعجلا. دائما لديه الوقت الكافي لفعل ما يشاء وقتما يشاء.
بنوع من الود خاطبته : - ألا تجلس قليلا ؟
رد مرة أخرى : - الراحة تورث الهم.
وأنا أتبادل معه الحديث, كان اللقاء يفرض علي نفسه بين حين وآخر..في تلك الأثناء, كانت قدماي تسايران خطواته..غصنا بأقدامنا في المياه الضحلة, بعد أن نزعت حذائي. لم يكن الشيخ في حاجة إلى ذلك. لأنه كان حافي القدمين..تجاوزنا النهر, فتوغلنا في ممر ترابي, يوصلنا إلى الطريق المعبدة. هناك يمكن للمرء أن يستقل سيارة أجرة أو حافلة لبلوغ وجهته..في الطريق تقاطعنا مع عدد من المارة. جلهم يقصدون الضفة التي غادرناها منذ لحظات. كل من صادفناه يحيينا ويخص الشيخ ببعض الكلمات, فيرد عليها بعبارات موجزة, تبعث المرح في نفس مخاطبه..نستمر في طريقنا الضيق..على جانبيه جدران طينية تحد البساتين, سعف النخيل يذكى في النفس إحساسا بالشموخ. أشجاره المتسامقة تشرئب نحو الأفق البعيد. عتوقها الصفراء متهدلة في انتظار نضج وشيك. بين لحظة وأخرى أحدث الشيخ في أمور غير مترابطة..كان ذلك يبعد عني شبح الوحدة. شعور ما اقتحمني, فجأة, أحسست خلاله بأنه لا يشعر بوجودي. كنت بالنسبة إليه أمرا زائدا, لا يستحق أن يغير من أجله عاداته. يهمهم بكلمات مبهمة. وكأن حالة من الهلوسة تستغرقه. عبثا حاولت تبين بعض ما يتلفظ به. وحين عجزت, اكتفيت بالمتابعة..في فترات متقاربة كان بصري يلتقط دويبة تمرق من جدار إلى آخر, حفز ذلك في نفسي بعض الحذر. استرقت النظر إلى الشيخ بجانبي..كان غير عابئ بما حوله. تمنيت من كل أعماقي لو أمتلك جزءا من مثل هذا الاستغراق, فأكتفي بذاتي. بلؤم فكرت أن أستفزه. وأخرجه من حالته. فخاطبته :
- أفين مشيتي أبا المدني ؟
وكأنه حاضر بكل كيانه, أجابني :
- اللي ما خرج من الدنيا, ما خرج من عقايبها.
حين وصلنا إلى الطريق الإسفلتي, توقفت بجانبه, أنتظر من ينقلني إلى وجهتي. فيما تابع الشيخ طريقه محاذيا الإسفلت..شيعته بعينين باسمتين..بمرور الزمن, أخذ ينأى..ومع كل خطوة يخطوها تتقلص رؤيتي له..شيئا فشيئا أضحى شبحا متداخل الملامح. وقبل أن أستقل سيارة الأجرة, اختفى الشيخ عن نظري. حينها فقط, تملكني اللقاء المرتقب بكل جبروته.
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر