الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الأدب والإنتماء عند البردوني - ضرار الطيب
الساعة 14:04 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


أثنى البردوني كثيراً على شعر الزبيري ، ربما إمتناناً لثوريته أو لأنه رأى شعره جيداً ، غير أنه انتقده في صفحتين من كتاب "رحلة في الشعر اليمني" وكان نقده له بسبب أن شعر الزبيري ( تنقصه ملامح وروائح اليمن) حسب قوله .
 

يقول البردوني ( مهما تكن الدواعي فإن شعر الزبيري تنقصه ملامح وروائح اليمن فلا تكاد تجد في كل شعره ذكر البن وهو رمز اليمن الأخضر ، ولا ذكر الجبل أو أثراً من جبال اليمن وآثارها على ما في الإيحاء الكافي من دلالة شعرية وإثارة نضالية ، ولا تطالعك في شعره صورة حي حتى من أحياء صنعاء مع ان الزبيري كان من المثقفين شعرياً )
ثم يتسائل ويتأسف : ( هل كان بُن اليمن وكرومه وقاته أقل من نخيل العراق الذي تلحن على شفتي السياب وزملائه؟.... لقد كنا نظن ان شعر الزبيري سينقل أرض اليمن ملحنة الى دواوينه ، لكنا لم نلاق لمحة من وجه الأرض في قصيدة الشاعر الذي عاش ومات لها)

 

طبعاً قبل ذلك نجد البردوني يغفر للزبيري القصائد التي مدح بها الإمام ، ويعتبر ذلك بسبب حبه للإجادة فقط ، اي أنه لم يكن يقصد مدح الإمام ولكنه يريد أن يقول شعراً جيداً مهما كان .. هذا تحيز واضح من قبل البردوني غير انه مبرر بإعجابه وتقديره للزبيري كثائر ، بعبارة أخرى : لم يعتبر البردوني ذلك نقصاً في شاعرية الزبيري والحقيقة ان السياسة لا تقلل من القيمة الأدبية للشعرمادام الشعر جيداً ، ولكن الشيء الذي لم يغفره البردوني للزبيري هو عدم ارتباط شعره بالأرض ، وهو ما يستحق ان يعتبر "نقصاً" أدبياً وبهذا يقدم البردوني انضج واكمل صورة للأدب ، فالشاعر في نظر البردوني ليس من يقول شعراً جميلاً وحسب .. بل ان شعره لا يكون جميلا بما يكفي إلا إذا ظهرت من خلاله آثار الوطن والأرض لتكون كلها مرافقة لإسم الشاعر.
 

 

يقول البردوني ( ليتنا وجدنا في شعر الزبيري اسم مأرب او الخارد او ميتم او صرواح او نقم او صبر او شمسان .... قصائده لا تدل على روائح يمنية او على ملامح لأرض اليمن) 
ما أريد قوله هنا ليس ان الزبيري كان كذا او كذا ، بل أن البردوني هو من كان يمنياً بكل ما تعنيه الكلمة ، ويمنيته كانت أكثر شيء ظاهر في أدبه ، رغم ان قدرات شعرية اعجازية كتلك التي يمتلكها البردوني لو توفرت لدى غيره من المثقفين لتنكر لانتماءه وخجل او في احسن الأحوال سيتحول الى شخص متعجرف .

 

 

الروائيين حق هذي الايام مثلاً عندما يريدون ان يتحدثون عن اليمن ، يصعدون على منبر من العجرفة ويبدأون بما يسمونه "كسر التابوهات" وهو الشيء الذي يعني عندهم ان تنخل ابو كل شي لما تخلي القارئ يقرف منك ومن اليمن ، هذا غير توظيف التأريخ والعادات والتقاليد وتحويرها لتخدم وجهة نظرهم السياسية والإجتماعية التي هي في الأخير تريدك ان تراهم اناس حنقون على يمنيتهم فقط لا غير.
 

البردوني في شعره ونثره تعامل مع العادات والتقاليد اليمنية والمشاكل والخرافات والأساطير والأرض .. انتقد بإنصاف ووصف بدقة ، لأنه كان مرتبطاً بهذه الأرض ارتباط الإنتماء الحقيقي ، وليس ارتباط من يرى لنفسه الإمتياز .
لم نر البردوني يكره وطنه لأن فيه غلاء اسعار او يخسف بالإسلام والمسلمين لأن شخصاً تزوج فتاة قاصر ، لم يستح البردوني من ان ينقل الأرض اليمنية بكل عيوبها وجمالها في قصائده بل انه كرس ادبه لذلك ، مع ان البردوني كان هاضماً وواعياً أكثر من غيره للتقدم والفلسفات الحديثة لكن ذلك لم يكن يشكل اي عائق لانتماءه الى هذه الأرض بكل مافيها ، بينما يجي لك واحد حداثي اهبل من حق هذي الايام ينصب نفسه قاضي وهات ياسلخ متعصب فوق الهوية والتاريخ والدين والارض ويعمل نفسه مثقف.

 

يقول البردوني ( شعر الزبيري شعر عربي لا يعرف قارؤه أنه يمني الا اذا كان يعرفه شخصياً او معاصرة او عن طريق تعريف من خارج شعره)
لقد اعتبر البردوني هذا نقصاً بينما يعتبره اليوم كثيرون "حداثة" وثقافة .
اقول قولي هذا وسلام الله على البردوني في الأولين والآخرين والى يوم الدين

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً