الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الإنتماء داخل المنظومة المجتمعية – نصوص – بنات الخائبات لعلي السباعي - علوان السلمان
الساعة 12:49 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

الادب سلوك انساني وفكري ابداعي منفتح على التجارب الانسانية..والقص القصير النمط الكتابي المبني على استلهام الوقائع والاحداث جزء اساس ومكون من مكوناته التي شهدت عبر تاريخها انعطافات وتحولات فنية وفكرية تتوافق والتحول الحضاري الانساني المتجاوز..باقتناص اللحظة بانامل منتج متجاوز ببصره وبصيرته..وامتلاكه قدرة استنطاق الوجود والخروج به من صومعة التقوقع والدائرة الحدثية الضيقة الى عوالم الانفتاح باعتماد تكنيك فني يخوض في(البيئة المكانية والامتدادات الزمانية وحركة الشخوص والاحداث..)..باسترسال مؤطر باطارالحياة والامتدادات التاريخية الذاتية والمعبرة عن قيمة انسانية تكشف عن الانتماء داخل المنظومة المجتمعية المكتظة بالمتضادات المتصارعة..
 

وفي ذاكرة القصة القصيرة يشكل القاص علي السباعي وجودا فاعلا ومتفاعلا..مؤثرا ومتأثرا..انطلاقا من خطوته الاولى(عربدة عقب سيجارة)و(عرس في المقبرة) ومرورا بمجاميعه القصصية(ايقاعات الزمن الراقص)و(صرخة قبل البكم)و(زليخات يوسف)و(احتراق مملكة الورق) وانتهاء بـ(بنات الخائبات).. (الغريب العنوان داخل المتن (ابناء الخائبات).. المستل من المتن النصي (رغبت ساعتها لو كنت تانتالوس فازيح الصخرة وارميها بعيدا عنا نحن ابناء الخايبات.)ص8.. بنصيه(فرائس بثياب الفرح) المستل من النص النثري.. و(سيوف خشبيه).المستل من بيت شعري داخل المتن النصي(فكل اسيافنا قد اصبحت خشبا)ص40..وهما يفرشان صورهما الحدثية على امتداد سبع واربعين صفحة.. اسهمت دار ميزوبوتاميا في نشره وانتشاره/2014 ..كونها تعتمد الفنتازيا كاستراتيجية سردية عمادها خيال متسع المدى يبعث الروح في الموجودات ويحملها رؤية جمالية بتوظيف الرمز الفاعل والمتفاعل والواقع..والاسطوري بوصفه نمط حكائي يتجاوز الفكر الواقعي..وخيال صوري يشغل الوجود ويشكل جزء لا يتجزأ من النشاط الروحي للانسان من جهة ويمنح النص بعدا تأويليا يسهم في اتساع المعنى من جهة اخرى..ابتداء من العنوان العلامة السيميائية الدالة على بؤرة السرد بفونيميها اللذين يستدعيان المستهلك(المتلقي)لفك شفرتيهما..كونه بنية تجمع ما بين الذات والموضوع ووظيفته تتطلب انسقة تأويلية تحتفي بالايماء والاغواء..
 

 

(……ما كنت يوما قاطع طريق لكثرة تعثري بظلي..فتمنيت لو كنت طارق بن زياد لاحرقت نفسي بدل احراق سفني لانني لم اكن صانع هذا العالم وما كنت كاسرا للصمت الدولي لانني انفقت عمري كله اعيش مثل ابي الهول وكم تمنيت ان اكون ساعات ضعفي مثل اوغستينو بينوشيت حتى اقتص من كل الصبية الذين ضربوني في المدرسة..عزفت عن كوني بينوشيت لان العالم اصبح صغيرا على الطغاة..حسبت نفسي في سني مراهقتي اكبر عاشق في الناصرية فاطلت لحيتي وشاربي على طريقة بيكاسي..(بيكاسي..رحالة هندي يسير على قدميه يجوب العالم منذ عام 1987 وحتى الان يبلغ رسالة السلام)..لولا تنغيصات حبيبتي التي كلما ضجرت مني عيرتني برسول الحب..(رسول الحب..لقب اطلقه موزعوا اغاني كاظم الساهر عليه)..ويدي في يدها تمنيت لو كنت انا من ضرب انظمة الكمبيوتر بفيروس الحب بعبارة احبك)..ص7..
 

 

فالقاص يستدعي الشخصيات التي من خلالها يتضح فعل الحكي..كونها وجودا يشغل حيزا بمواقفها وفعلها وسلوكها فتركت بصمتها المجتمعية تاريخيا ثم تحولت الى رمز ودلالة يستحضرها المنتج لاسباب فنية وموضوعاتية مستجيبة للتجربة الابداعية.. فضلا عن توظيف الامكنة بوصفها بؤر ثقافية من اجل منح النص ابعادا فنية ايحائية كونها جزء من ثقافة المنتج ..المبدع الذي يعتمد الاطار المشهدي الذي يلملم جزئيات الاحداث والوقائع والانتقال من خلالها الى ملفوظات تتخذ من ضمير الغائب آلية توصيلية..خطابية.. تنطلق من ذاته باستثمار ضمير المتكلم(ما كنت يوما قاطع طريق لكثرة تعثري بظلي..) ص7..او(اني سيء السمعة للغاية اكثر من كل الناس..تعلقت بذيل حمار ودخلت سفينة نوح..)/ص29.. وتوظيف الرمز التاريخي لتوسيع الرؤية الوجودية وجعلها فاعلة ضمن انزياحات اللغة المتأرجحة بين النثري والشعري عبر ثنائية تضادية تكاد تطغى على النص المبني على اساس متواليات مشهدية عبر نظام الحكي بمنظور يقضي اشراك المستهلك(المتلقي) واشغال فكره بتشكلات تستمد خصوصيتها من الموروث المحلي والانساني فتوظفه توظيفا واعيا ومقصودا حتى انه يصير المحفز الاساس لايصال الفكرة وتوصيلها من جهة وخدمة بناء النص معنى ومبنى باضفاء فاعلية محركة للذاكرة من جهة اخرى..اضافة الى توظيف الهامش كنص مواز توظيفا فنيا مضافا للمتن والذي يكشف عن موجوداته المؤثثة له ويفسرها ..فضلا عن اعتماده تقانات فنية كـ (التذكر والاستذكار والتكرار الذي يعد من الظواهر الاسلوبية والجمالية التي تحقق وظيفة توكيدية وايقاعية وتكشف عن جانب من الموقف النفسي والانفعالي اضافة الى تحقيقها التوازن الوجداني..مع تعدد الرواة الساردين..
 

 

(ذات يوم سألوا (سفانة بنت حاتم الطائي) عن احب شيء للمراة؟ فاجابت:الجنس..الجماع..فسالوها من اين عرفت ذلك وانت باكر؟قالت:امي كانت قابلة..كنت ارى النساء يصلن الى الموت اثناء ولادتهن ويبقين يضاجعن ازواجهن رغم وصولهن الموت ساعة الطلق..راحت نظرات عيني تسافر على جغرافيا جسدها البض اللذيذ باستدارته المزدانة الناهدة…وعيناي تستطلعان منحنياتها المثيرةاخذت اتلو صلواتي(صلوات وجدت مكتوبة على لوح ذهبي تحت قدم مومياء وقد ازيل اسم كاتبها)..فوق هضابها الخمرية:
انني استنشق الهواء العذب الخارج من فمك
واتامل كل يوم في جمالك
وامنيتي هي ان اسمع صوتك الحبيب
الذي يشبه حفيف ريح الشمال
ان الحب سيعيد الشباب الى اطرافي
اعطني يدك التي تمسك بروحك
وسوف احتضنها واعيش بها
نادني باسمي مرة اخرى والى الابد
لن يصدر نداؤك ابدا بلا اجابة عنه /ص33
فالقاص يحاول ان يكشف عن الواقع الاجتماعي والانساني باضاءة النص بصور متعددة ودلالات مكانية لا تخلو من الفعل والحركة..اضافة الى استلهامه النص الشعري المعبر عن الاحاسيس والمشاعر بتوظيف الملكه الذاتية والموضوعية لمنح النص اضافة جمالية وفنية تتكيء على ممكنات التخييل والتجاوز وجعله عنصرا بنائيا لتشكيل النص بما يحمله من مدلولات تسهم في تأويل الواقع واعادة انتاجه..لذا يلجا الى الترميز الذي يوحي بدلالات فنية وفكرية كي يراوغ بوساطته خشية التصادم مع الواقع ونظمه واعرافه..فيقدم نصا تتباين فيه الافكار والرؤى تبعا لجدلية مسار الشخصية نفسيا ومعرفيا..لذا فهو يشتغل على اليومي المالوف والجزئي الحدثي ليشكل رحلة ادهاشية تميزت بتنوع احداثها وتعدد ابطالها وامكنتها وازمنتها مع كشف عن الدوافع النفسية والاجتماعية للشخصية عبر قالب فني تعبيري يقوم على الحدث الذي تسوقه الشخصية مستندة على عناصر التشويق والاثارة..

 

 

(اقف داخل دائرة محيطها عيون اهالي البلدة..سيفي بيدي انشد مرددا نداء نزار قباني لخالد بن الوليد::
يا ابن الوليد الا سيف تؤجره
فكل اسيافنا قد اصبحت خشبا
تحدق بي عيون حصلت على مواقع جيدة لرؤية ضرب اعناق(المومسات) عيون رجال مخطوفة واخرى لا مبالية بوجوه كامدة قاسية تتهمني واخرى مغبرة تساندني..عيون نساء مجروحة يائسة..عيون اطفال ترقبني بفزع بارد..عيون بغايا محبطة ناظرة ناحية سيفي واخرى ساخنة ناظرة الى الارض..اثرياء وفقراء..الرجال بملابس رمادية..نسوة يرتدين العباءات السود..) ص40..
فالنص يقوم على درامية متمثلة في الذات المتحركة داخل النسيج النصي وانساقه التي تتجلى فيها التحولات المشهدية وتغير زوايا الرؤية وما ينجم عنها دلاليا..حتى ان الكاتب يستدعي مجموعة من التيمات ويروضها داخل المتن باشكالها ومضامينها باعتماد صيغ واساليب حكائية متداخلة ومتقاطعة مع استثمار تقنية الحكي التبئيري المتفجر من استغلال الصوغ البنائي للحكاية التراثية لتعضيد البناء السردي من الداخل وتحقيق ابعاد ودلالات لا تخلو من متعة ومنفعة عبر لغة ايحائية وجمل موجزة..مكثفة ذات بعد استعاري..

 

(اثناء ذلك حضر جنوده..وجوههم واحدة ومتشابهة اشبه بوجوه لوحة جمهور بلا وجوه للفنان تسونهيسا كيمورا..برفقتهم فتاة ترتدي عباءة سوداء فوق بدلة زفافها يحيط بها الجنود مثل احاطة الغيوم بالبدر..سالت ذات يوم جدتي لامي:لماذا ترتدي العروس ليلة زفافها بدلة بيضاء؟ قالت جدتي:ان الارواح الشريرة تحلق ليلة الزفاف بكثرة فوق راس العروس لذا ترتدي العروس بدلة بيضاء تطرد بها الارواح الشريرة لكون الارواح الشريرة تخاف من البياض)/ص17..
ففاعلية الرؤية عند القاص تطرح انموذجا من القول الذي يكشف عن واقع محاط بالسواد الرمز العاكس لصورة الحاكم واتباعه.. والوجود الانساني الطاهر عبر البياض.. مع توظيف الميثولجيا والظواهر الطبيعية(كسوف الشمس وخسوف القمر) والفنتازيا كما في الدخول الى الحياة(سفينة نوح) عن طريق عالم الحيوان(الخروج من ظهر اسد على سفينة نوح) ص8..و(تعلقت بذيل حمار ودخلت سفينة نوح) ص29.. والمزج بين المشهد والحدث بتنظيم مدركات الوجود عبر الانتقالات السردية التي لم تكتف بالزمكانية بل تجاوزت ذلك الى الكشف عن الافعال الانسانية من خلال الالوان (الابيض/الاسود..)..اضافة الى اعتماده الحوار بنوعيه الذاتي(المنولوجي)والموضوعي(الديالوجي) من اجل الكشف عن سريرة الشخصية وافكارها..(…..استشفائيا مثلت بين يدي عتوده(خادم ابرهة الحبشي..لشدة وفائه لسيده ابرهة طلب منه ان يمنحه شرف فض بكارة كل عذراء ليلة زفافها فوافق ابرهة على طلب خادمه المطيع عتوده)..الذي فقد ذكوريته بسبب مكيدة دبرتها له ونفذتها فتاة حرة نصبت نفسها ليلة زفافها قاضيا وجلادا وضحية..ضحت بحياتها من اجل بقية فتيات مدينتها العذراوات..جلبوها له..طلبت منه بشوق فائض( مولاي عتوده..عندي امنية آمل ان تحققها لي..اجابها: اطلبي ما تشائين..قالت دون تردد:أقبل حيوانك الاسود الجميل قبيل فضك لبكارتي..)/ ص13.. فالكاتب يشتغل على تقنية التناص التي تستدعي بنيات تحويلية زمانيا ومكانيا بتناصه وحكاية شهرزاد وشهريار في الف ليلة وليلة من اجل ترسيخ مبدأ الهوية التراثية في بعدها الحكائي مع تعبير(بالتراث لا عن التراث)..باضفاء الطابع الموضوعي والدرامي على النص والكشف عن الذات المغتربة..الهاربة من واقعها الى عوالم الاسطورة والحلم والخيال بتماهيه والحركة الحداثية التي عاصرت تحولات السرد القصصي فانطلق في بنائه من فهم جدلي عميق متمثلا الاصالة والمعاصرة ومن استيعاب ناضج لعطاءات التراث..فضلا عن انه يوظف الجنس اشارة لاستمرارية الوجود البشري الذي يعاني ويلات الاغتراب والضغط النفسي برمزية (الصخرة)..الاحتلال..اما وجود المراة بشكل سيطر على السرد حتى انها صارت المحرك الفاعل له (فهي المدينة(ناصرية)والتاريخ والوجود البشري..

 

(قالت بغضب وهي تعضني في زندي الايمن:
ـ الانثى هي الاساس.انها المخلوق الكامل لانها من تملك رحما..لقد خلقها الله محبة للحياة مثل قطتي التي تدافع عن قطيطاتها وخلق الله ادم كي يقتل مثل الهر الكبير يحدد نسلي..نسل هذه الحياة الدفاقة..)ص37..
وبذلك قدم القاص نصوصا متمردة على واقع لا يهمه الا متعته الجنسية متناسيا العقل والاحتلالات التي كانت الصخرة رمزها(اسرائيل) حينا.. وقطع الرؤوس حينا اخر..فكان انحصار بناءها السردي على احداث ومواقف تنثال عبر خطوط الزمن من ذاكرة السارد..لذا خلت من الحدث والبطل المحوري وركزت على البيئة المكانية والتركيبية النفسية الانسانية و(التذكر والاستذكار)..(ذكرني انفراط جديلتها بانفراط ضفيرة معلمتي وهي تشرح لنا في درس التاريخ كيف ان هيلين كانت فاضلة وان التي ذهبت الى طروادة كانت امراة اخرى من صنع الالهة تشبه هيلين..)/ ص20..مع اتكاء على عناصر موضوعاتية تنحصر في الذات التي تشكل المركز وبؤرة السرد التي يشع منها الواقع الاجتماعي بكل موجوداته..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً