الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
"في تابوت امرأة" لسرين حسن متاهة الأ عراف ... مأساة الوجود - علوان مهدي الجيلاني
الساعة 17:52 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


تنبني الحكاية في رواية "في تابوت امرأة" على ثيمة أزلية عرفتها الأساطير والحكايات القديمة وعرفها الأدب منذ قصة أوديب الذي قتل أباه وتزوج أمه دون أن يدري ..وقد أعيد انتاج هذه الثيمة في مئات الحكايات والروايات والقصص والمسرحيات والأغاني والأفلام والمسلسلات .. لقبولها الدائم للتجدد وللمعالجات المختلفة بحكم كونها موضوعا وجودياً لا يبلى ومشكلة إنسانية أزلية .. 
نحن هنا امام ماساة اجتماعية وإنسانية من الدرجة الأولى ثمة فتاة في سن المراهقة اسمها سارة يغتصبها أبوها .. وحين يتكشف حملها يتهمها بعلاقة مع شاب مّا ويوغل في تعذيبها بوحشية تحت طائلة الدفاع عن شرف السرة الذي دنسته ، وحين تهربها أمها تضطر بعد معاناة طويلة للجوء إلى أحد البيت حيث تعمل شغالة باسم مستعار هو " أزهار" وتعيش في ظلال الخوف ورهبة العيون المتلصصة عليها والألسنة الآكلة فيها ، تلد طفلها هناك وبعد شهور يأتي ابن العائلة الشاب فيغتصبها .. وحين يحاول معاودة فعلته تطعنه وتفر بطفلها .. وفي فرارها تعاني ذل العيش خادمة في البيوت بأسماء مستعارة ..ومحاولتها لا تتوقف من اجل العودة إلى أهلها .. لكنها حين تعود تفقد ولدها وتدخل السجن لتجد في انتظارها اغتصابات أخرى تفذها سجينة شاذة طورا وسجانون متحشون طوراً وبعد معاناة طويلة تهرب وتجد طرقا أخرى للحياة تتخلص بواسطتها من الوطن وتتخلى عن الدين وهناك في لندن تسوقها الماساة إلى علاقة فراش مع شاب يصغرها سناً ما تلبث أن تعرف أنه ليس إلا ابنها الذي انجبته من أبيها ..

 

 

قصة مفزعة تحبس الأنفاس .. لكن الإضافة الحقيقية التي وفقت المؤلفة في اجتراحها هي سرد الحكاية من خلال الخصوصية اليمنية .. وهي خصوصية تسحق الأنثى تكممها وتقتل شخصيتها .. وتظلم وجودها من جوه مختلفة ..
فزنا المحارم غالبا ما تحيق عواقبه بالمرأة دون الرجل وكذلك الإغتصابات..وغيرها وما يزيد الطين بلة هو إصرار المجتمع على التعامل مع مثل هذه القضايا الخطيرة بوصفها مسكوتا عنه لا يجب اختراقه .

 

مما يحسب للمؤلفة أنها استطاعت أن تبرز الآثار السلبية التي تلحق بمن تقع عليها هذه المصيبة في المجتمع .." كل نظرة كانت طعنة في شبح شخصيتها التي محيت منذ مدة طويلة بممحاة الأعراف" ص24
يقوم الراوي في هذا العمل السردي – وهو راو من الدرجة الثانية – بوظيفة السرد في المقام الأول وإلى جانبها وظائف تنظيم النص والربط بين الأحداث والتذكير بها ..ويقوم أيضا بوظيفة إبلاغية تستهدف توجيه القارىء إلى تحيزات معينة أو تفسير بعض ما ينغلق عليه .. أو حتى وعظه ..
- هناك اختزالات مخلة بالسرد وفيها نوع الركاكة في الصياغة نتيجة تسرع الكاتبة وعدم صبرها على مداورة اللغة واستقطار مفرداتها المعبرة عن واقع الحال ، في ص8 على سبيل المثال نقرأ : ينبطح وليد أمام باب غرفتهم المؤدي إلى الشارع ، يمد يده " التعبير يجب ان يكون بالمثنى " باب غرفتهما " بما أن وليد وأمه يسكنان الغرفة ، لكن حتى التعبير بالمثنى لم يكن مطلوباً ، فيكفي أن تقول " باب الغرفة ، الاستعجال جعل ىالنص يستعمل التعبير اليومي دون ضرورة بحكم اعتماد السرد على الفصيح .. ومثل ذلك قوله في ص12 " كلما مرت بها احدى الضيوف " هنا تشعر انها لا تخطىء لغويا فهي لا شك تعرف ان الاجدر بها ان تقول "احدى الضيفات " لكنها تمتثل لانساق التعبير اللهجوي الذي تشعر ان الإشارة فيه تغني عن الابارة .

 

- هناك استباقات تضر بعملية السرد لأنها تهيئنا لا كتشاف ما لا يجب أن نكتشفه إلا في حينه . كمثال على ذلك فقرة في ص8 : ما اجمل عالم وليد وما ابسطه ، لا يعرف من الدنيا سوى لعبته من أم سلطان .. وبعض الحليب الذي لا يدفئه كما كان حليب أمه الذي لم يفهم لم لم يعد يعطى له ؟ ووجه والدته الذي قد لا يتذكره مستقبلا إلا مغطى بالدموع .." فهذه الجملة الأخيرة تعد استباقا سردياً لا داعي له .لأنه يحرق جانبا من مفاجآت المروي ..وحتى يكون كلامي واضحا فلا بد من ذكر أن الاستباق هو مخالفة لسير زمن السد تقوم على تجاوز حاضر الحكاية وذكر حدث لم يحن وقته بعد وهو يصلح حين يكون السرد بضمير المتكلم لأن الراوي بضمير المتكلم هو راو من الدرجة الأولى ، راو عليم ، إذ هو يحكي عن نفسه .. أما حين يكون الراوي بضمير الغائب .. فكثيرا ما يصير الاستباق محرقا للحدث ..
 

- في رواية " في تابوت امرأة غالبا ما لعب الإسترجاع دورا أساسياً في نسج الحكاية وتفسير احداثها من خلال تسليط الأضواء على ماضي شخصية البطلة وتفسير ما غمض من مجريات حياتها ..وكثيراً ما كان الإسترجاع في هذه الرواية تاماً ، وقد وفقت الكاتبة بقوة في استعماله .. فهو من لوازم الروايات التي يبدأ سردها من المنتصف إذ يقوم الإسترجاع باستعادة الأجزاء الساقطة من الحكاية والتي تكون أحيانا هي متن الحكاية وهي الجزء الأساسي والمهم فيها .. كما في هذه الرواية .. التي نجح السرد في تقسيط استرجاعاتها للحدث المحوري وهو تعرض البطلة للاغتصاب من قبل أبيها المتوحش وقد تم تقسيط الإسترجاع لهذا الحدث على مراحل .. تلفت النظر براعة الكاتبة في مداخلة السرد بين الوقائع المسترجعة وبين السياق االحكائي الذي كانت تسوقه قبل عملية الاسترجاع ..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً