الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
في عشر قراءات للجزائري بن مالك: تخبط المصطلح النقدي في الدراسات والترجمات العربية - الطاهر الطويل
الساعة 11:15 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

 إن المستقرئ لحال المصطلح المعاصر في الدرس النقدي العربي لا يستطيع أن يتجاهل حجم الاضطراب الذي يعتور ترجمة المصطلح الأجنبي، ولا أن يغض الطرف عن التدفق غير المبرر لعدد من المصطلحات التي يُراد لها أن تقابل مصطلحا دخيلا واحدا، ولا أن يضرب صفحا عن «الجنايات التي ترتكب بحق العربية باسم تطويرها من أجل أن تستوعب المفردات الجديدة.

تلك إحدى الخلاصات المركزية التي يخرج بها الباحث الأكاديمي الجزائري سيدي محمد بن مالك في كتابه الجديد «السرد والمصطلح: عشر قراءات في المصطلح السردي وترجمته» الصادر حديثا عن دار ميم للنشر في الجزائر، الذي يسعى من خلاله إلى الاقتراب من مفاهيم سردية تمثل مفاتيح النظرية النقدية المعاصرة، من حيث هي مصطلحات تُعرِّف بطرائق وأساليب تحليل الخطاب السردي في النقد الأدبي الغربي. كما يروم الكاتب استمالة الدارس والقارئ العربيين إلى أهمية توظيف المصطلحات السردية في دراسة النص الأدبي العربي، مع عدم إغفال الخصوصية الثقافية لهذا النص المكتوب في سياقات تختلف، حتما، عن سياقات النص الأدبي الغربي المُنتِج لتلك المصطلحات/ الأدوات عبر التحليل والاستنباط، ويوضح المؤلف في مقدمة كتابه أن عملية استثمار المفاهيم السردية ينبغي أن تكون وسيلة وليس غاية في حد ذاتها. وذلك ما حاول القيام به من خلال تطبيق بعض تلك المفاهيم على نصوص عربية تنتمي إلى أجناس وأنواع أدبية مختلفة من قصة ورواية وملحمة، مبينا استجابة النص العربي للنموذج المقترح وقصور النموذج في النفاذ إلى النسق الثقافي المتواري خلف اللغة الأدبية، من حيث إن أغلب المصطلحات/ الأدوات هي مفاهيم سردية تُعنى بالمظاهر الشكلية والأسلوبية والفنية، نظيرَ المفاهيم المتمخضة عن الشكلانية والشعرية والسرديات. غير أن بعضها الآخر يتيح إمكان القراءة التأويلية التي تتجاوز تخوم الدال وحدوده، مثل المفاهيم المتولدة عن السيميائيات السردية أو بعضها.
 

 

ومن خلال التشريح «الجزئي لوضعية المصطلح النقدي في الخطابين الغربي والعربي، يستنتج المؤلف أن حال المصطلح هنا وهناك تسيران في خطين متوازيين، فبينما تستتب حال المصطلح في الخطاب الغربي، إلى حد كبير، بفضل ركون الدارس إلى اللغتين الإغريقية واللاتينية في اقتراض المصطلح واهتدائه بمناهج التقييس المصطلحي وتطويعه لمصطلحات العلوم الأخرى بشكل يخدم أسلوبه في مقاربة النص الذي يفرض عليه اصطناع مصطلحات تحويل إلى اكتفائه بذاته؛ نجد أن حال المصطلح في الخطاب العربي لا تبعث على الارتياح بسبب حيرة المثقف، عامة، في تلقي مفردات المصطلح الدخيل وإغفاله لأصول الترجمة وأدواتها وتغافله أو انحرافه عن التوظيف الصحيح لمناهج التقييس العالمية المعروفة.
 

وفي هذا الإطار، يبرز بن مالك بعضًا من الفوضى الاصطلاحية التي أصبحت متلبسة بالمصطلح النقدي المعاصر في الدراسات والترجمات العربية، عبر تقديم جملة من الأمثلة والشهادات التي تعبر عن الحَـرْفية في وضع المصطلح الأجنبي ترجمة وتعريبا. ويقترح المؤلف ترتيبات تساعد في الحد من هذا التخبط الاصطلاحي، مشددا على أهمية الاستناد إلى معاجم اللغة العربية، باعتبارها المنطلق والمرتكز لأي اشتغال اصطلاحي يصبو إلى توحيد المصطلح النقدي.
 

ومن هنا، يتوقف ـ مثلا ـ عند مصطلح الخطاب في الدرس النقدي، ليبرز أن له مفاهيم ثلاثة: فهو مجموعة من المُهيْمنات والمشِّكلات الجمالية التي تميزه عن مجالات الخطاب الأخرى، وتحدد أجناسه (الخطاب السردي، الخطاب الشعري، الخطاب الدرامي)؛ وهو تلفظ شفوي أو مكتوب يحبك الملفوظ أو الحكاية، وتختلف مكوناته بحسب المنظورات التحليلية للخطاب السردي (منظور توماشفسكي، منظور تودوروف، منظور جينيت)؛ وهو صيغة تلفظية تنبئ بخفوت السرد الذي يستأثر به الراوي وبروز التمثيل الذي تهيمن عليه الشخصية.
 

وكنموذج لاضطراب الترجمة في مصطلحات السرديات، يحلل المؤلف كتاب «معجم السرديات» (عمل مشترك صادر عن الرابطة الدولية للناشرين المستقلين، سنة 2010)، إذ يلاحظ أن عنوان الكتاب خالف متن القاموس في ما يتعلق بمصطلح السرديات مرتين اثنتين: مرة حين أضاف الدارسون إلى تعريف مصطلحات السرديات تعريفَ مصطلحات أخرى ارتبطت بنظريات نقدية بعضها تقاطع مع السرديات مثل الشكلانية والشعرية، وبعضها الآخر انفصل عنها مثل نظرية القراءة والنظرية السوسيوشعرية؛ ومرة حين أردفوا ببيان موضوع السرديات الذي هو خطاب المحكي عرضَ موضوعات الحكاية ومضامين الرواية وأشكال القارئ.
 

ولتلمّس بواكير ترجمة المصطلح النقدي في النقد الجزائري، يحلل المؤلف كتاب «النص الأدبي: من أين؟ وإلى أين؟» الصادر عن ديوان المطبوعات الجامعية سنة 1983، للناقد الجزائري عبد المالك مرتاض الذي انصرف إلى ترجمة المصطلح النقدي المعاصر تارة، وإلى اقتراضه تارة أخرى، مستعينا بأهليته اللسانية وبجرأته على اقتحام مجال الترجمة المصطلحية، حتى إن نأت بعض المعادلات التي ارتضاها للمصطلحات الدخيلة عمّا هو متعارف عليه اليوم من مصطلحات نقدية متفق عليها، إلى حد ما، من لدن النقاد العرب، وتميز بترجمة مصطلحات لم يحد عنها طوال مسيرته النقدية، نظير مصطلح «الحيّـز» الذي يكاد يمثل محور دراساته التي ألفها على امتداد خمس وثلاثين سنة.
 

كما يقدم سيدي محمد بن مالك قراءة في كتاب الصادق قسومة المعنون بـ«علم السرد» والصادر عن جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية سنة 2009، مستخلصا أن هذا الكتاب وإن حسنتْ مزاياه وكثرتْ، تعوزه الموضوعية والروح العلمية، من حيث انصرافه عن الإقرار بوجود أعمال رائدة في ميدان السرديات العربية، لا ينبغي ـ بأي حال من الأحوال ـ إنكارها أو التنكر لها والتقليل من قيمتها ووسمها بالنقص والقصور، ما دامت تجرّب ـ شأنها في ذلك شأن هذا الكتاب ـ أعسر نشاط وهو الترجمة؛ فإذا لم تستطع تلك الأعمال التدقيق في التصورات أملاً في تيسير المصطلحات، فحسبها أنها أرادت توجيه القارئ إلى وجود علم يهتم بالمستويات المحايثة للسرد وخصائصه الجوهرية، بعدما شهد النقد العربي اهتماما فائقا بالمضامين الاجتماعية والأيديولوجية والنفسية والتاريخية التي حفل بها السرد العربي ردحا من الزمن.
 

ويرى المؤلف أن ترجمة المصطلح النقدي المعاصر اشتغال أدبي وعلمي ولساني؛ فالمترجم، وهو ينقل مفاهيم جديدة يهتدي بها الدارس في مقاربة النص، يحاول احترام الخاصية الأدبية التي تسم المصطلح بوصفه أداة إجرائية يتوسل به الدارس تحليل شعرية الأدب التي تنطوي على جملة من الخصائص والصفات المحايثة للخطاب. كما أن المترجم، إذ ينصرف إلى توحيد المصطلح قدر المستطاع، يعتمد على مناهج التقييس العالمية والعربية، فيضفي على اشتغاله ذاك علمية تميز المصطلحية كعلم يصبو إلى الحد من تداخل المصطلحات وتشعبها وتعددها واستعصائها على الجرد والإحصاء.

منقول من القدس العربي ...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً