الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
كاتبة يمنية: القصة القصيرة تناضل لتثبيت وجودها - محمد الحمامصي
الساعة 14:59 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

 
انتصار السري ترى أن القصة القصيرة في اليمن لها حضورها ومكانتها رغم هيمنة الشعر والرواية.


سأظل محافظة على حضوري

يشكل فضح القمع الروحي والجسدي للمرأة مفردة أساسية في معالجات الكاتبة اليمنية انتصار السري في مجموعتها القصصية "لحرب واحدة" الصادرة عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، فالمرأة عندها مطاردة بالابتزاز والخوف والطمع والقهر، مخترقة ومحاصرة بجسدها وروحها دون أمل في الإفلات، وقد نجحت الكاتبة في أن تنسج عوالم هذه المرأة بلغة مكثفة وأسلوب بسيط شفاف يعكس وعيها بأفكارها ورسالتها التي ترغب في إيصالها للقارئ.

انتصار السري صحفية في بعض الصحف اليمنية وموقع الرأي برس، ولها ثلاث مجموعات قصصية منها "الرقص على سيمفونية الألـم" 2010، و"المحرقة" التي فازت بجائزة الشاعر عبدالعزيز المقالح للقصة القصيرة عام 2013، وشاركت قصصها في كتاب الأنطولوجيا العربية للقصة القصيرة جداً بصيغة المؤنث، وكتاب حصاد جاليري الأدب 2014 في المغرب، كتاب أنطولوجيا جاليري للقصة القصيرة جداً في المغرب وشاركت في ملتقى الرواد الكبار للقصة القصيرة جدا في الأردن 2014، وكذلك في الملتقى العربي الثاني للأقصوصة لمنتدى عنجرة في جامعة عجلون في الأردن 2015.

تقول السري عن تجربتها "تجربتي ما زالت في بدايتها لا أقدر أقول إنها مكتملة، فالكاتب كل يوم يتعلم ويستفيد ويطلع على كل ما هو جديد، كانت البداية منذ دراستي في المدرسة، فيما بعد مرحلة الثانوية كنت أكتب قصصا لكنها تعتبر في مرحلة الولادة والتي هي بحاجة إلى عناية وتشذيب وتطوير وتقنية وتلك لم أكتسبها إلا بما قرأت من إبداعات عالمية وعربية ويمنية.

 

من ثم كانت مرحلة ما بعد الجامعة وفيها انخرطت مع زملاء في الوسط الأدبي والثقافي الذي تمثل بحضوري فعاليات ثقافية وندوات إبداعية، فجاءت طباعة كتابي الأول "الرقص على سمفونية الألم" ومن ثم مشاركتي في مسابقة المقالح وفوز كتابي الثاني "المحرقة" بجائزة القصة التي فتحت لإبداعي آفاق أوسع داخل اليمن وخارجه. وفي بداية عام 2016 كان ميلاد كتابي الثالث "لحربٍ واحدة" والذي طبع في مؤسسة أروقة في مصر، وهو أول كتاب يطبع ويوزع خارج اليمن. إذن تجربتي ما زالت بسيطة لكني أتمنى أن تنمو وتصل إلى العالمية.

 

وتشير السري إلى أن لكل قصة من قصصها فكرتها وملمحها الخاص، لا مدرسة ولا أسلوب واحد انغلق عليه أو يؤطر إبداعي، لكن ثمة صوت الأنثى وصدى بوحها يغلب على بعض النصوص.

وتؤكد القصة القصيرة الآن تناضل لتأكيد وتثبيت وجودها في ظل الغزو الكبير لرواية، فالرواية تتيح للكاتب متنفسا ليقول ما يرغب به مما جعلها حاضرة بقوة، وكل يوم نقرأ عن اصدار جديد لرواية قد يكون ذلك الاصدار متميز وإضافة نوعية والكثير منها يحسب على جنس الرواية بالعدد فقط ليس مثل القصة التي هي فن عميق ليس أي كاتب يتمكن من كتابتها.

 

وتضيف "الرواية الآن هي المرغوبة من حيث النشر والتسويق حتى أن هناك بعض دور النشر لا تقبل أن تطبع المجاميع القصصية، وإنما تكرس نشرها للرواية وهذا ظلم كبير للقصة القصيرة. لكن على الرغم من كل ذلك تفرض القصة القصيرة حضورها ومن يتابع إصدارات بعض دور النشر العربية والمحلية الجديدة يجد لها حضورا، كما أن وجود مسابقات تختص بالقصة شجع العديد من المبدعين العرب على الكتابة والمشاركة فيها.

        
      وتلفت السري إلى أنها عندما تقرأ لبعض الزملاء العرب واليمنيين من كتاب القصة القصيرة وتلحظ جمال السرد وعمق الفكرة، وأسلوب القص الحديث وخاصة لمن أخلصوا لهذا الفن تقول إن المشهد القصصي العربي بخير، والقصة في ازدهار وتطور، ولسان حالها يقول لكل الأجناس الأدبية "أنا هنا وسأظل هنا محافظة على حضوري". إن القصة كسرت القيود والشروط التي كانت تكبلها وانفتحت على الإبداع شكلا ومضمونا مرتدية ثوب الحداثة.

وترى السري أن القصة القصيرة في اليمن لها حضورها ومكانتها رغم هيمنة الشعر والرواية في الأوساط الأدبية والثقافية، غير أن القصة شقت لها طريقا خاصا وحافظت عليه، وهناك الكثير من الأسماء اليمنية التي وصلت للعالمية من خلال القصة وترجمت لهم العديد من قصصهم إلى مختلف اللغات.

إن حركة القصة القصيرة جيدة، لكن هيمنة بعض الأجناس الأدبية وتعمد وسائل الإعلام الترويج لها وتجاهل القصة هو ما يعطي الإحساس بأن هناك أزمة، لكن هذا غير حقيقي.

وتضيف "النقد وجع آخر لكتاب القصة القصيرة، حيث نلحظ أن بعض النقاد قد يتجاهلون القصة ويركزون على الرواية، والبعض منهم قد ينقد من باب المجاملة ويسهب في المدح وهذا يؤذي الكاتب ولا ينفعه.

أيضا هناك نقد يتمركز على نقد الكاتب وليس العمل الإبداعي. في عملية النقد يجب على الناقد نسيان الكاتب لأن دور المبدع انتهى عند اصداره نتاجه الأدبي ويكون النقد للنص فقط.

أيضا غياب الناقد المتخصص في النقد مثل الاكاديمي وترفعه عن نقد أي نتاج أدبي لكاتب في مبتدأ طريقه الأدبي. لقد ظلم النقد القصة القصيرة في اليمن بل هو يحاول تجاهلها، إلا حالات قليلة ومنها مواكبة حفل توقيع الكتاب.

أضف إلى ذلك انتشار ظاهرة نقد الشللية في الوسط الثقافي وما أكثرها مما أثر على مصادقة النقد والغاية منه. وفي الأخير نحن نأمل بحضور الناقد الحقيقي ومد يده للمبدع لكي يستفيد من اخطائه ليتجنبها في عمله الإبداع الجديد".

 

•    نموذج من قصص "لحرب واحدة"

* "اختـراق"

- ألا تكف عن هذه السموم؟! ألم تملّ من سخافاتك؟

- يبدو أنكِ لم تستوعبي مدى جدية كلامي، ألا تخافين تهديداتي؟!

- عليك اللعنة، أما زلتَ تسكب عليّ "سموم تهديداتك"، يا لك من شخص...!! سوف أحذفك يا...

- حسناً لكِ ما تريدين وغداً تنجلي الأمور.

تمر الليلة الأولى بسلام، تأتي الليلة التالية برسالة فحواها:

- ها أنذا موجود، هل تمكنتِ من حذفي؟ هل انتهى أمركِ معي؟ يا لكِ من ساذجة! ألا تعلمين مع من تلعبين؟ هل تريدين أن أزودكِ بالمزيد عنكِ، حسناً خذي مثلاً، تسكنين في حي ...، في شارع...، أمام منزلكِ شركة...، في زاوية منزلكِ بقالة...، كما أنني أعرف عنكِ، علاقاتكِ، هواياتكِ، هل ما زلتِ تستهينين بي وبقدراتي؟ هل أدركتِ من أنا؟

ترتجف أناملها تسأله في خوف، والرعب يملأ قلبها:

- من أنت؟ وماذا تريد مني؟

- الآن حان الوقت نلعب على المكشوف، أريدك أنتِ، أريد جسدكِ.

- ماذا؟ هل أنت مخبول؟ ألا تعرف من أنا؟

- اسمعي أريد أن ألقاكِ غداً في أي مكان، في كامل زينتكِ، لنقضي وقتاً ممتعاً.

- يا لك من حقير، كيف تتجرأ على قول ذلك؟

- غرفتكِ جميلة!! سريركِ البني ساحر، أليس لونه كذلك أم أنني مخطئ؟

يعتريها هلع، تعوذّت من الشيطان، تقول له:

- أعوذ بالله منك، من تكون؟

يقهقه بصوته عالياً

- لا تخافي لست بجني، لقد كان مجرد تخمين، ولكي تعرفيني أكثر فأنا أعمل في إحدى الشركات، ولديَّ معرفة بعلم الاختراق، فإذا لم تستجيبي لطلبي غداً، سيكون لكِ بعد الغد على طاولة جهاز الأمن، ملفٌّ دسمٌ عن إدارة أكبر خلية... ، وأوسع شبكة تديرينها، عندها تخيلي نفسكِ، وكيف سيكون مستقبلكِ وسمعتكِ، وكم يد ستتحسس بشرتكِ الناعمة، وشعركِ المنساب، وكم حضن سيتنقل جسدكِ عبره، آه هذا بعد أن يكون لي شرف البدءِ، هيا قرري...!!

 

* "عابرون"

على تلك الطريق الوعرة أعاني مشقة المشي يومياً، أصعد إلى قمة ذلك الجبل أكابد قسوة الطبيعة، لا لشيء سوى مروري بالقرب من منزل ينتصب بين صخور الجبل كنخلهً تعاني جفافاً.

        
    
        
ذلك المنزل المغروس في قمة الجبل، يحوي عالماً من المجهول، أحياناً تنبعث منه آهات محبوسة، أسمع فيه صدى شهقة مكتومة، وذات ليلة أثناء مروري بقربه، سمعت صوت حديث!! كانت امرأة تتحدث إلى شخص ما، تفاجأت من حديثها، سألت نفسي من تكون تلك السيدة؟ ومن ذلك الشخص الذي تبوح له بذلك الحديث؟ تكرّر مروري كل مساء بجوار المنزل حيث يتكرر ذلك الحديث وذلك المجون، أدركت أنها زوجة ذلك الشخص.

ذات مساء بعد خروجي من العمل، تاقت نفسي لسماع البوح من الزوجة لزوجها، عند اقترابي من المنزل، ظهر لي من بعدي بإضاءته الباهتة المنبعثة من النافذة الوحيدة لغرفة وحيدة في منزل أظن أنه مكون من غرفة وحمام، أما المطبخ فإنني أشك في وجوده.

قبعت تحت النافذة الوحيدة وكلي شوق لسماع الزوجة تخاطب زوجها المقعد منذ أعوام، كان صوتها شجياً وهي تروي له أحدث مغامراتها الليلية مع العابرين على بياض جسدها، لها مهارة في إتقان تصوير ونقل تفاصيل همساتهم، لمساتهم، صوتها يسقط عليه كسوطٍ يجلده بحديثها الشبق، نعم شعرتُ بحركة عينيه الجاحظتين، كان يمتاز غيظاً، يلعن يوم زواجه منها.

لحظة استراقي لوصف حديثها لم أتمالك نفسي، أسرعت الخطى نحو منزلي، لأحتضن زوجتي بشوق.

صباح ذلك النهار استيقظت زوجتي تدندن بأحد الألحان بسعادة، غادرت منزلي بكل حيوية.

في طريقي إلى العمل توقفت أمام ذلك المنزل، كان ثمة رجال يشِّيعون جثمان رجل، امرأة تلطم وجهها، صارخة:

- آهٍ يا زوجي!! لمن تتركني وترحل؟؟ لي الموت بعدك...

عيناي تحوطانها، شعرها الأسود يتطاير، جسدها الغض يتمرد على قيوده من تلك الثياب.

الجنازة تتوارى خلف الجبل، ينتهي احتفال ذلك الصباح الجنائزي، يتوقف صراخ المرأة، تدرك تلصص عينيَّ نحوها، ينتفض بدنها، عيناها تدعوانني لولوج منزلها، ساقاي تعبران الطريق إلى عملي، تدركان أنهما في المساء ستسلكان طريقاً أخرى.

منقولة من ميدل ايست أونلاين...

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً