"مختارات من القصص القصيرة الأوزبكية" كتاب من تأليف مجموعة من الأدباء الأوزبك. ترجمة وتقديم د.مرتضى سيد عمروف، مراجعة د.نعمة الله إبراهيموف، سلسلة إبداعات عالمية. المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2009م.

تسخر قصة (الوليمة) لأوتكير هاشيموف من خالق تجنك الطفيلى الذى يذهب إلى كل الولائم، والذى يحرج البروفيسور عارف ويأخذه معه فى أكثر من وليمة مما يؤثر على تركيزه فى عمله، فيضطر لأخذ موقف حاسم من خالق تجنك ويقاطعه، فيهاجمه هذا علنا فى المقهى (الشاى خانة) باعتباره متعال على أبناء حيه، لكن عارف يكون قد وجد أخيرا الوقت "فقد كان يفحص نتائج الاختراع الجديد فى المختبر، ويفكر في الفائدة التى سوف تعود على الشعب إذا ما أنجز هذا العمل".ص112.
مقالات للكاتب

فى رحاب التابعين.. الإمام الزهري
علاء الدين الخلجي.. سلطان يعرف حدوده
السلطان ناصر الدين محمود يكتب المصحف ليعيش بثمنه

أما قصتا (أمانة القيامة) لأولماس عمر بيكوف، و(الدنيا العجيبة) لطاهر مليك، فهما قصتان عن الحرب ومآسيها وما فيها أيضا من نبل وضمائر حية. فالقصة الأولى عن سرسان باى الذى يموت ابنه فى الحرب، ويعطيه صديق الابن حيدر على غنميتن ليربيهما له فبل ذهابه هو الآخر إلى الحرب، يرعى الغنمتين لتكونا صالحتين للذبح فى عرس حيدر على عند عودته من الحرب، لكن حيدر على لا يأتى لمدة عشرين عامًا، وسرسان باى تزيد لديه أعداد الغنمات التى يربيها لحيدر على، يذهب إلى سوق المدينة أسبوعيا لعله يصادف حيدر على فيؤدى له أمانته، فى عمق القصة وفى عمق قلب الرجل أمل أن يعود ابنه الذى يثق انه مات مع صديقه، أو يعود حيدر بعد أن ييكون نفذ وصيته بأن يرى قبر ابنه فى ستالينجراد. 

وفى قصة الدنيا العجيبة يفقد بيغيت على قدمه فى الحرب ويعمل راعيًا، ويحرض أهل المزرعة الجماعية التى يعمل فيها على رئيسها الظالم، ويطالبه بأن يجمع الناس القمح يومين لهم وخمسة للمزرعة، ويصمم بيغيت على أن يفى لصديقه فى الحرب رمضان فيأمر امرأته بأن تخبز كل ما لديه من قمح ويذهب بالخبز إلى أبناء صديقه الذى يظنه مات فى الحرب، يكتشف أن صديقه حى وسليم ويعمل فى مدينة أخرى موزعا للخبز، ويقسو على الناس، ويحتفظ بالخبز لنفسه، يعطى بيغيت على ما معه من خبز لامرأة عجوز مات ابنها فى الحرب لتطعم أحفادها، ويعود إلى مزرعته، ينال وساما، يدخل رمضان السجن لاختلاسه بعض المال ويستنجد به. 

إن ضمير بيغيت على يجعله يتصرف بما فيه صالح الفقراء سواء فى ثورته على رئيس المزرعة أو فى منحه الخبز للعجوز فقد صنع هذا الخبز على أية حال ليأكله أبناء شهيد، وهى الفكرة التى تركز عليها القصة.

قصة (الثلج الأبيض) لأمان مختار عن مآسى الحرب أيضًا، والقصة مكتوبة بحكى غير تقليدى، حيث يتم تقطيع جمل الحوار وعمل وقفات حتىيستكمل القارئ بنفسه ما تشعر به الشخصية، وهو ما يورط القارئ لا شعوريا فتتلبسه الشخصيات، فنعمان خان يفقد ابنه فى الحرب، ثم يعثر على طفل يتيم طرده زوج أمه، فيربيه بديلاً لابنه، يكبر الطفل ويتزوج وينجب، وتستمر الحياة، فبقدر ما تصور القصة مآسى وويلات الحرب بقدر ما تؤكد قدرة الحياة على الاستمرار برغم كل شئ، ويبدو عنوان القصة غير مناسب، حتى إن وصف الثلج بأنه أبيض أيضًا يبدو وصفًا زائدًا فكل الثلج أبيض.

أما قصو (المهد) لعبد الله قهار فهى عن الضمير الحى لدى غنى جان الذى يذهب لشراء مهد لمولوده، لكنه يرى شخصًا فى الطريق يطلب معونته، يجمح الحصان بغنى جان، وعندما يعود ليرى ما يريده هذا الشخص لا يجده، يعود إلى البيت مفكرًا فى هذا الشخص، ربما كان مريضًا أو جريحًا، لا يستطيع النوم، يذهب إلى الاصطبل ليأخذ حصانًا ليذهب إلى المكان نفسه مرة أخرى، فيقابل السائس نصيب على الذى يخبره أنه هو الذى أشار له بيده، فيرتاح ضميره ويسعد بالمهد الذى اشتراه لابنه، فالقصة تعلى من قيمة الاهتمام بالغير وعدم الانشغال بالذاكت فقط، وهى القيمة التى تحتاج إلى تفعليها بشدة الشعوب التى تبنى نفسها.

كذلك تشير قصة (النقطة) لخير الدين سلطانوف إلى أهمية تطوير اللغة لأى شعب يريد أن يتقدم، وذلك من خلال حكاية الملك بابر الذى سرسل إلى ابنه السلطان همايون رسالة تتحدث عن مبادئ الحكم ومشاكله وصراعاته، ويؤكد له ضروة وأهمية إصلاح اللغة العربية لتناسب الشعوب الناطقة بالتركية، وهى المحاولة التى حاولها بابر نفسه باختراع الخط البابرى وفشل فى تعميمه لأن الفقهاء وقفوا ضده باعتبار اللغة العربية لغة القرآن، وهو كحاكم مهما يكن قويًا ليس من مصلحته الوقوف فى وجه العلماء الذين صلى خلف الواحد منهم مئات الآلاف.

وتكون العلاقة بين الماة وزوجة الابن موضوعا لقصتين من المختارات، فقصة (عصيان الكنائن) لسيد أحمد تحكى عن سيدة لديها سبعة أبناء، ستة منهم متزوجون، تزوج السابع حديثًا من الفتاة إنابت الثائرة طويلة اللسان، الأم تحكم البيت بقوة واقتدار والكنة اوسطى جاسوستها، إنابت تحرض الجميع على الثورة على الأم، تخضع الأم وتترك كلاً منهم يدبر أمر معيشته، فتكتشف أن حياتها أصبحت أفضل وكذلك حياة الجميع، وتطلب من الكنة الوسطى أن تتوقف عن التجسس، القصة تحكى بأسولب شفاهى وبها حس سخرية اجتماعية وتؤكد أن الحرية والإرادة الحرة أفضل من القهر والتسلط حتى للمتسلط نفسه. 

ورغم أن زوجة الابن مطيعة وتقوم بواجباتها كلها فى بيت أسرة زوجها فى قصة (عروس من المدينة) لنرجيزة غلاموفا، إلا إن الحماة متضايقة منها لأنها لا تناديها بأمى، وهى أهم علامات الاحترام فى القرية، تحمل زوجة الابن فتقوم الحماة بأعمالها بدلاً منها ومن دون أن تخبرها، وتتغير مشاعر زوجة الابن تجاه القري فتنسى مدينتها وتحب القرية بجبالها وفجرها الجميل وهوائها النقى وتنادى حماتها تلقائيًا بأمى، وكأن المستقبل/الطفل هو الذى إذا أحسسنا بقدومه وفكرنا فيه يقدر أن يجمعنا ويقرب المسافات.

تعد قصة (قوس المطر) لنارمراد نارقابلوف تجربة مثيرة لطفل يهرب من الروضة ليرى العالم، مرة يقابل ولدا يصطاد سمكًا ويترك له السنارة قليلاً ليعيش تجربة الصيد، ومرة يرى قوس قزح فيجرى إليه محاولاً أن يمسكه، ومن خلال ذاكرة الطفل نرى علاقته الحميمة بجدته وافتقاده لها بعد موتها، وإحساسه بالوحدة لانشغال أبويه، وإحساسه بالملل فى الروضة، لذلك يهرب منها. ويأتى ختام القصة حاسمًا حيث يقارن الطفل بين جدته التى كانت ستأخذه بالتأكيد إلى قوس قزح وبين المعلمة التى تريد إعادته إلى عالم الروضه الضيق.

وقصة (ذو الشعر الأزرق) لناصر فاضلوف هى قصة رعوية عن مطاردة الذئب الوحش ذى الشعر الأزرق، والقضاء عليه بواسطة الفرسان والكلاب.

وقصة (أعلى القمة) لخورشيد دوست محمد أقرب إلى مقال يتحدث عن تجربة الحج بسعادة وروحانية كبيرة.

أما قصة (رمضان) لآيدن حاجييقا فهى أقرب إلى قصة للأطفال تحكى بعض ألعاب الطفولة الساذجة كبكاء الطفل باعتباره سلاحا يجبر به أمه على أن تنفذ طلباته، وهى أضعف قصص المختارات إذ ليست فى عمق القصص الأخرى.

لا يندم القارئ على الوقت الذى ينفقه فى قراءة هذا الكتاب مرة ومرات إذ يكتشف حيوات جديدة، وبشر يفكرون ويشعرون بشكل مختلف، وقدرة مختلفة على التعبير عن الإنسان، لكنه بالأساس يتواصل مع هذا الإنسان تواصلاً عميقًا يزيد فى رصيده هو (القارئ) الإنسانى.

منقولة من بوابة الأهرام...