الاثنين 11 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الاثنين 4 نوفمبر 2024
القصة القصيرة الأوزبكية.. حوارية الفن والمجتمع - منير عتيبة
الساعة 11:32 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 


كل ما قرأته في الأدب الأوزبكي هو كتاب واحد فقط، قرأته مرتين؛ لأنه يستحق أن يقرأ أكثر من مرة، فقد قدم فيه د.مرتضى سيد عمروف ترجمة لعشرين قصة قصيرة لستة عشر كاتبًا وكاتبتين، كتبت خلال أكثر من ثلاثة أرباع قرن من الزمان؛ حيث إن أقدم كاتب في المجموعة هو جولبان عبدالحميد سليمان أوغلي المولود سنة1887م، وأحدثهم هو أولوغبيك حمدم المولود سنة 1968م، إضافة إلى مقدمة ضافية عن تاريخ وتطور الأدب الأوزبكي.

"مختارات من القصص القصيرة الأوزبكية" تأليف مجموعة من الأدباء الأوزبك. ترجمة وتقديم د.مرتضى سيد عمروف. مراجعة د.نعمة الله إبراهيموف. سلسلة إبداعات عالمية. المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب. الكويت، 2009م.

تنقسم الفترة الزمنية التي انتقى منها المترجم قصص المختارات إلى مرحلتين، الأولى حيث كانت البلاد تحت الحكم الروسى التسلطي الغاشم حين "كان أبناء الشعب المسكين يخافون من الروس، حتى أنهم ليرتجفون من قبعة الروسي إذا رأوها، كانت تخيفهم وتوقفهم بعض الوقت" ص12. 

والمرحلة الثانية هي ما بعد الاستقلال "استقلت أوزبكستان في 31 أغسطس 1991م، وتحتفل بعيد الاستقلال في الأول من سبتمبر من كل عام" حيث إعادة النظر في الذات وقيمها ومحاولة الارتقاء بها وتحديد هويتها ورسم مستقبلها.

وطبيعة المرحلتين تتطلب أدبًا ملتزمًا بقضايا المجتمع ومشكلاته بداية من التعبير عنها، والبحث عن حلول لها، ثم وضع الحلول إن أمكن، وهو أدب ليس علينا النظر إليه بما تتطلبه لحظتنا الحاضرة من قراءة نقدية، بل في ضوء الزمن والأحداث التي كتب فيها لنعرف مدى قيمته وتأثيرة واتجاهاته العامة.

يبدو نقد المجتمع هو السمة الأبرز في قصص هذه المختارات، وهو نقد من منظور إصلاحي بالأساس، لذلك يكون مغلفًا بالتفهم والتضامن والمحبة والسخرية اللطيفة التي تنبه ولا تجرح في الغالب.

مسرح الأحداث هو المدينة والقرية، والحياة العائلية وما فيها من علاقات بالذات بين المرأة وحماتها، وآثار الحرب والفقر، وذكريات الطفولة، هي أهم المناطق التي تعبر عنها القصص، عدا قصة واحدة تاريخية وإن كان غرضها الأساسي إصلاحيًا أيضًا، هي قصة "النقطة" لخير الدين سلطانوف. 

يتم سرد القصص بطريقة حكائية أقرب إلى السرد الشفاهي الحميم حتى إن السارد يتوجه بالخطاب إلى القارئ/القراء (أو السامعين) أحيانًا، عدا القصة الأخيرة من الكتاب "الزنبقة" لأولوغبيك حمدم، فهي القصة الوحيدة التي ليس بها شيء من تقاليد الحكي الشفاهي، وتستخدم تيار الوعي في سرد فكرة وجودية دون ظلال اجتماعية أو سياسية في محاولة لوصف المشاق والمنافسات والجرائم التي يمكن أن يقترفها الإنسان في سبيل الوصول إلى الزنبقة الكائنة أعلى قمة جبل صعب الارتقاء في ترميز إلى الحقيقة الكلية للوجود التي يظن كل إنسان قدرته الخاصة في الوصول إليها، فيحاول، وكلما ظن أنه وصل اكتشف أن الطريق لم يزل بعيدًا وأن مئات غيره سقطوا من دون أن يصلوا إلى شيء.

وكذلك قصة "الصف" لخورشيد دوست محمد، التي تأخذ اتجاهًا رمزيًا في تشبيهها للحياة بأنها صف يقف الناس فيه بترتيب السن الأكبر فالأصغر، ويذهبون للأفراح والعزاء، لكن الموت يأخذ من يريد دون التقيد بترتيب الصف، وفي الصف مجاملات وعداوات وطمع كما في الحياة نفسها. أما قصة "الجد والحفيد" لطاغي مراد فهي قصة عذبة تروي بضمير الراوي العليم، لكن من وجهتي نظر الجد والحفيد، كل منهما وحيد، الحفيد صغير في عالم كبير لا يفهم منه إلا قليلًا، والجد وحيد بعد أن أحيل للتقاعد، وكأن القصة تضع الحياة بين قوسي بدايتها ونهايتها.

يعرف عبد الله قادري قصته "الزار" بأنها قصة وهمية، فسارد القصة طفل يجلس في مجلس العائلة يستمع إلى أبيه الذي حضر حفلة زار أقامها الجن في منطقة خربة، ثم يحكي الطفل الحكاية لمعلمه الذي يخبره أن هذا وهم وتخييل، وأنه سيتحدث عن كيفية حدوث الوهم في خطبة الجمعة القادمة، ويقول الطفل إنه سيذهب للاستماع إلى الخطبة، ويخاطب القراء مباشرة "إن وجدتم فرصة فتعالوا أنتم أيضًا يوم الجمعة القادمة"ص35. 

العنوان الفرعي للقصة، الذي يعرفها بأنها قصة وهمية، يحدد الموقف التعليمي والتربوي للكاتب منذ البداية، والغرض النهائي الذي يريد تحقيقه من خلال القصة هو تنقية الأفكار وتربية العقول على التفكير العلمي بعيدًا عن التوهم والخزعبلات.

ولا تنفصل القصة التالية "زنبقة في غضون الثلج" لجولبان عبد الحميد سليمان أوغلي عن القصة السابقة، فبطل القصة التاجر الغني سمندر الذي افتقر وعمل في خدمة طريقة صوفية، يمتلئ قلبه بالاعتقاد في كرامة شيخ الطريقة العجوز الإيشان، فيقدم له ابنته الطفلة ليتزوجها وكأنه يقدمها قربانصا للشيخ، وهو ما يثير استنكار أهل الحارة لكنهم لا يستطيعون فعل شيئ إلا تعليقات خافتة فيما بينهم حانقة على الأب والشيخ معًا، راثية لمستقبل الفتاة.

ويعطي غفور علام لقصته "أيها الولد اللص" عنوانًا فرعيًا هو "قصة واقعية"، ليؤكد تماهي الكاتب مع السارد؛ حيث يحكي قصة واقعية حدثت عندما كان عمره أربعة عشر عامًا، حيث كان عيش هو وأخواته مع جدته بعد موت أبويه، كانوا فقراء للغاية، ومع ذلك يهبط لص على منزلهم، فتوقف الجدة اللص وهي تناديه (أيها الولد اللص) ثم تحاوره محاورة طويلة عن سوء الأحوال المادية للجميع والكساد وانتشار الفساد والرشوة والفقر والشحاذين، كل ذلك بسبب الحرب العالمية الأولى، فتصادق الجدة اللص وتدعوه ليشرب معها الشاي، الشيء الوحيد المتاح لديها، أو يأخذ آخر ممتلكاتها إناءً كبيرًا ليبيعه ويصرف منه على أسرته، لكنه يرفض ويغادر.

القصة حوارية غرضها شرح الواقع المر جدًا للفقراء مقارنة بالأغنياء الذين يخشى اللص أن يذهب لسرقتهم لأن لديهم كلابًا ضخمة تحرسهم، وحارسًا روسيًا يمكنه أن يقتل اللص أو ينفيه إلى سيبريا.

ويقدم عبد الله قهار في قصته "معلم الآداب" سخرية لطيفة من معلم الفنون الجميلة باقي جان بقاييف الذي يدعي العلم بكل شيء وهو في غاية الجهل، ليشير إلى نقيصة اجتماعية مهمة لابد أن يتخلص منها المجتمع إن أراد تقدمًا، والسخرية نفسها نراها في قصة "المسألة الحساسة" لفرهاد موسى جانوف، وهي قصة حوارية بين مدير المسرح والممثل الهزلي الذي يريد إضحاك الجمهور على النواقص والعيوب الشخصية لتطهيرهم منها، والمدير يريد عدم إظهار النواقص والعيوب في "حياتنا الزاهية والمزدهرة" الحوار ساخر يبين غفلة المدير التي تجعله هو نفسه مصدرًا لسخرية الممثل وإضحكاك القارئ لخوفه المرضي من النقد "إن للذين لا يحبون النقد عيبًا ما، ولذلك السبب يكرهون النقد خوفا من كشف عيوبهم".ص104.

 

منقولة من بوابة الأهرام...

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص