الخميس 28 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
زلاتيا (فصل من رواية) - شريف عابدين
الساعة 12:08 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 


أثق تماما في أنك تعرفني! أنا التي تعرفها.. هي من تتصدر صورتها وسائل إعلام الآن.. وتلوك سيرتها الألسنة في جلسات الثرثرة وبرامج الدردشة. 

من قُرْصِنَت صفحتها على الفيس وامتلأت بالصور والفيديوهات ومقاطع الصوت. ﻻبد أنك طالعت صورتي على شاشة التلفاز.. ولحظت تلك النظرة الزائغة والخطى المترنحة.

أعرف أنك تذكر جيدا شفتي المطبقتين ردا على ملاحقات المراسلين. وأنك ﻻ تنسى ذلك الرعب المرتسم على وجهي. أما ما ﻻ أنساه أنا، فهو أنهم لم ينتابهم أي شعور ببراءتي! لم يساورهم أدنى شك فيما وجه ضدي.. سارعوا بعرض رؤيتهم الخاصة لي.. لم يهتموا بإخفاء ملامحي! وهل تعني لهم؟ هل لها أي قيمة.. أليست جزءًا من كياني الذي حكموا عليه مسبقا ووصموه بالدونية؛ وبالتالي عدم اﻻستحقاق! وحتى وهي بهذه الضآلة.. لم تعد ملكي! أنا الآن بين أيديهم.. أبدو كما يحلو لهم.. وإلا - ومن باب أولى - كنت تحررت!

ولأن مجرد توقيفي .. يعني لكم! سارعوا بتلبية رغبتكم! لحرصهم على ميولكم أو حتى نزعاتكم.. هكذا حددت لهم تطلعات الرأي وإحصاءات نسب المشاهدة! يركضون لتلبية مجرد فضول لتلقي معرفة! ويتجاهلون رغبة عميقة في بث المعرفة! لأن اهتمامكم يعني لهم الكثير. مثلما أثق في رؤيتك، أوقن تماما أنك ﻻ تراني.. لأني لم أتكلم بعد.
**
ﻻ بد أنك تكرهني، لكن هل تدري أنك ربما تكون قد ظلمتني. هل تعلم أن مثولي أمام تلك المحكمة يعني إحالة أوراقي إلى المفتي؟ أنا لا أريد سوى أن أقول كلمتي. ﻻ أطلب منك شيئا سوى أن تستمع لي. قد ﻻ أستحق شفقتك أعرف.. ولا تعاطفك أعترف. لكني ..

أخمن أنك ستقول: لم أهتم بالإنصات إلى امرأة تبدو آثمة؟ حتى لو أدلت باعترافات مثيرة. 
أرجح أنه ﻻ يعنيك دفاعي عن اندفاعي وﻻ اعترافي باقتراف الإثم. سوف تتوقع أني سأسعى إلى تبرئة نفسي وأني سألقي باللوم على الظروف التي اقتادتني..

حسنا.. أنا أيضا لا يعنيني موقفك. فقد تعودت التجاهل .. وأوقن .. أن من دُهِسَتْ تماما.. ﻻ تكترث بأن يستمع أحد إلى صوت استغاثتها.. عموما لا بأس.. مثلما أحتاج إلى أن ينصت إلي، أحتاج إلى أن أنصت. َفليكن صوتي، رفيق وحدتي في الرحلة الطويلة..
**
لم أكن ألتفت ورائي تفاديا لطعنة من يتربص بي، بقدر ما كنت أوثر ألا تسدد من الخلف.
تمنيت فقط أن أسقط على ظهري؛ ليكون وجهي قبالة السماء، فتمد لي يدها وتأخذ بيدي .. كي أنهض.
**
حين تنكمش الضحية خوفاً يقول الجاني: يا للحقارة! وعندما تصمت يعتبر أنه ليس لديها ما تقول دفاعا عن اتهامه. وعندما تقف منكسرة يشعر أنها لا تجرؤ على المقاومة. أما الانهيار فيعني أنها تتعجل النهاية التي تستحق. كل هذه المظاهر تحفزه على الفتك بها. يقنع نفسه أنها تشعر بالخزي وأن الموت سيكون بمثابة الرحمة؛ مما يُعَجِّل بقصف رقبتها وقطف زهرتها. تشحنه سلبيتها بالدافع إلى إنجاز المهمة.. يقول: هي تستحق.. لابد أن تُطَهّر الفطرة السوية التي لوثتها. لن يهتم أحد بالصدمة التي شلت تفكيرها وجمدت إحساسها وكبلت مخارج ألفاظها. لا.. لا أحد. حسنا.. قد لا يجدي الجدال .. وقد لا تفيد المناقشة.. لكني لن أصمت. لي الحق في محاكمة عادلة .. نعم أنا أستطيع أن أعبر عن رأيي طالما أمتلك الصوت.
**
أصداء هدير هتافات، تنذر بالقادم تقتحمني. أحكم إغلاق اﻷبواب والنوافذ.. أنكمش في أحد اﻷركان.. أضمر كثيرا.. أشعر بأني صرت حشرة.. أهتف: يا للروعة! سأتسلل الآن من تحت الباب، وأتحرر بعيدا عنهم.. لكن؟ ماذا عن أقدامهم! 

ﻻبد أنها ستدهسني. آه.. لو كانت لي أجنحة.. يا للعجب! أجنحتي استأصلت من منبتها! قرون استشعاري نمت على حساب أجنحتي! يا الله! لكم أبدو كحشرة ممسوخة.. أنظر في المرآة.. يا للبشاعة! كم أكرهني. ها أنذا أقف أمامك عارية تماما، يا مولاي كما خلقتني. كم صرت ضئيلة مقززة! يروق لي بالطبع أن أكتشف أنه يمكنني أن أمرق أمامهم دون أن يشعر بي أحد، لكن انعدام الوزن يجعلني أترنح.. فأجدني أصطدم بهم دون إرادتي. أنا أحرص على أن أبدو غير مرئية، لكنهم.. يلتفتون نحوي؟ لا أدري.. أهي رائحتي! أقسم أني أنثر زجاجة كاملة من مزيل الرائحة، قبل أن أنوي الخروج! هل أنا "زومبي"؟ أأنا.. ميتة تتحرك! أتحسسني.. باردة؟ نعم! لكني لست كالثلج حتى ألفح وجوههم بالصقيع. هل يشعرون بصوت خطوتي، أبطيء تماما ..أنصت مرهفة الحواس.. ليس ثمة دبيب! ثم أني أسير بهدوء تام! أكاد ألتصق بالحائط.

منقولة من بوابة الأهرام ...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص