الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
القاص العربي ( علي السباعي ) القصة وانعكاس الحلم الإنساني - حاورته منى نعمة
الساعة 13:49 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


علي السباعي قاص شاب . . . أشرق في سماء القصة القصيرة العراقية إبان فترة الحصار ، وكانت قصصه وثائق إنسانية هامة عن معاناة الإنسان العراقي في زمن الحصار نشعر عند قراءتنا لنصوصه القصصية بسخونة نهر الألم الذي كان يجري من نفوس العراقيين في فترة الحصار ، وحفلت قصصه بمرارات واحباطات العراقيين والعراقيات التي جنوها واكتووا بنيرانها الحارقة ، كان صوت علي السباعي عالياً ونصيراً للإنسان العراقي مؤكداً على ضرورة استعادة الإنسان العراقي لحريته وكرامته التي فقدها إبان الحصار فكان صوته بحق صوت الكاتب الشريف الذي واسى المكلومين والمظلومين ومد يدين حانيتين على جراح العراقيين ، فكان هذا الحوار معه :- 
 

• من هو علي السباعي ؟
• علي السباعي ، إنسان يتمسك بإنسانيته بالكتابة في زمن هدرت فيه كل الكرامات واستبيحت فيه كل القيم ، يحاول جاهداً التشبث بكتابة القصصية التي تحمل بين جوانحها هموماً ومعاني إنسانية سامية يحاول وقته تأصيل وتجذير كتاباته بواقع عراقي ساخن خالص لأنه ( الواقع ) هويته .
 

• بإيجاز حدثنا عن بداياتك ومسيرتك الإبداعية ؟
• بدأت بكتابة القصة القصيرة ، بوعي في ربيع عام 1984 م ، وإلى الآن أنا في بداية البداية محاولاً اجتياز عتبتها وتلك أصعب المراحل ( اجتياز عتبة البداية إلى البداية نفسها ) ، وعن مسيرتي لحد الآن لم تبدأ بعد .
 

• ما هي طقوسك في الكتابة ؟
• لا ، طقوس ، فأنا لا أستحضر الكتابة ، لا أطرق بابها ، بل أن الكتابة هي التي تطرق بابي لأكتبها . 
 

• ما هو أسلوبك في الكتابة ؟ 
• نحن جيل تأثر كثيراً بمن سبقوه ، نحن القصاصين العراقيين ، وخصوصاً في حال القصة القصيرة الواسع الذي زرع فيه الإبداع بقارة مترامية الأطراف مازلنا في طور التجريب ، هنالك قصاصون عراقيون مجربون كبار قد تركوا بصماتهم واضحة في حقل القصة ، وكل كتاباتنا تتراوح في نمط التجريب ، وعلى القاص منا أن يجد أرضه التي يحرث فيها بحرية وصدق ، وأن ينثر بذور قصصه فيها بعدما نضج وعيه وأمتلك أدواته في زراعة أرضه قصصاً .
 

• هل تميزت بأسلوب في الشكل القصصي عن أقرانك أم كان شكل قصصك تقليدياً ؟ ولماذا ؟
حاولت التميز بأسلوب خاص في الشكل القصصي والذي يختلف عن شكل قصص أقراني ، وذلك أنني قد استعرت رموزاً تاريخية ودينية وحملتها هموماً وألماً معاصراً وأظهرت معاناتها الطويلة ، وذلك في العهد السياسي البائد لأنني كنت أتحاشى بطشه وعنفه المعهود فلجأت إلى هذا الأسلوب المتفرد كي يكون ثمة تناص في دلالات الشخصيات التاريخية والدينية والشعبية وأن أسقط تلك الدلالات على الواقع المعاش إبان فترة حكم البعث البغيض ربما أنفرد بهذا الأسلوب القصصي بين أقراني في العراق غير أن ثمة في الوطن العربي كتاباً لجئوا إلى هذا الأسلوب القصصي أذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر : ( زكريا تامر ) من سوريا وخاصة في مجموعته القصصية : ( النمور في اليوم العاشر ) ، والكاتب المصري : ( جمال الغيطاني ) في روايته : ( الزيني بركات ) . 
 

 

• أي الأسماء العراقية والعربية التي تستوقفك بإبداعها ؟
• كل الأسماء كانت عراقية ، عربية ، أو غربية فأنا سأقف أمامها مستبصراً مثلما كنت أقف حينما كنت تلميذاً في الصف الأول الابتدائي أنهل من إبداعها وأستمتع بكل ما يكتب وأستنير به هنالك درس بليغ أستمديته من بيت شعر لأبي الطيب المتنبي : 
لا تحرقن صغيراً في مخاصمة
إن البعوضة تدمي مقلة الأسد
محاولة مني لبلوغ ما قاله سيد البلغاء الأمام علي بن أبي طالب "ع " :-
وتحسب أنك جرم صغير 
وقد أنطوى فيك العالم الأكبر 

 

 

• متى كتبت أول قصة قصيرة ؟
• كتبت أول قصة قصيرة في 24 / 4 / 1984 م ، وكانت بعنوان : ( عربدة عقب سيجارة الضابط العراقي ) .
 

• كيف ترى واقع الثقافة في ظل الاحتلال ؟
• ذات مرة أراد أحد الكتاب أن يحرج الروائي الجيكي الكبير : ( ميلان كونديرا ) إبان الاحتلال النازي لجيوسلوفاكيا :- (( لماذا لم تكتبوا شيئاً أيام الاحتلال ياسيد كونديرا ؟ فقال له ميلان كونديرا :- ياسيدي الكاتب لقد كنا نقاتل المحتل )) . نعم ! فالكتابات تظهر بعد زوال الاحتلال لعراقنا الصابر نحن لحد الآن نعيش فوضى عارمة ، تلك الفوضى التي أجترحت تسميتها ( كوندليزا رايس ) بالفوضى الخلاقة ترى هل حقاً نحن نعيش فوضى خلاقة ؟ عموماً لم تظهر بعد ملامح واقع الثقافة العراقية بعد سقوط الصنم ، فواقعنا الثقافي مثل باقي مفاصل حياتنا العراقية كافة . التي تعيش في تخبط وتشوش. 
 

 

• ما هي آخر إنتاجاتك أو كتاباتك الأدبية ؟
• أنجزت مجموعتين قصصيتين مخطوطتين وروايتين مخطوطتين بانتظار فرصة لنشرها .
• بعد سقوط النظام البائد ماذا قدمت ؟
• للأسف الشديد ، لحد الآن لم أقدم شيئاً للناس يذكر ، لقد صارت الكتابة عبئاً ، والواقع حرون ، نحن الكتاب في واد آخر لا أحد يقرأ لنا ، أصبحنا أكثر غربة من ذي قبل ، ودائماً أسأل نفسي وهو أكثر ما يعذبني : ( ماذا قدمت للناس ؟ ) للأسف بعض قصص قصيرة ، ورواية لا تسمنان من جوع . الشعب العراقي محتاج إلى نهضة ثقافية وفنية كبيرتين وهائلتين للنهوض بواقعنا قبل عقولنا . فماذا تنفع القصة القصيرة لشعب معذب ، محطم ، وجائع ؟!!

 

 

• ما هي المحطات الهامة في حياة الكاتب ؟ ومن ساندك ؟
• كل المحطات التي مر بها قطاري الصغير هامة في حياتي ، وكل من حولي أعرفه ولا اعرفه قد ساندني وبقوة ، وأخذ يدي إلى جادة الصواب ، خذي مثلاً الطفل الذي يدفع عربته في سوق الخضار طلباً للرزق ، كان ولا زال درساً لي في الكتابة والحياة ، فكل من حولي ساندني وأنا مدين للكل دون استثناء ، وبشكل خاص لأبي الروحي ( أحمد الباقري ) الذي شجعني وأخذ بيدي في دنيا الأدب ، وقد دلني على الطريق الصحيح الذي ينبغي أن أسلكه إذا أردت أن أكون شريفاً .
 

 

• من قدمك إلى عالم الكتابة ؟
• أني أعترف بفضل الكاتب الكبير ( محمد خضير ) فهو الذي بادر وقدمني إلى عالم الكتابة بعد أن أطلع على نصوصي القصصية .
 

 

• هل حقق الكتاب السابقون واللاحقون جزءاً ولو بسيط من أحلامهم ؟
• عن نفسي أجيب لم أحقق أحلامي ، وأول الأحلام أن لا يكون هنالك إنسان مهان وفاقد حريته ، وعندما يمر يوم لا يظلم فيه إنسان ولا تنتهك فيه حريته ولا حرمته ولم يهن ولم يسرق ولم يقتل ولم يغتصب حقه ولم يعذب حينئذ يتحقق أول الأحلام . 
 

 

• إذا كان للمكان حيزاً في الإبداع فهل كانت مدينتك الناصرية الحاضن أو الرافد ؟ فبماذا تدين لها ؟ وبماذا تدين لك ؟
• لو لا الناصرية لما كنت ولما كانت كتاباتي . أذكر في لقاء سابق قلت : - (( لو جردت الناصرية من كتاباتي القصصية لأصبحت قصصي كلها هياكل فارغة وهشة ولا معنى بها )) ، وكما أجبت في أسئلة سابقة أنني مدين للناصرية بعمري كله ، فهي : ( الأم والأخت والحبيبة ومجموع ذلك في الوطن ) ، هي العراق بأكمله ، وإلى هذه اللحظات الناصرية لا تدين لي بل أنا مدين لها بكل تواضع وصدق . 
 

 

• ما هو مشروعك الأدبي الذي تدعو إليه خلال كتاباتك ؟
• مشروعي الأدبي هو أن أعمل في حقل التجريب لأضيف دماء جديدة في عروق القصة العراقية وأضيفه لبنات متواضعة لهذه العمارة الشاهقة .
 

• كيف تفسر ظاهرة رحيل الكتاب والشعراء العراقيين ؟ وما دور وزارة الثقافة في ذلك ؟
• أظن أن سبب رحيل الكتاب والشعراء العراقيين هو شعورهم بالإحباط من جراء الأحداث المؤلمة في الواقع العراقي من اغتصاب وقتل وتهجير ، بالإضافة إلى ذلك شعورهم بانعدام حرية التعبير عما يختلج في نفوسهم من انفعالات رهيبة منعكسة من هذا الواقع المرير .
أما دور وزارة الثقافة فلم يكن بمستوى الطموح .

 

• وراء كل رجل عظيم امرأة ، هل وراء نجاحك امرأة عظيمة ؟
• لقد عزفت على أدق وتر في حياتي ، حاولت كثيراً العزف عليه حباً فلم أفلح . عشت على أمل أن أحب وأحب . لكن ! 
أنا في بحث دؤب عن الحبيبة . يبدو لي أن مقطع من أغنية يرددها دائماً أبي على مسامعي : (( ستبقى تطارد خيط دخان . . ياولدي )) . أقولها بحزن كبير وبالغ لم تكن هنالك امرأة وراء نجاحاتي الأدبية لأنه بالأساس لم تكن نجاحات أدبية بمعنى النجاح الكامل تذكر كانت هنالك محاولات للعيش ومن ثم للكتابة ، وما نجحت فيه حقاً أنني كتبت بصدق ، نقلت الواقع العراقي المعاش بصدق ودون رتوش .

 

 

• هل يبحث الكاتب من خلال كتاباته عن حقيقة ما أو حلم ما ؟
• بالتأكيد . . ما من كتابة أو أي عما إنساني في الكون إلا وكان دافعه البحث عن الحقيقة . . . وعند عنائه وسعيه الجاد لتحقيقها ، يبدأ الحلم يتحقق .
 

• هل صحيح أن النص يمكن أن يفقد حماسه وجماليته بمرور الزمن ؟
• ذلك يتوقف على عنصر واحد إذا كان هذا النص لا يحمل هموماً إنسانية كبيرة فانه يفقد حماسه وجماليته وتألقه بمرور الزمن . لكن ! حين يحملها فأنه سيبقى خالداً على مر الدهور . مثلاً من الأدب الأجنبي : - روايات ديستوفسكي ، ومن الأدب العربي : - روايات نجيب محفوظ ، ومن الأدب العراقي :- رويات غائب طعمة فرمان .
 

• هل تعجز اللغة أحياناً عن التعبير وتصاب بحالة انفصال مما يتطلب أحداث ترمي إلى هدم القديم واستحداث مفردات جديدة ؟
• لا تعجز اللغة عن التعبير ، ولا تصاب بحالة انفصال . إذ أن من يعرف أسرار اللغة العربية ، يجدها طيعة وتستوعب كل ما يختلج في النفس البشرية ، كما وأنها مرآة نقية تعكس أهم الأحداث التي جرت على مسرح الواقع ، حياتنا .
 

 

• هل ترى نفسك وفقت في كتاباتك مع الإنسان ؟ وهل تشعر أن في العراق كتابات تستحق الذكر ؟ 
• ذلك ما أنا ساع إليه . الوقوف دائماً مع الإنسان وليس ضده ، وإن هنالك أعمال أدبية هائلة لا مجال لحصرها بمجلدات ، أعمالاً تستحق الذكر والاحترام والتمجيد والقراءة .
 

 

• بعد سنوات من الكتابة هل ولد في داخلك أحساس أنك حققت ما تصبوا إليه ؟
• إحساسي قائم بقيام حياتي ، فأنا مستمر في تحقيق ما أصبوا إليه بحماسة شديدة قد تفتر . لكنها لا تخبوا مستمرة في نصرة وخدمت الإنسان الذبيح في عصر الجزارين الكبار هذا .
 

• كلمة أخيرة تود أن تقولها في الختام ؟
• أهتف للذين قد ذبحوا بإنسانيتهم لإنسانيتهم :- نحن كتاب ونكتب لكم ، وإليكم ، وعنكم .

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً