الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
أدب البوح السردي وجزالة الوصف في مجموعة "فتاة القبيلة" - محمد الغربي عمران
الساعة 13:01 (الرأي برس - أدب وثقافة)



إب محافظة متجددة.. من يتابع تلك الأسماء التي تومض بين فترة وأخرى في أفق الإبداع الشعري والسردي والنقدي اليمني.. وفي التشكيل. يدرك بأن هذه المحافظة ولادة وبحاجة إلى مزيد من دعم منتدياتها وإنشاء الجديد منها .. ولإب منتديات عرفناها مثل منتدى مجاز الذي كان له حضورا قويا في سنوات مضت.. ونادي القصة. الذي يمثله مجموعة من المبدعين ممن لهم إبداعات متميزة أسهمت أسهاما فاعلا في المشهد الإبداعي اليمني.
 

اليوم بين أيدينا إصدارا سرديا جديدا من اللواء الأخضر مجموعة "فتاة القبيلة". لكاتبة تابعناها وقرأنا لها على صفحات الفيس بوك منذ فترة ليست بالقصيرة. "إنصاف أبوراس." وقد ضمت المجموعة ثلاثة عشر نصا سرديا.. جاء أكثرها نضجا بعنوان "مشاعر دخيلة" وهو العنوان الذي تمنيت لو أن الكاتبة اتخذته عنوانا للمجموعة.. لما فيه من غموض وجدة وعمق في التناول. إضافة إلى ألأسلوب الشيق صياغياً. وتلك القضايا التي ناقشتها فيه. مثل: العاطفة.. قضية الهجرة .. وترك الزوجة لسنوات.. وتلك المشاعر والعلاقات التي تطرأ لتسد فراغ البعد. نص قوي وعميق تتقاطع فنياته مع بقية النصوص في أكثر من نقطة.. منها : 
 

- الراوي العليم .. حيث سُردت جل نصوص المجموعة عبره مثل: فتاة القبيلة..حكاية ورد.. اغتصاب فجر.. ضياء ودروب العتمة.. المجنون والأسوار..زعفران.. ساجي.. أصدقاء جدد.. وظهور متقوسة.
- تيمة الفقد. حيث نُقشت تلك التيمة في معظم نصوص المجموعة.. بداية بنص فتاة القبيلة الذي يأتي فقد الشقيق "لؤي" الداعم لمسيرة تعليم شقيقته كفقد مؤلم.. إلى "حكاية ورد" حين يقدم الزوج على تطليق زوجته بعذر أنها لا تلد إلا إناث. ليطلقها بعد عشرة سنين وحينها تفقد بيتها وبناتها. وأيضا نص "اغتصاب فجر" تُقتل الطفلة بعد اغتصابها .. وفي "ضياء ودروب العتمة". يفقد ضياء البوصلة ويتجه للتطرف ويقترب من الموت ..حين يدفعه متأسلم إلى تفجير نفسه ابتغاء وتقرب لله وطمعا في حور عين وغلمان مخلدون. ليتراجع في لحظة صحو فارقة عن ضغط زر الصاعق.. وينجوا طلبة المدرسة المستهدفين . وفي "المجنون والأسوار" يفقد الأب عقله لتتركه زوجته وأهله يهيم في الشوارع .. لمصير محفوف بالخوف والمشاعر المتداخلة. وفي نص "مشاعر في مهب العنصرية" يفقد الشاب من يحب بعد رفض أسرته تزويجه بها بعذر عدم تكافؤ الأعراق.. لتتركه بعد أن زوجه أهله وتذهب لتتزوج هي بآخر. وكذلك في "زعفران" و"أمي" يحضر الموت ليختطف أعز الناس .. وفي "سجى" حين تقدم شخصية النص على قتل شخص آخر لأسباب تافهة.. ويسجن ثم يحكم عليه بالإعدام.

 

 

وهكذا هي بقية النصوص الثلاثة الأخيرة .. حيث يحل فقد الأمان وندرة لقمة العيش لأطفال لا يجدون حياة أمنة وهنيئة.. وقد دُفعوا يحملوا على أكتافهم أكياس باحثين عن علب البلاستيك في مقالب النفايات .
كما يتقاطع نص مشاعر دخيلة مع بقية النصوص في تناول ومناقشة القضايا الاجتماعية .. فمن الحرمان العاطفي والعلاقات الشائكة إلى حرمان الشباب الإقتران بمن يحبون .. ومن الطلاق بعذر عدم إتيان الزوجة بمواليد ذكور.. إلى الثأر واللجوء للعنف.. ومن حرمان الفتاة من مواصلة تعليمها إلى الفقر ودفع الأطفال لأن يهيموا على وجوههم بحثا عما يمكن جمعه من مقالب الزبالة والشوارع لبيعه. 

 

نصوص المجموعة جاءت ناضجة موضوعيا .. متماسكة سرديا.. يبتعد بعضها عن القص لتحلق في فضاءات البوح والوصف في نصوص مثل: خيمة الحياة.. ظهور متقوسة.. وأصدقاء جدد. كما تمزج الكاتبة في بعض نصوصها بين القص والتعبير الوجداني في نصوص مثل: زعفران.. أمي.. ساجي. وكأن الكاتبة تستثمر تلك القدرة التي تمتلكها في الصياغات البلاغية .. إضافة إلى هيمنة الوصف بجزالة لافتة.. واستخدام المحسنات اللغوية على حساب ألحدث في أكثر من نص مثل: فتاة القبيلة .. المجنون والأسوار.. ومشاعر في مهب العنصرية. وغيرها من النصوص .
 

 

ولا أقصد بذلك إطلاق أحكام سلبية على تلك النصوص.. فالبوح والوصف من عناصر السرد ألأساسية.. والكاتبة تمتلك قدرة الوصف والبوح .. ما أضفى على نصوص المجموعة مسحة من عاطفة جياشة.. وصدق فني واضح.. يشعر بها القارئ .. وبذلك يقترب بإحساسه من مصائر تلك الشخصيات التي تشترك جميعها في مشاعر الفقد والعوز النفسي والحرمان العاطفي.
ونستطيع الجزم بأن المرأة وقضاياها قد غلبت على معظم نصوص هذه المجموعة .. وبذلك أظهرت الكاتبة ما يعتور هذا المجتمع كمجتمعا مأزوما.. مشيرة بكل جرأة إلى مواطن الخلل. متجاوزة في نصوص المجموعة الذاتية التي عادة ما تصاحب الكاتبة والكاتب في بداياتهم.

 

هاهو الدين يستباح ويستخدم في قتل النفس البشرية باسم الاستشهاد.. وهاهو الفهم الخاطئ للدين يستغل في تمزيق الأسرة وتشريد أفرادها في الزواج بأكثر من زوجة والتخلص من أخرى بالطلاق.. وفي زواج الصغيرات.. وفي منع اقتران المحبين رغم العاطفة السامية بينهما بدعوى أن الرسول قال "تحروا". وهاهي الطفولة تستباح بالاغتصاب والقتل تارة وتارة بالتشرد والفقر والبحث عن لقمة العيش في براميل المخلفات.
 

نصوص غاصت في عمق قضايانا تناولتها القاصة بجرأة لافتة. 
وبالعودة لنص مشاعر دخيلة نعود إلى أروع نصوص المجموعة.. كون هذا النص مثل بين نصوص المجموعة حالة فنية متقدمة.. وناقش بعمق وضع شائن في مجتمعنا.. وأكثرها عمقا.. ففيها تدعو الكاتبة إلى أن نعود إلى أنفسنا.. بمراجعة مشاعرنا.. فذلك الرجل الذي تزوج ليبقى مع عروسه عدة أشهر ثم يغيب سنوات.. قد يكون أحدنا .. وتلك الفتاة التي قبلت بذلك الزواج عديم الإحساس ليحولها إلى إلى رهينة ليس إلا.. وتلك المشاعر التي تنموا مع الفقد والاحتياجات الروحية والجسدية .. لقد صورت لنا الكاتبة في هذه القصة أنفسنا بأسلوب إنساني مؤثر.. وتناولت فيه شخصية مركبة مأزومة.. وذلك الجدل المتنامي داخلها.. مخففة في هذا النص من الوصف والمحسنات البلاغية .

 

 

هي تحية لإصدار جديد.. ولميلاد كاتبة تمتلك القدرة على السرد الفني.. مقتنصة قضايا تشرك القارئ لنقاشها بوعي لافت.. وسبر أغوار مجتمع مضطرب من خلال شخصيات النصوص.
 

وبدورنا نهمس: المزيد من الإبداع.. المزيد من التجديد والعطاء .. فما اجترحتيه في مجموعتك إلا خطوة أولى في طريق الإبداع الطويل. فل يكن سلاحك القراءة المتواصلة .

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً