الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
عوالم الحكي و التلقي في تجربة الكاتب مصطفى لغتيري عن أبا بريس
الساعة 12:35 (الرأي برس - أدب وثقافة)


يعتبر الكاتب مصطفى لغتيري من الكتاب المغاربة الذين فرضوا أنفسهم في المشهد الثقافي المغربي،و الاهتمام النقدي و الإعلامي الذي تحظى به أعماله في الآونة الأخيرة مؤشر على أن هذا الكاتب يجني ثمار عمله الجاد طيلة سنوات.
 

إن الكاتب مصطفى لغتيري قدم من القصة بنوعيها إلى عالم الرواية ،ليبقى وفيا للسرد و إن اختلفت تقنيات كتابة كل جنس من الأجناس التي خبرها و زار دروبها ليساهم في إغناء المنجز السردي المغربي قصة و رواية، و غزارة الكتابة لدى مصطفى لغتيري عنوانها التنوع الفني و التيمي .
من القراءة إلى الكتابة شعار يؤمن به الكاتب مصطفى لغتيري و يعمل في حياته اليومية على تطبيقه، بحيث تحول فعل القراءة لديه إلى طقس يومي أو تلك الجرعة التي إذا أهملها يحس بأنه يخون الحرف و يخون طموحه الذي لا حدود له، هذا الطموح يتأسس على إيمان راسخ بأن المستقبل الثقافي المغربي لن ينهض به إلا أصحاب المشاريع الفكرية و الإبداعية الجادة و لغتيري واحد من هؤلاء ،و كل من يعرفه عن قرب يلمس عصاميته و جرأته لتحقيق أحلامه المشروعة في أن يكون كاتبا فاعلا في الساحة الثقافية المغربية و مثيرا لقضايا محفزة على النقاش رغبة في خلق حراك فكري يسمو بالفعل الثقافي باعتباره دعامة أساسية لبناء مجتمع متوازن.

 

إن التراكم الذي حققه الكاتب مصطفى لغتيري أثار انتباه الكثير من النقاد و الباحثين في السرد المغربي،و المثير أكثر في روايات لغتيري خاصة بحكم اشتغالي عليها هو ذلك التنويع الفني و التيمي الذي اعتمده في كتابتها بداية بعائشة القديسة و انتهاء بأسلاك شائكة.
 

يمكن القول إن الكاتب مصطفى لغتيري يبحث عن الموضوعات التي تلامس اليومي فكريا و اجتماعيا و سياسيا إلى غير ذلك من المواضيع التي تهم المواطن العربي و المغربي معا ،كل ذلك ليساهم من موقعه كمثقف في خلخلة البرك الراكدة و طرح الأسئلة المستفزة بغرض إيجاد حلول للمشاكل و القضايا التي تفرض نفسها داخل المجتمع المغربي خاصة و المجتمع العربي عامة.
 

افتتح الكاتب مساره الروائي برواية رجال و كلاب ،رواية استثمر فيها الكاتب ثقافته في علم النفس من خلال شخصية علال بطل الرواية الذي يعاني من الوسواس القهري الذي أصيب به نتيجة عوامل اجتماعية و اقتصادية و سياسية. ليلبس مصطفى لغتيري جبة المحلل النفسي الذي يسبر أغوار نفسية شخوصه و يشكلها بحرفية عالية لدرجة أنك تحسب علال يخاطبك مباشرة.
 

تستمر مغامرة الكاتب مصطفى لغتيري ليفاجئ القارئ برواية عائشة القديسة ،هذه الرواية التي تحتفي بالحكاية الشعبية و تعيد طرح السؤال الجوهري : ما هي الحدود بين الواقع و اللاواقع ؟ اعتمد الكاتب في هذه الرواية على الزوبعة الذهنية حتي يخلخل الخرافات التي وقرت في قلوب و أذهان بعض الناس حول حقيقة عائشة القديسة ،تلك المناضلة التي كانت تغوي الجنود البرتغاليين و عندما تسنح الفرصة يودعون الحياة على يديها
 

و تصدر الرواية الثالثة رقصة العنكبوث ليفاجئ لغتيري قراءه بتيمة تهم شريحة مهمة من الشباب المغربي و العربي و هي البطالة بكل تجلياتها و نتائجها المأساوية،و يشكل يوسف نموذجا للكثير من الشباب الذين يضيعون بين الدروب المظلمة بحثا عن لقمة طيبة ليواجهوا في طريقهم بعض الشواذ الذين ينتمون إلى الى الطبقة البرجوازية محاولين استغلال حالة فقر الشباب للإيقاع بهم في مصيدة الرذيلة.
 

لم ينس مصطفى لغتيري جذوره الإفريقية فخصها برواية ليلة إفريقية ،رواية ذات عمق إنساني ،بطلتها كريستينا الفتاة الإفريقية الجميلة التي تثيرها عنصرية الآخر ،و تفتن بجمالها الكاتب يحيى البيضاوي و تشكل هذه الرواية فرصة لاكتشاف الفن و الثقافة اللإفريقيين.
 

أما رواية على ضفاف البحيرة فتناول فيها الكاتب البعد الإنساني داخل الأسرة الواحدة، فعندما نفقد من نحب نكتشف قيمة الآخر في حياتنا،و حادثة السير التي فقد فيها حسنط زوجته و إبنته شمس نواحي خنيفرة شكلت صدمة له،لكن في الأخير يعود إلى ممارسة مهنته -الهندسة المعمارية- في تحد لوضعه المأساوي.
 

و رواية ابن السماء رواية القلق الوجودي الذي يسكن كل واحد منا، فالصراع في هذه الرواية يقوم بين قوى الخير و قوى الشر ،بين الخرافة و الحقيقة.
أما الرواية الأخيرة أسلاك شائكة يكشف من خلالها الكاتب عن معاناة عدة أسر بسبب إغلاق الحدود بين المغرب و الجزائر في فترة عرفت توترا خطيرا بين الجارين.

 

إن الكاتب مصطفى لغتيري يكتب رواياته وفق رؤية سردية واضحة ،تشكل الحكاية ركيزتها الأساسية،و أغلب رواياته تقوم على البنية السردية التقليدية-بداية –وسط-نهاية،و هذا ما يجعل روايات الكاتب في متناول الجميع .
 

السرد في روايات مصطفى لغتيري يتنقل من محطة إلى أخرى،من الخرافة و الشعودة إلى الديني و المقدس ،من فترة الاستعمار الفرنسي والإسباني للمغرب إلى فترة الاستقلال،من الإيديلوجي إلى الاقتصادي-الاجتماعي،من الانحلال الأخلاقي إلى ترسيخ القيم النبيلة.....
 

و تتنوع دوافع السرد و تتداخل في روايات الكاتب مصطفى لغتيري ،الألم و البوح في رجال و كلاب، الخرافة و الوهم في عائشة القديسة، الحلم و الآخر في ليلة إفريقية، الكراهية و الغدر – الحقيقة و الخيال في ابن السماء، الموت و المحبة في على ضفاف البحيرة، الشذوذ و الحرمان في رقصة العنكبوت، الفراق و الحب في أسلاك شائكة.
 

إذا أردنا الوقوف عند شخصيات مصطفى لغتيري و لو باقتضاب ،نجد منها المأساوية-يوسف- في رقصة العنكبوت،-علال- في رجال و كلاب،-سعد المعلم- في عائشة القديسة،-محسن- في على ضفاف البحيرة، و هناك الشخصيات التي تلعب دور المصلح و المنقد منها –إدريس- في ابن السماء،-منى- في رقصة العنكبوت،و هناك شخصيات شاذة و منحلة أخلاقيا ،-حسن- في رقصة العنكبوت ،و –لؤلؤة- في ابن السماء.
 

إن مصطفى لغتيري يختار مواضيع رواياته بناء على تصور جلي، فإن وضع هندسة الرواية ، يتركها تختمر في ذهنه ،ثم يكتبها بعد ذلك بحس عميق كأنه يكتب قصيدة شعرية، يقبض روحها و لا يتركها تنفلت منه حتى يجهز عليها ،فهو يسخر لها كل وقته ،تتأجل كل المشاريع من أجل مولوده الجديد.
إن الكاتب مصطفى لغتيري من الكتاب المغاربة الذين يقرؤون بغزارة ،يقرأ في كل الأجناس الأدبية ،يقرأ للكتاب المغاربة و العرب و الترجمات عن الفرنسية و الإنجليزية و الإسبانية ،و يقرأ للجميع دون خلفيات إديلوجية أو مواقف مسبقة.

 

انطلاقا مما سبق يمكن القول إن تجربة الكاتب مصطفى لغتيري من التجارب المتميزة في السرد المغربي ،و لابد أن الأيام القادمة ستكشف عن أعمال أخرى في القصة و الرواية ،و يبقى أهم تحول مثير عرفته هذه التجربة هو دخول روايات الكاتب إلى المجال السينمائي برواية أسلاك شائكة ،و تبقى هذه التجربة فرصة لإعادة الثقة إلى الكتاب المغاربة ،حتى يكون هناك تعاون دائم بين الكاتب المغربي و المشتغلين في قطاع السينما و التلفزيون في المغرب.

 

منقول من أبا بريس...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً