الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
في حوار اجرتها معه الإعلامية بديعة زيدان يقول الروائي اليمني وجدي الأهدل أن الكتابة عن الحرب ليست سوى مضاعفة للألم
الساعة 12:05 (الرأي برس - أدب وثقافة)


الروائي اليمني وجدي الأهدل لـ «أيام الثقافة»: ما يحدث في فلسطين واليمن والعراق وسورية يؤكد أنه ليس لدينا قيم في الأساس لأعمل على زعزعتها!

 
 لو بدّلنا الأسلحة بالكتب في اليمن لحصلنا على 60 مليون كتاب ستحدث فرقاً
   فكرة أنه ينبغي عليّ أن أكتب الرواية تلو الرواية لأكرس نفسي تبدو لي معوقة
   القارئ العربي لم يولد بعد .. مثلاً في فرنسا يباع «377» مليون كتاب في السنة

 

يعد وجدي الأهدل، واحداً من «العلامات الفارقة» في الرواية اليمنية الحديثة، حيث يمكن اعتبار كل رواية له بمثابة محطة ليس للاستراحة، بل للتأمل والتفكير عميقاً ومحاولة إعادة تركيب المشهد الحياتي بعد قراءتها، ثم قراءتها لأكثر من مرة .. فمنذ «قوارب جبلية» وحتى «فيلسوف الكرنتينة»، ورغم الغياب لثمانية أعوام أو يزيد، لا يزال الأهدل حاضراً بما كتب، بما ينتظر أن ينشره قريباً في إطار السرد أكان رواية أم مجموعة قصصية .. معه كان الحوار الآتي:

 


• بعد عدة مجموعات قصصية، انتقلت إلى عالم الرواية في العام 2002 بنشر رواية «قوارب جبلية» .. هل ضاقت القصة على الأهدل فاتجه للرواية أم ماذا؟
 

- المسألة لها علاقة بتراكم خبرات الحياة وبتراكم الخبرة الفنية. 
كذلك لا ننسى أن كل فكرة تحمل قدراً معيناً من الوقود.. فهناك فكرة يمكن أن يكفي الوقود الموجود فيها لكتابة صفحتين أو ثلاث، وهناك فكرة يمكن أن يكفي الوقود الموجود فيها لكتابة خمسين ألف كلمة. 

 

• بمجرد نشر الرواية الأولى اتهمت بالإساءة للذات الإلهية فهربت إلى لبنان .. ما حكاية هذه الرواية؟
 

- رواية «قوارب جبلية» هي سرد رمزي للحياة السياسية في اليمن، وليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالإساءة للذات الإلهية، وإنما تطلق هذه التهمة لغرض تهييج الرأي العام ولتحصل السلطة على التأييد من الناس على أي إجراءات قد تقوم بها. 
القارئ العربي والأجنبي لن يفهم شيئاً مما يدور فيها، لأنها تعيد تركيب التاريخ المحلي القديم والحديث بطريقة ساخرة وموجعة. 
وأحياناً شخصيات سياسية يمنية يعرفها اليمنيون جيداً تظهر بصور كاريكاتورية، ولكن غيرهم لا يملك عنها أية خلفية.. إنها رواية «محلية» ولن تكون مفهومة سوى للمجتمع الذي كتبت من أجله.

 

 

• هل ترى أن الإبداع إن لم يزلزل حتى القيم الراسخة لا يكون إبداعاً؟
 

- أين هي تلك القيم حتى أزعزعها؟! .. ما يحدث في سورية والعراق واليمن لا يوحي أن هناك أية قيم بالمرة.. أين هي القيم التي يتحدثون عنها، والجرح الفلسطيني مفتوح منذ سبعين عاماً؟؟ .. إلا إذا كانت القيم والأخلاق العربية محصورة في عورة الرجل والمرأة فقط.. لتكن أولاً هناك قيم وبعد ذلك لنتحدث عن زعزعتها.

 

مفارقة غونتر غراس
 

• أليست مفارقة أن يكون الروائي الألماني الشهير غونتر غراس سبب عودتك إلى وطنك؟
 

- الروائي الألماني العظيم غونتر غراس تعرض في بداياته لهجوم شرس من مدّعي الفضيلة وحراس القيم وخاض معركة قضائية مريرة معهم.. لقد شوهوا سمعته بشكل لا يصدق، وكانت الصحافة الرجعية تطلق عليه أوصاف «الكاتب المنحل، الأديب الإيروتيكي، الروائي المهووس بالجنس الخ..»
تعاطف غونتر غراس مع قضيتي وخصوصاً حين سمع الاتهامات ذاتها تتكرر في بلد تفصله آلاف الكيلومترات عن بلده.

 

تغيّر وتشدّد
 

• هل أثرت عملية النفي والعودة على طريقتك في الكتابة، بمعنى هل خلق رقيب داخلي ما داخلك؟
 

- نعم، ولا شك. الرقيب الداخلي يشبه عفريتاً لا يكف عن الخروج من القمقم مهدداً متوعداً كلما جلستُ إلى الطاولة لأكتب.
 

 

• يلاحظ في كتاباتك انتقادك لفكرة التطرف أو التدين بمفهومه المتحجر .. ما الفرق بين انتقاد الدين والمتدين، ولماذا يصرخ الأهدل في هذه المساحة بأعلى صوته؟
 

- الدين ذكي والمتدين غبي. مثلاً عندما بنى حاكم مصر محمد علي جامعه المعروف في القاهرة أدخل عليه لأول مرة صنابير المياه، فأفتى العلماء الحنابلة والمالكية والشافعية بعدم جواز الوضوء منها، وأفتى العلماء الحنفية بجواز الوضوء منها، ومن يومها أطلق المصريون على صنبور الماء مسمى «الحنفية». 
 

اليوم توجد «الحنفيات» في كل المساجد الإسلامية ولا يخطر ببال أحد هل هي حلال أم حرام. لذلك أقول الدين ذكي لأنه استفاد من صنابير المياه، والمتدين غبي لأنه حاول حرمان مساجد الله من هذا الاختراع المفيد.

 

فنتازيا
 

• في معظم رواياتك تتجه نحو الفنتازيا والغرائبية لتحاكي الواقع بجرأة كبيرة .. هل ترى أن العالم الذي نعيشه فنتازي أم أنه تكنيك سردي لمحاكاته؟
 

- هو تكنيك سردي لتقديم وجهة نظر مختلفة.. صراع الروائي حين يكتب هو مع وجهات النظر السائدة.. مثلاً إذا كتبت أن مسؤولاً حكومياً رفيعاً تبرع بشاربه الكث لبناء جسر فهذه فانتازيا، ولكنها تحمل أيضاً وجهة نظر تتهكم على المسؤول الحكومي وتلمح إلى قدراته المتواضعة.

 

 

كتب وبنادق
 

• قلت ذات مرة إن الشعب اليمني نائم ثقافيا ولكن هناك أسماء بارزة رغم ذلك، هل هي استثناءات؟ .. وكيف يمكن الخروج من هذا السبات برأيك؟
 

- قبل نشوب الحرب في العام الماضي كانت الإحصائيات تذكر أن في اليمن حوالي 60 مليون قطعة سلاح، وبعد اندلاع الحرب وصلت كميات أكبر من السلاح.. لو جرت مبادلة الكتب بالبنادق لحصلنا على 60 مليون كتاب.. وهذه كمية تكفي برأيي لتوفير الغذاء الثقافي للأجيال القادمة.
 

 

• الحروب والمعارك الدائرة في الوطن كل لها خصوصيتها وبدأنا نلمس انعكاساتها في الأدب، فبعيداً عن فلسطين المحتلة من سنوات بدأ يطفو على السطح أدب الحرب في العراق مثلا وحديثا سورية .. ماذا عن اليمن؟
 

- صدرت روايات يمنية تتحدث عن «ثورة التغيير» التي تزامنت مع ثورات الربيع العربي في العام 2011، ولكن لأنها صدرت من دار نشر محلية فربما لهذا السبب لم تصل ليد القارئ العربي.

 

سر الغياب
 

• آخر رواية لك كانت في العام 2008 وأعيدت طباعتها في 2012 .. ما سر هذا الغياب عن الرواية؟
 

- إنني أترك نفسي على سجيتها، تارة أجد نفسي منجذباً إلى كتابة السيناريو، وتارة إلى القصة أو المسرحية أو المقالة الأدبية.. فكرة أنه ينبغي عليّ أن أكتب الرواية تلو الرواية لأكرس نفسي كروائي تبدو لي معوقة عن أن أكتب وفقاً لمزاجي الخاص.
 

 

• هل يمكن للروائي الذي بدأ قاصاً أن يعود للقصة مرة أخرى، خاصة أنك قلت في حوار حديث أنك تحب كتابة القصة أكثر من الرواية؟  
 

- نعم تربطني علاقة حميمة مع فن «القصة القصيرة» وأحس أنه أقرب إلى الكمال الفني من الفنون الأخرى.

 

 

الجوائز
 

• في العام 2008 وصلت للقائمة الطويلة للبوكر عبر روايتك «فيلسوف الكرنتينة» .. كيف ينظر الأهدل إلى العلاقة بين الجوائز وانتعاش النتاج الروائي؟
 

- بالتأكيد الجوائز تلعب دوراً مهماً في انتعاش النتاج الروائي العربي، وبالأخص حين نعلم أن الروائي العربي لا يمكنه أن يأمل بالعيش من إيرادات مبيعات رواياته على غرار نظرائه في الغرب والشرق.
 

• عادة ما تكون الجوائز بوصلة للقارئ العربي لاقتناء هذه الرواية وتلك .. هل الأمر بالنسبة للروائي هو ذاته .. وماذا عن قراءات الأهدل؟
 

- نعم فوز رواية بجائزة ما يثير فضولي لقراءتها، ولكن هذا لا يعني أن أقرأها لكي أحكم هل كانت تستحق الجائزة أم لا.. ما يعنيني أن أستمتع بقراءتها. وبالنسبة لقراءاتي فهي متنوعة قدر المستطاع، وهي عشوائية لا تلتزم بمنهج محدد، ربما يكون هذا عيباً.
 

 

• أليس غريباً أن تتوقف عن كتابة الرواية بعد نجاحك في الوصول للقائمة الطويلة للبوكر؟ .. ألا تخشى أن تغيب عن ذهن القارئ لطول فترة الغياب؟
 

- القارئ العربي لم يولد بعد.. مثلاً في فرنسا يباع «377» مليون كتاب في السنة، أي خمسة أو ستة أضعاف تعداد الشعب الفرنسي. 
عندما نقترب نحن العرب من هذه الأرقام والنسب حينئذٍ لكل حادث حديث!

 

بصمة
 

• هل من كاتب أو روائي بعينه ترك فيك بصمة وأثر وفي كتاباتك أيضا ؟
 

- جميع الذين قرأت لهم تعلمت منهم دون استثناء. قبل سنوات بعيدة نشرت جريدة محلية قصة قصيرة لغابرييل غارسيا ماركيز، أتى صديقي وأراني الجريدة قائلاً: «لولا أن كاتبها ماركيز لما نشرت هذه القصة .. إنها أقل من عادية». أخذت الجريدة وقرأتها ورأيت أن كلامه صحيح! لكن مع ذلك ظل شيء من الشك يساورني.. أخذت الجريدة معي وأعدت قراءة القصة مرات ومرات، وفي نهاية الأمر اكتشفت أسرار التقنية التي يستخدمها ماركيز، وأدركت لماذا يقرأ العالم قصص ماركيز بشغف، ولا يعرف شيئاً عن قصصي أو قصص صديقي المتحامل ذاك.
 

 

• في الدورات اللاحقة للبوكر برز العديد من الروايات المهمة مثل عزازيل ودروز بلغراد وساق البامبو وفرانكشتاين في بغداد  .. هل تتابع هذه الأعمال ومن من الروائيين الشباب يلفتك؟
 

- نعم أتابع روايات البوكر التي فازت والتي لم تفز. أنتمي إلى حلقة ضيقة من الأصدقاء تستميت للحصول على هذه الأعمال وقراءتها ومن ثم مناقشتها. 
لست متابعاً جيداً لكل ما تصدره المطابع من روايات، وفي الوقت الحاضر بات هذا أمراً مستحيلاً لوفرتها، وأعتذر عن ذكر الأسماء لأنني قد أنسى كتاباً ممتازين، لكن بصورة عامة روايات الجيل الجديد الشاب تحمل طموحاً للعمل على تقنيات روائية غير مسبوقة لدى الأجيال السابقة. 
وهذا يعني أن الرواية العربية سوف تردم مستقبلاً الفجوة الفنية بينها وبين الرواية التي تكتب في أوروبا وأميركا اللاتينية.

 

 

تجارب يمنية  
 

• عندما نذكر اليمن في إطار الحديث عن الرواية يشار بالبنان إلى تجربة علي المقري .. برأيك ما الذي يميز تجربة المقري عن غيره من الروائيين اليمنيين؟
 

- علي المقري هو نموذج يمني وعربي للروائي الباحث، وهو يكتب ما أسميه «الرواية البحثية»، أي أن علي المقري يقوم بالتحضير جيداً لموضوع روايته قبل أن يشرع في كتابتها، فهو يستفيد من المصادر والمراجع ويدرسها ويجمع المعلومات بدأب الباحث والعالم، ثم يمزج كل ذلك في سرد روائي رشيق وبارع.

 

 

مواقف
 

• لم تبرز مواقف واضحة للمثقف اليمني من الأحداث الجارية في بلاده .. هل هي حالة الترقب أم عدم الحسم أم ماذا؟
 

- ليس من حقي أن أتحدث عن زملائي المثقفين بالنيابة عنهم، لكل امرئ الحق في أن يتخذ الموقف الذي تمليه عليه إرادته الحرة. لكن للإجابة عن سؤالك سوف أذكرك أن الحضارة الإسلامية التي نفخر بها قامت بفضل جهود نخبة من العلماء والفلاسفة والأدباء. وعندما تصدر رجال الدين المشهد توقف التطور العلمي في العالم الإسلامي، كما أن نجاحهم في جذب العوام إلى تأييدهم أدى إلى التدهور السياسي والاقتصادي الذي ما زلنا نعاني منه حتى الآن. وهذه هي باختصار شديد قصة الأحداث الجارية في اليمن والمنطقة.
 

 

• أخيراً .. هل سنرى عملاً جديداً لك قريباً .. وهل للحرب نصيب منه ؟
 

- اشتغل على عدة كتب قصصية، وأجد متعة في التنقل من كتاب لآخر. وأما الكتابة عن الحرب فليست سوى مضاعفة للألم، وكأنه لا يكفي معايشتها فعلاً.

منقول من الأيام الثقافية ...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً