الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
أختام الروائيين بصمات مميزة - هيثم حسين
الساعة 12:02 (الرأي برس - أدب وثقافة)

    

بعض الكلمات ترتبط بروائيّين معيّنين ارتباطا وثيقا، حتّى لا تكاد تلفظها حتّى تحيلك إليهم، وتذكّرك بنتاجاتهم، تهيمن شهرة عناوينهم على شهرتهم نفسها.

لا تكون الريادة قيمة مضافة أو لقبا يطلق على بعضهم من باب التصدير والتسويق، بل تراها تكون استحقاقا يحتاج إلى جهد جبّار لنيله وتحقيقه. وفي عالم الرواية، يكون الروائيّون الروّاد سائرين في دروب خاصّة بهم، وضعوا عليها إشارات عبورهم، وزيّنوها بإمضائهم الروائيّ، وأعمالهم المميّزة، بحيث أنارت تلك الأعمال عتمات بعينها، وشكّلت بوصلة نحو عوالم أخرى في الوقت نفسه.
ترتبط بعض الكلمات بروائيّين معيّنين ارتباطا وثيقا، حتّى لا تكاد تلفظها حتّى تحيلك إليهم، وتذكّرك بنتاجاتهم، تهيمن شهرة عناوينهم على شهرتهم نفسها، بحيث تغدو العلاقة بين التسمية والمسمّى متينة لا فكاك منها. ولا يتعلّق الأمر بشهرة مفترضة بقدر ما يتعلّق بتأثير العمل واتّساع دائرته مع تقادم الزمن عليه، من دون أن يفقد بريقه أو تميّزه.

من ذلك مثلا ارتباط مفردة العزلة في الرواية بالكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الذي لجأ إلى عزلة مختارة، وكأنّه أصيب بعدوى العزلة من روايته الشهيرة “مئة عام من العزلة”، فاختار العزلة مسكنا وملاذا له من ضجيج العالم الخارجيّ، أو كأنّ ما حصّله من مجد روائيّ يدفعه إلى العزلة الاضطراريّة ليبحث عمّا يمكن أن يبدعه، وما يُنتظر منه بعد روائع قدّمها غدت نقاط علّام في الرواية العالميّة الحديثة.

كأنّما ظلّت كلمة العزلة ممهورة باسمه، فما إن تذكرها حتّى يتبادر إليك عنوان روايته، بالإضافة إلى أعمال أخرى تمّت محاكاة عوالمها وأجوائها وأسمائها بكثرة في الروايات من بعده، جريا على خطّ نجاحه، ومحاولة لاستدراج قرّاء من خلال الإيحاء إلى مصدره المفترض الذي يحظى بالتقدير والإعجاب.

في الرواية العربية ارتبطت رواية؛ مفردة الحارة بالراحل نجيب محفوظ الذي أبحر في تصوير الحارة الشعبيّة في مصر ورصدها من مختلف الزوايا، أبدع في تصديرها للعالم وأضفى عليها التميّز والفرادة بأسلوبه الروائي الرشيق المحكم، وبراعته في الغوص في خباياها واستخراج أسرارها وألغازها.

كما أنّ رواية الصحراء ارتبطت بالراحل عبدالرحمن منيف وإبراهيم الكونيّ، ولم يتفوّق عليهما أحد بعد في الإبحار في رمالها وواحاتها وملامح أهلها، تمكّنا من السير في درب رسما ملامحه بطريقة خاصّة بهما، وكلّ واحد منهما في اتّجاه، وقد بدا منيف أكثر تنويعا وثراء في فضاءاته الروائية، وكان رائد المدينة العربية الحديثة كما كان رائد رصد المتغيّرات التاريخية التي طالت الصحراء وأهلها.

تتجلّى أختام الروائيّين بصماتهم المميّزة في عالم الرواية، وبوصلات لمَن يحاول اقتحام تلك العوالم، تكون قراءاتهم واجبة حين خوض الميادين التي أنجزوها وأبحروا في دقائقها، حتّى لكأنّهم عقّدوا الطريق على اللاحقين عليهم، ووضعوا أمامهم تحدّيات ليس من السهولة تخطّيها، وهم بذلك يشرعون أمامهم امتحان الإبداع واستحقاق الجدارة بالسير على الدروب التي اختطّوها.


كاتب من سوريا

 

منقول من صحيفة العرب ...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً