الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الكتابة القصصية عند نبيهة محضور ما بين الاحتفاء بالذات وتشريح الواقع - مصطفى لغتيري
الساعة 12:14 (الرأي برس - أدب وثقافة)
تتميز القصة القصيرة في الوطن العربي بقدرتها المبهرة على امتصاص العديد من التجارب الأدبية، التي تتشابه أحيانا، لكنها تختلف وتتنوع في كثير من الأحيان، وإذا كانت الذات حاضرة بقوة في جل التجارب القصصية خاصة الحديثة منها، فإن الواقعية التي وسمت هذا الفن الجميل منذ بداياته الأولى مع الرواد، لا تعدم وسيلة لتتسلل إلى كثير من النصوص على امتداد الوطن العربي، ولا تشذ عن هذه القاعدة القصة في اليمن، هذا البلد العربي الجريح الذي نتمنى صادقين أن يستعيد عافيته في أقرب وقت ممكن، ويستعيد معها سعادته اللازبة، إذ لا يستقيم له اسم إلا مقرونا بها. وقد تأكد لي هذا الانطباع من خلال اطلاعي على كثير من المجاميع القصصية التي كنت أتوصل بها تباعا بواسطة أصدقائي الأدباء اليمينين وعلى رأسه الأديب محمد الغربي عمران والقاص البشير زندال والمبدعة انتصار السري، فتكونت لدي فكرة أزعم أنها كافية لإطلاق بعض الأحكام النسبية طبعا حول القصة القصيرة اليمنية. وحين أتيحت لي مؤخرا الفرصة للاطلاع على المجموعة القصصية"يوم في برواز" للقاصة اليمنية نبيهة محضور ترسخ لدي هذا الاقتناع، الذي أجده ينطبق عموما على القصة العربية، باختلاف النسب طبعا من بلد عربي إلى آخر. فهموم الذات تجدها حاضرة بقوة، وقد تتخذ أحيانا خاصة عند الأدباء الشباب أو الوالجين حديثا لدنيا الإبداع القصصي شكل بوح وتذمر وشكوى، وتتوسل بلغة شعرية مكثفة تتماهى مع لغة الشعر في كثير من الأحيان، كما أن القصة لدى البعض الآخر من المبدعين تحافظ على كلاسيكيتها، من خلال طموحها الذي قد يراه كتابها مشروعا والمتجلي في مطابقة الواقع أو عكسه، كل حسب طريقته، ولا يتحقق لهم ذلك إلا عبر رصد مشاكل الناس وهمومهم وتطلعاتهم وأحلامهم. وبما المجموعة القصصية "يوم في البرواز" للمبدعة نبيهة محضور قد تنوعت ما بين القصة القصيرة والقصيرة جدا، فقد لاحظت أن القصة عندهذه المبدعة كلما عمدت إلى الاختزال والتكثيف الكبيرين بمعنى آخر كلما خاضت تجربة الكتابة في القصة القصيرة جدا كانت أكثر التصاقا بهموم الذات وانشغالاتها، وكأن القصة القصيرة جدا لدا الكاتبة معادل موضوعي للقصيدة الشعرية التي تعد-تاريخيا لدى العرب- المجال الخصب للذاتية، التي تصل في كثير من الأحيان إلى مستوى الغنائية. وبالمقابل كلما اختارت القاصة نبيهة محضور أن تكتب نصوصها ضمن جنس القصة القصيرة أو الأقصوصة، انسلخت عن الذات وحاولت ملامسة الواقع بقضاياه الاجتماعية المربكة، فتجعل القارئ – نتيجة لذلك- يصغي إلى الأنين المكتوم للإنسان المقهور الذي يعاني الأمرين داخل الأسرة وفي دهاليز مجتمع لا يرحم. ولعل التناوب ما بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا، الذي اعتمدته القاصة نبيهة محضور بشكل عام في ترتيب قصص مجموعتها"يوم في برواز" يشي بأن القاصة تحاول خلق نوع من التوازن بين الذات والواقع في نصوصها، حتى لا يطغى أحدهما على الآخر، كما أنها تسعى لخلق الانسجام ما بين انشغالات الذات وهموم الواقع وكأنها توحي لنا بأن الذات ما هي إلا امتداد للواقع، وان همومهما معا متكاملة ومتداخلة حتى أنه يصعب التمييز بينهما، على الأقل من وجهة نظرها الخاصة.وهذا بالفعل ما ترجمته النصوص التي ضمتها دفتي هذه المجموعة. أو أنها ببساطة تضعنا من خلال تجربتها الإبداعية هذه في تلك المنطقة الرمادية منطقة البين بين، التي تعبر عنها بشكل غير مباشر من خلال عدم الحسم في نوع كتابي معين أو الانتصار للذات على حساب الواقع، أو الانشغال بالقضايا المجتمعية كليا بدل محض الذات اهتماما مهما. إنها المنطقة الأثيرة لدى المبدعين بصفة عامة، والتي تمنحهم فرصة للمناورة الإبداعية بعيدا عن التخندق في جهة ضد أخرى، عافين أنفسهم-بسبب ذلك- من تقديم الأجوبة الجاهزة، وعاضين بالنواجذ على ممكنة المعنى المختلفة والمتعددة التي تمنح النص الإبداعي أحقيته في الانتماء إلى هذا الكائن الزئبقي المسمى"أدبا".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً