- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- اعتبروه أحد أفضل الأطباء.. يمنيون يشيدون بالدكتور المصري هشام إبراهيم (تفاصيل)
- عقوبات أمريكية على شركة سورية تموّل الحوثيين من إيرادات بيع النفط الإيراني
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
من قمَّة ذاك الجبلُ المطل على المدينة كان يُسمع دوي مدفع الإفطار ، لكنه اليومَ لم يعد له صدى كون الأصوات المتداخلة أصبحت أكثر صخباً منه .
ومن هذه الأصوات صوتُ رجلٍ يشتهر باسم (المُجَبِّرْ ) شاحب الوجه تبدو عليه آثار الشيب من تجاعيده المتهالكة ومظهره البالي والمتزين بعلامات اضمحلال العقود على فقرات عموده الذي أوشك أن يكون قوساً .
وهاهو قرص الشمس يذوب كشمعة تقليدية الصنع ، بينما كان الأذان يعلو فوق السُّحب ، متسللاً عبيره نحو آذان المترقبين لموعد الإذن لاقتصاص شريط الموائد المتزاحمة بالترف .
أما المُجبِّر فيُخرج من سرواله الداخلي كيساً فيه بضعاً من التمر كان قد سرقها قبل قليل من كشك صغير على مدخل سوق الحبوب الواقع في بلاط مدينة الحُب وصانعة الصراع .
المُجَبِّر : لماذا نصوم ونتعب ، ونفطر من المسروق ؟
- أجابه صديقه ( سيَّان ) ذو الشعر الأثري ، الذي فقد نصف عقله ولم يدخل مرحلة الجنون بشكل رسمي قائلاً :
الحُب عذاب .. قطع قلوب الشباب
" هو ذا بتشوف المتحاربين في الداخل هم أنفسهم المتحاورين في الخارج ، يتحاوروا وهم جاوعين ، وعندما يشبعوهم زلط يرجعوا للحرب ".
المُجَبًّر : والله ما فهمت قصدك !
بس كُل كُل ، تعبنا لواي وضبحنا مجنانة ، نفسي أرجع عاقل ويحترموني الناس سع زمان ، وأبسر نفسي بالمراية كل يوم .
- سيَّان : محد يرد طحين من مكة ..
من طرح روحه طرحوه ، ومن نزَّل قدره حصَّل من يدعسه .
أنت بتضحك على نفسك بالصيام ، كيف تصوم وأنت ما تصليش ، وإن صليت ما بش على المجنون صلاة .
المُجَبِّر : يا صاحبي شكلك ما عيجي العيد إلا وقد لبست بدلة الجنان .. ههههههه يضحك
يصمت قليلاً ..
...
دموعه تنزل حين طأطأ رأسه وهو يتمتم بهدوء ، أول سنة يأذن مغرب وأنا مجنون ، الجنون راحة لكن ما بش سنبوسة .
يلتفت لصديقه بسرعة وهو يصرخ ( الحرب غيرت الخريطة يا فاطر ) .
- سيَّان : يا خي شم البول صرعني ، جي نسير باتجاه التحرير ، ما معانا هانا عرض السور !
يمشي خطوات ثم يبصق ، ويستمر في الحديث .. التحرير كان ميدان للتحرير ، واليوم أصبح رمزاً للتحمير ، كل شئ يجعل للعقل قيمة أصبح رخيص وممتهن .. لا تلوم المجنون كيف جنن ؟ لوم العاقل ليش عاده ما جنن للآن رغم هذا الوضع .
يلتفت لخلفه وقد ابتعد كثيراً ، والمُجَبِّر لا زال يجمع أغراضه وهو يقول " لحظة أدي الروتي والقوطي " .
في تلك اللحظة لم يكن في شارع الزبيري سوى أصوات أقدامهم الحافية ، وسيارات قليلة تسير بسرعة الطائرات .
المُجَبِّر : ما كنت تقول على العقلاء ؟
- قلت لك ماعد بش عقلاء ، اللي كان عاقل من صدق قد جنن .
وأنت ليش سموك هكذا ، أو كنت بتجبر عظام ؟
المُجَبِّرْ : العظم لا اكتسر يتجبر ، لكن من يجبر القلوب ؟ ، التمر حالي مثلك لكنكم الاثنين بتدوا لي المغص - ابتسامة مجنونة - .
تابعا السير إلى نهاية جسر الصداقة بالقرب من ثانوية عبد الناصر ، عندها مرت بجوارهما سيارة هيلوكس غمارة لها ريحة التقاليد الريفية ، توقفت أمامهما ولم ينتبها لها ، قال أحدهم كان يجلس بالكرسي المجاور للسائق بعد أن أنزل الزجاج : السلام عليكم يا حبايب ، اتفضلوا فطور.
لم يلتفتا إليه وهم منشغلين ببطونهما الشاردة .
- هييييي يا مجانين ، اتفضلوا فطور
المُجَبِّر : يمسك يد صاحبه ويقول شكله بيحاكينا وعيناه تكاد لا تصدق ما تسمع .. فالمجنون يسمع بعينيه ويرى بأذنيه .
- سيَّان : أنا شابع يا مُجَبِّر ، مشتيش من أكل العُقال ، قبولنا بالطعام من عاقل ، معناه تنازلنا عن قضيتنا العادلة .
لو لم يكن هناك ظلم من أدعياء العقل ، لما كان هناك شرود لأدعياء الجنون .
لا تُجَبِّر انكسارنا بلقمة ، فكم من قضايا ماتت بسبب فُتات ، وكم من مال قَيَّد قضية ضد مجهول .. سقطت دول وأنظمة بسبب لُقم ، وتهاوت حضارات من قِبَل قلوب ادعت أنها ترحم .
تفحيط السيارة ورائحة إطارات ..
المُجَبِّر : أببببببب والكلام ، متأكد إنك مجنون ؟
هناك تغيرت ملامحه الشائبة لتبدو أشد شحوباً وأكثر رغبة بالصمت من ذي قبل .
سيَّان : بداية الجُنان تِعِلَّام ،وبداية الحرب ملطام.
المُجَبِّر : آح يا رفيق الرصيف ، أنا كنت أتجَبَّر المانجو والبلح من أصحاب مزارع صغيرة في الجرَّاحي وحَيس بتهامة وأبيعهن لتجار المدينة ، ولما طلعت صنعاء بدأت أفهم بالسياسة وكنت أقول أن البلاد مزرعة كبيرة حق واحد مُجَبِّر أكبر مني ، وما من كبير إلا وفي مُجَبِّر أكبر منه .
سيَّان : أهاااااا يعني أنت كهربوك لما لذعوك .
المُجَبِّر : الكهرباء معدومة خارج وعندهم فاااائض ، لكن السَّلام يشتي بندَقَة ، والعافية تشتي أكل .
عندها بدأت الحركة تدب على الإسفلت ، وهاهم الباعة المتجولين يفترشون الأرصفة لبضاعتهم المختلفة باختلاف أذواق البشر .
هذا المساءُ يبدو عاقلاً وآثار المجانين تحفر أعقابها على أزمنة العهد الذي أوشك أن يكون حجرياً ، وتدافع عُبَّاد رمضان لسنة التراويح أكثر من تدافعهم لفريضة العِشاء .
المُجَبِّر هامساً : الماء والهواء هم معادلة الحياة ، ولكن العقلاء لوثوا كل البديهيات ، ويغني يا عذاااابي بنبرة متحشرجة .
سيَّان : لا تجنن قلبي أكثر من اللي قد عاناه ، حبيت وتزوجت من بلاد الشلال ، وبعد ما كبروا عيالي فهمهم صاحب العمامة السوداء ، أني سبب وجودهم في عالم الجنون ، فقرروا يثوروا على كل شئٍ عاقل ، من يومها وأنا اترحم على اللي قال ( جنان يخارجك ولا عقل يحنبك ) .
٢٦/٦/٢٠١٦
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر