الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
القصة القصيرة - مصطفى لغتيري
الساعة 10:09 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



القصة القصيرة جنس هجين أخذ من الأجناس الأدبية الأخرى أكثر صفاته و خصائصه.. فمن الرواية استعار النفس السردي و الاهتمام بالتفاصيل و الوصف.. ومن القصيدة الشعرية اقتبس التكثيف و التوتر و الإيجاز.. ومن المسرحية النفس الدرامي و تجسيد الأحداث و الحوار.. ومن المقالة الدقة، و التحليل المنطقي و القصر.. ومن الموسيقى الإيقاع الداخلي الذي يتميز به النثر الفني عامة.
 

لذا من الصعب الإلمام بها في تعريف شامل،و بالرغم من ذلك سأغامر بتقديم التعريف التالي: القصة القصيرة جنس أدبي يعيد الكاتب من خلاله ترتيب جزء من العالم نثرا، ضمن شريط لغوي قصير يستند على صوغ حكاية عبر مجموعة من الأحداث التي تقوم بها شخصية أو مجموعة محدودة من الشخوص في زمان ومكان معينين.
 

وبالطبع بعد إنتاجه لعدد محترم من النصوص، يستبطن كاتب القصة القصيرة جملة من الخصائص المميزة لهذا الجنس الأدبي، وضمنها الحيز القصير أو الضيق .. وبالتالي، ونتيجة لهذه الخبرة المكتسبة ينتفي لديه الاهتمام بضيق الحيز أو اتساعه.. إذ يعمد إلى توظيف تقنيات خاصة تمكنه من استغلال هذا الحيز مهما ضاق .. فقصر الحيز لا علاقة بقصر المتخيل.. فالكاتب يمكنه أن يضرب عميقا في الزمان و المكان، باستعمال تقنيات الفلاش باك والأحلام والفنطاستيك وغير ذلك من الوسائل المتاحة.
 

ولعمري فالفيصل في الأمر هو امتلاك رؤيا وتصور واضحين لوظيفة القصة القصيرة، والدربة على استعمال وسائلها التقنية.. فالقصة القصيرة هي كذلك لأنها لا تكتب إلا قصيرة.. ضيق الحيز- إذن جزء من ماهيتها و بدونه تنتفي صفة من أهم الصفات المحددة لها.
 

أما بخصوص التقنيات الخاصة في كتابة القصة القصيرة، فهذا الأمر يتوجب أن يقوم به النقاد.. ومع ذلك سأحاول أن أتحدث عن أهم ما يشغلني أثناء كتابتي لقصة قصيرة:
 

أ- الحكاية :

حين أرغب في كتابة قصة قصيرة لا أتنازل على شرط توفر الحكاية، وذلك نابع من تصور خاص للقصة القصيرة يعتبر الحكاية نسغ القصة القصيرة.. ومن ثمة فانعدامها يضعف النص القصصي، ويفقده جزءا أصيلا من هويته.
 

ب- الرؤيا:

يهمني جدا أن تستبطن قصصي معنى ما، ومن الأفضل أن يكون إنسانيا انسجاما مع تصوري الشخصي للإنسان والعالم.. فحين أكتب قصة قصيرة أشتغل على النص بحيث يتضمن في آخر المطاف معنى عميقا يكتشفه كل من تجاوز معناه الأول، وغاص للبحث عن المعاني الأخرى التي غالبا ما لا تعطي نفسها بسهولة.
 

ج- الدقة:

بستهويني بشكل كبير الوضوح، فأنا أسعى –دائما- لتكون قصصي مفهومة من طرف الجميع خاصة على مستوى المعنى الأول للنص.. لهذا أحاول البحث عن الكلمة الدقيقة و المناسبة و الجملة التي لا يحول حائل دون فهمها.. هذا بالطبع دون التضحية بعمق الكتابة، الذي أحرص أن تتوفر نصوصي عليه.
 

 

د- اللغة:

أشتغل على اللغة بشكل كبير، وأسعى لأن تكون رشيقة وسلسة، دون الانزلاق نحو التكلف و افتتان اللغة بذاتها.. أحبها جميلة و هادئة، تقود القارئ بلطف نحو الهدف الذي أبتغيه من وراء القصة.
لكل ذلك أعتقد أن كل كاتب يسعى لامتلاك مشروع جمالي ونظري لكتابة القصة القصيرة .. ببساطة لأن الكتابة ليست عملية تقنية فحسب، و إنما هي – أوهكذا يفترض- مؤطرة بوعي جمالي وخلفية ثقافية، تساهمان في منح النص القصصي بريقه الجمالي وعمقه الدلالي.. شخصيا إنني منشغل إلى أبعد الحدود بإكساب نصوصي لهاتين الصفتين.. وفي رأيي لن يتحقق ذلك إلا من خلال تخليص النصوص من كل الزوائد، و الابتعاد قدر الإمكان عن التعاطي الرومانسي و العاطفي مع اللغة و البناء و الرؤيا، و الاشتغال على التكثيف والإيجاز.. و لعمري فإن القصة القصيرة جدا واعدة في هذا المجال.. فهي لا يتسع صدرها للحذلقة اللغوية أو التباكي المجاني.. فمن خلالها يمكن اقتناص الهدف بشكل مركز و فعال.. هذا بالإضافة إلى الاهتمام بالبعد الإنساني في النصوص.. و لا يتأتى ذلك إلا بالإطلاع العميق على الأشكال الثقافية الأخرى كالفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع وغيرها.. ثم الإنصات الجيد للحظة الزمنية التي ينتمي إليها الكاتب.

 

 

كما يتفق الجميع على أن بداية القصة ونهايتها تكتسيان أهمية خاصة في عملية التلقي.. لهذا على الكاتب إلاؤهما اهتماما خاصا.. شخصيا، فيما يتعلق بالبداية، كثيرا ما أجد نفسي رهين طريقتين مختلفتين عند الشروع في كتابة قصة ما.. أولا هما انتظار اختمار الحكاية في ذهني ومن ثمة أتيح المجال للأحداث المعبرة عنها لتتشكل بالوضوح المطلوب .. وحين أبلغ ما يمكن أن أطلق عليه مرحلة انبثاق المعنى، لا أحتاج – حينذاك - سوى إفراغ القصة على الورقة.. أما الثانية، ففي لحظات معينة تتملكني حالة معينة، أحس معها أن شيئا ما يجول بذهني يسعى لينكتب، لكنه لا يتمتع بالوضوح الكافي.. حينها لا أضيع الفرصة، أتناول القلم وأشرع في الكتابة كيفما اتفق.. ومع مرور الزمن تبدأ ملامح القصة في التشكل.. في نهاية المطاف أجدني أمام قصة قصيرة بعد أن أحذف البداية، لأنها كانت مجرد محفز و بالتالي فهي لا تنتمي عضويا إلى القصة.
 

أما بخصوص النهاية، فأتأنى في كتابتها كثيرا، وغالبا ما أعيد صياغتها أكثر من مرة.. هدفي أن تكون – في الغالب- نهاية مفتوحة، وتكسر أفق انتظار القارئ..
أما نجاحها ، فيتحقق- بالنسبة إلي- حين تكون محفزة لكتابة قصة أخرى..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً