الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الغرائبية المدهشة في "عائشة القديسة" للروائي المغربي مصطفى لغتيري - سعدية بلكارح
الساعة 09:06 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


لا يفوتني هنا قبل أن أقول شيئا عن انطباعي الأولي وأنا أعيد قراءة هذه الرواية التي كانت تعانق بين دفتيها رواية أخرى "أحلام النوارس"في طبعتها الأولى السابقة,,وهذه الأخيرة سترى النور قريبا في استقلالية جميلة تراهن على أن التميز حليف هذا الكاتب الكبير بصيغِه التي لا تتكرر..حقا يليق عليه لقب "أكاديمية قائمة بذاتها" في عوالم "الكَتْبَة" على وزن "الجّذْبَة"...حيث أن المصطلحيْن ينصهران معاً في بوتقة واحدة لتخرج لنا فقاعات كبيرة تظل ممتلئة ..تتدحرج أمام أعيننا التي تتبعها في كل اتجاه.. كالمخدور... 
 

كما قلتُ لا يفوتني هنا أن أنوّه بالجهود الجبارة التي تطفو على سطح هذا العالم الجميل عالم الكتابة، بكل غرائبيته المثيرة للدهشة...والتي تتجلى في رواية عائشة القديسة أو عايشة قنديشة بمفهوم الموروث الثقافي المغربي الذي يتأرجح بين الانجذاب إلى الخرافة التي تراوغ العقل وبين الواقعية التي ترفض غير المنطق...الدهشة تُجبِرنا على التصديق...تصديق الكاتب وإن اختلفنا في الاقتناع بحقيقة المَحكي.. سواء خروج المرأة الجميلة ذات الثياب البيضاء ليلا لتفتِن الجيش الاحتلالي والإيقاع به..أو تحوّلها إلى امرأة بشِعة داخل دَثارٍ أبيض ب"فراقش" ظِلفَي دابّة من الماشية المعروفة..فكيفية تحوّل هذا المتَخَيَّل في الذاكرة من جمال إلى قُبح مع وجود طيور آدمية بأجنحة، تقف في فيلق المرأة "العاشقة الشريرة"..للانتقام من "المعلم سعد" بطلها ومعشوقها الذي قام بكسرِ طرفها بدراجته النارية، حين كان في طريقه الاعتيادي إلى الصيد..في النهر أو البحر..ليلاً دون أن ينتبه إلى ذلك...فنال عقاباً منها كاد أن يودي بحياته...
 

 

المثير في الرواية، ليست هذه الشخصية الغريبة التي لا ينكر أحدا معرفتها في بلاد المغرب ربما وخارجه...إذ تناقلت أخبارها الركبان والمُشاةُ..عبر السنين..حتى اضحتْ من نسيج ثقافتنا الشعبية المغربية...الغريب والمثير أيضا هو سرد أحداث الرواية بطريقة تلامس الواقعية التي توقع القارئ في التصديق المجبَر...كما قلتُ سابقا تصديق الكاتب فيما يروي...وإنِ اتسمَ الحكي بغرائبية شاذّة..يرفضها العقل والمنطق...الكاتب بذكاء يوصلنا في آخر الرواية إلى هذا الاقتناع المستعصي....ففي خرافتنا العربية الواسعة نعلمُ أن بعض الناس "يؤاخون الجِنّ" بمعنى "تصير أجسامهم مساكن للجن"...ونعلم أن هذه الأشياء من عوالم الغرائب والعجائب لا تمتّ إلى معتقَداتِ الكاتب بصلة...لكن أن يختم الرواية بخروج المرأة من شاحنة ركابٍ,,للدخول إلى مقهىً يرتاده البطل "سعد" العائد من جولته الروحية التي أفقدتْه الوعي لأيام في المصحة والتي كادت أن تودي بحياته..بسبب الحادث المفجِع الذي وقَع له تلك الليلة...تُربِك القارئ أكثر ليس في كونِ "سعد" رأى المرأة دون أن يراها احد معه...والتي هي ليست إلا "عايشة قنديشة" عاشقته...ولكن لكونِ كاتبنا أجبرنا على الوثوق به...بِ "سعد"....أنه فعلا "مسكون" بهذه الخرافة....
 

 

تمّة لغز التميز....وتمّة لغز الاحتكار السردي الجميل في ذاكرة وقلم الاستاذ مصطفى لغتيري...
والرواية حقا "تسكنك" أيها القارئ عند آخر حرفٍ يقع عليه إدراكك....فكنْ حذِراً....
تحية ترقى إلى كاتبنا القدير سي مصطفى..
ولنا في الكِتاب قراءات أخرى أجمل وأعمقُ...ننتظرها من نقادنا الأفاضل...أما هذه فهي مجرد طلّةٍ من قلمي المتواضع....

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً