الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
اللغة العربية .. وحديث العصر - ثابت القوطاري
الساعة 09:11 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

إنّ الحديثة عن اللغة العربية، لا سيّما في يومها العالمي (18/ديسمبر)، بحاجة إلى عمرٍ إضافي في حياة الإنسان، إذ من المستحيل الغوص في أغوارها، والحديث  عن قضاياها المختلفة، وأهميتها للإنسان ليس كنقطة تواصل فحسب بل كوعاء للتفكير وكجزء من الانتماء، والشعور بالمسؤولية تجاه ذاته أولاً، ومحيطه ثانياً.
 

لا يخفَ على أحدٍ ما للغة العربية من أهمية وفضيلة، يقول أبو حاتم الرازي :" إنّ أفضل اللغات...لغة العرب، وهي أفصح اللغات وأكملها، وأتمها، وأعذبها، وأبينها...وروى الترمذي عن محمد بن المنذر الهروي عن محمد بن عبد الله العُتْبي قال [الإمام] علي كرم الله وجهه: كلام العرب كالميزان الذي يعرف به الزيادة والنقصان... ونقول إن لغة العرب هي اللغة التامة الحروف الكاملة الألفاظ...ولها فضائل ليست لسائر اللغات ".
 

وقال ابن فارس: " قال جلّ ثناؤه وإنَّهُ لتنْزيلُ ربِّ العالمين*نَزَلَ بِه الرُّوح الأمينُ *على قلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ المُنْذِرين*بِلسانٍ عربيٍ مُبين فوصفه جل ثناؤه بأبلغ  ما يوصف به الكلام وهو البيان ".
ولكن جهود علماء العربية لم تقيها من مخاطر العصر، لاسيما في عصر العولمة والصدامات الثقافية والصراعات الفكرية المحتدمة إذ بدا زحف اللغات الأجنبية  والعامية قوياً جداً يظهر في تفاصيل حياتنا اليومية على مستويات مختلفة بدءاً بالإعلانات التجارية وانتهاءً بحديثنا عبر الهاتف، ليقع الشاب العربي فريسةً سهلةً للثقافات الأجنبية الهشة، واللغات المختلفة المفرغة من الجوانب الروحية، والثقافية، والمكتظة بأبعادها الاقتصادية  والسياسية المختلفة، والعامية التي أتتْ – أحياناً- خليطاً من لغات أخرى: حبشية وفارسية وتركية. والأخطر من ذلك كله الدعوة إلى إحياء اللغات القومية في المجتمع العربي الواحد.

 

وللأسف الشديد ساهمنا نحن العربَ بالنظرة السلبية تجاه اللغة العربية إذ حُصرتْ في الخطابات الدينية على المنابر وأشرطة المحاضرات.
 وأصبحت لغة ( أصحاب العمائم ) من المتدينين، متجاهلين ما للغة العربية من بُعد إنساني ومعرفي تصلح لجوانب الحياة المختلفة، وتواكب مستجدات العصر وتغيراته بكلّ أشكالها، ولم نكتفِ بذلك بل تجاهلنا تراثنا الفكري فلم نسعَ إلى تحقيقه وإخراجه إلى حيز الوجود المعرفي والثقافي والأكاديمي، وإن أُخرج فبشكل ركيك وأسلوب قديم وطباعة رديئة تجعل المطالع والمهتم  في غنٍ عن مطالعتها أو اقتنائها، وأتتْ المناهج الدراسية ببؤسها وجمودها  لتزيد من المصيبة ليجد الطالب إشكالية كبرى في النحو والصرف  والبلاغة والعرَوض ترافقه حتى الجامعة. 

 

لنضع سؤالاً بحجم الكارثة: هل الإشكالية في اللغة أم في أصحابها ؟
دون الشك فالإشكالية هي في أصحاب اللغة لا في اللغة ذاتها فبالرغم من أن اللغة واحدة إلا أنّ مجامع اللغة العربية ليست على اتفاق حول مصلحاتها ومعاجمها والسبب في ذلك هو أن السياسة تؤثر على مجرى سير اللغة أضف إلى ذلك الوضع الاقتصادي والسياسي المتردي الذي يعانيه الوطن العربي وذوبان الشخصية العربية وانبهارها بالحياة الغربية وثقافاتها التي تهتم بالمنظر و تُهمل الجوهر 
ليجد الإنسان العربي نفسه مقطوع الجذور وبدلاً من أن يقرأ قصيدة لأبي الطيب المتنبي ويتذوق شاعريته يجد نفسه يقرأ قصيدة لولت وتمان أو إرثر رامبو تاركاً موروثاً ضخماً من الأدب العربي وراء ظهره، وأنا بهذا لا أدعُ إلى إهمال الآداب الأخرى وعدم الاهتمام بها بل على العكس تماماً فلطالما وجدت علاقة تأثر وتأثير بين الآداب بشكل عام ولكن لا يجب أن يكون هذا على حساب اللغة والانتماء  وقد تأثر شعراء الغرب وأدبائه بالثقافة العربية فعلى سبيل تأثر الشاعر (دانتي) في" الكوميديا الإلهية" بكتاب "رسائل الغفران " لأبي العلاء المعري، وتأثر الروائي (تولستوي) بالفكر الإسلامي الصوفي، وتأثر الشاعر الألماني (جودته) بكتاب "ألف ليلةٍ وليلة"، وتأثر الكاتب (بيرك) في كتابه "الحياة إرشادات" بمقامات الحريري، وتعلم الشاعر السويدي (جونار إكيلوف)  رمزية المرآة من التراث الصوفي العربي والفارسي وكذلك العكس فقد تأثر كثيرٌ من كتاب العربية بالثقافة الأجنبية مثل:طه حسين في كتابه "الشعر الجاهلي" تأثر بـ(ديكارت)ومناهجه، وتأثر الشاعر أمين الريحاني في الشعر الحُّر بـ(ولت وتمان) وغيرهم الكثير.

 

تظل اللغة العربية مسؤوليتنا جميعاً، والحفاظ عليها يقع على عاتقنا، وتطوير مناهجها جلُّ ما نسعى إليه لنخرجها بحلتها القشيبة وجاذبيتها المعتادة لتكون نبراس الفكر الإنساني.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً