الثلاثاء 24 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
كابوس مخيف.. - سليم المسجد
الساعة 16:14 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

صفعتني يدٌ حجرية من حيث لاأدري، فثقبتْ وجهي الشاحب ناراً تَطاير شررها في فضاء..تسير بي الطريق وتسير، وثمة فقاعات ملونة وبالونات تمور من أمامي ودوارة، أدور حول نفسي وأدور..أترنح وأترنح..فُترتْ قواي فسقطتُ أرضاً، تلقتني هوة عميقة فأمسكتُ بشفيرها وأتشبثُ، جسدي معلقاً في الهواء ويتأرجح، وشئٌ من أسفل يجرني من قدمي بقوة..أتشبثُ..أصرخُ..هل أحدٌ يسمعني؟.
 

ارتفع خفقان قلبي وضرباته بسرعةٍ جنونية، غمرتني أمواجٌ باردة ضاغطة على صدري بهمجية..يالهُ من وخزٍ شديد يمزق جسدي..! أصرخ ألماً وأستغيث..هل أحدٌ يراني..؟.
أتشبثُ وأتشبثُ..تجمدتْ أطرافي..خارت قواي فترديتُ هوياً، ترتطم الأحجار بجسدي المتهالك؛ فيتقوقع مندفعاً إلى ناحية أخرى..أصرخُ، أستغيث..هل من مجيب..؟ يرُجِّعُ الصدى تأوهاتي إلىَّ، فيضغط على أنفاسي بشدة..أشعر بالإختناق..سأفارق الحياة، ياإلهي..يا...، برق الموت الأحمر على عتبات وجهي ويسري..يتلولب ويتحلزن وينفث شظاياه، وفي أروقة روحي ينشر ويقطع، يعتلج ويصرع..سبحلتُ، حمدلتُ، هللتُ مودعاً.

نبضتْ أوردتي بفتور، تنفستُ برمق..أين أنا..في قعر الهوة متردياً..يطوقني الظلام من جميع الإتجاهات ويلفني في ثوبه الحالك..وكل شبرٍ في جسدي ينزف ويئن..حاولتُ التبعثر؛ فأمسكت بي ردغة الرواسب وقيدتني جراحاتي العميقة..لحظتها، طنين في أذني الزائغتين:يمكن هلوسة ريح، سوسة تنخر في التراب، سلكٌ شائك خرج عن مكبسه ليكهرب الهوة، كلبٌ بو... . لاوقت للاحتمالات فالأمر مهول..! حاولتُ..لكني عجزتُ..تسمرت شفتاي..تعطل محرك الصوت وبقتْ النفس موطن الحديث..أُ سدلتْ الأقنعة فلم أسمع إلّا الصمت الكئيب ولا أرى إلّا أشباح الظلام..جفتْ الموارد فصرتُ أخرساً أبكماً... . أحسستُ بولي يتسرب لاإرادياً..تحركتْ يدي الجامدة فجأة واندفعتْ نحو مكان التسريب، فاغترفتْ منه ثم ولَّتْ..وفي فمي أفرغتْ حملها، تذوقتُ ملوحة غريبة، فتلاشى الجفاف وتحرك لساني نسبياً..عاودتُ المحاولة، وبأنفاسٍ متقطعة:
_وا... . تنفستُ قليلاً، وأتمنى إجابة تسعفني. وفي التو، هبط صوتٌ من أعالي الهوه:
_لمن تنادي؟! لايعرفون إلا لغة الدم، لاحياة لمن تنادي في قواميسهم.
 حُبستْ أنفاسي..يمكن عنصر في عصابة سرقة الأعضاء، أو مكلف بمهمة استئصالي بالكلية..الأمر أشد من ذلك!! فهتفتُ آمراً:
_دع المواربة، استدعي منظمة الرفق بالحيوان لتنقذني.
وبتأنٍ أجاب:
_لا مجال هنا للمواربة فأنت في بلاد العاهات، أغير صفعات العميان والصمت الكئيب وصفعات أخرى ورفيعة المستوى، غيبتك في غيابة الهوة؟! بل هي السبب الرئيس لهذا العناء، لكنها تعد عند الواعي بمثابة دعوة لليقظة، أليس المشاكل هي القادرة على تغيير الحال..؟.
_دع الإكثار الممل، أنا في ورطة، انقذني.
_حقاًإنها ورطة، والأعظم منها تلك العاهات..أما هذه الظروف فتستحق الإهتمام، الإكثار فيها ليس مملاً، لم يأت فضولاً وحشواً، لكنك لاتجيد سوى الإتباع والاستضعاف، وتجهل الحقيقة..ياعزيزي، قيَّم شخصيتك، غيّر من سلوكك، انقذ نف... .
_انقذني.
_دع الأنانية، برمج نفسك إيجاباً، لا أستطيع إنقاذك، لكن إذا أستطعت الخروج من هذه الدائرة، واستئصلت العاهات بقلم التنوير؛ فستلملم التشطير، ستبني صيدلية الحياة، سترعاك منظمة الرفق بالحيوان وجمعية الإنقاذ في بلدٍ تنبضُ بالحياة..لاتتذمر عاجزاً..تعلم فن القوة، فكّر بعمق..همتك العالية، عزيمتك الصادقة، ضميرك الحي، فكرك المتنور، أدبك الخلّاق، يدك، صوتك الفعّال، ينق... .
وغاب الصوت..فتنبهتُ فزعاً، أركض هرباً، أنزوي خائفاً، وصرخاتي لن تكف، فأفزعت الجدران الناعسة وتيقظت أسِرَّة اللاموتى منزعجة، هبَّ أحدهم مسرعاً فأمسك بي وقادني إلى سرير نومي..ثم جلس بجانبي يمسح العرق المتصبب على جسدي بحنو كفه الخشن، ولسانه تلهج بالدعاء وتلاوة سورة الإخلاص والمعوذتين. عدتُ إلى عالمي فرددتُ دعاء الفزع، وشفتاي اليابستان تلهثان وراء ماء..قطرات، طل..قدَّموا لي  قنينة من الماء، ونظراتهم..لمساتهم..تقضم روعي..وثمة أصوات يرتد صداها في سديم:
"لاتخف لاتخف، كوابيس مزعجة، كابوس جاثم على صدورنا..".

2014/

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً