الجمعة 29 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 28 نوفمبر 2024
مقام الذهول ـ شعر / أحمد المعرسي
الساعة 23:51 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 
(منعت الظروف المعيشية القاسية الشاعر من الحج والعمرة وحين سنحت له الفرصة كان مشاركا في مهرجان ثقافي ولم يسمح له بالبقاء في المدينة المنورة سوى ثلاث ساعات وحين وقف في المسجد النبوي أمام شباك قبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كانت هذه القصيدة) 
 

من غُرةِ النورِ لا من غُرةِ الطينِ  
    فأيُّ حرفٍ إلى معناكَ يُدنيني؟

قلتُ: السلامُ وطارت رُوحُ تمتمتي
    
    على ذهولي وقالت للمُنى: كوني

يا سيدي هاأنا حرفٌ بلا خلدٍ
    
    قذفتُ في اليمِّ أسراري ومكنوني

وقفتُ والقبرُ يُدنيني ويبسمُ لي
    
    ويحتويني إلى روحي ويطويني

وثمَّ معنىً، أراني وجهَ دهشتهِ
    
    وكان معناك في روحي يُحيِّيني

ما غبتَ عني مدى عُمري، فكيف وقد

    
    وقفتُ ضيفكَ يا ذخرَ المساكينِ

هذا أنا واقفٌ قلبي يُقاسمني 
    
    قلبي وأنفاسُ قلبي لا تُماريني

إلى جنابك روحٌ لونُ دهْشَتِها
    
    روحي التي منكَ يا روحَ الرياحينِ

حبيبَ قلبي، وقال القومُ: مُدَّ يداً
    
    مددتُ قلبي وأنفاسَ الشرايينِ

أنا بطه، وطه سِرُّ خَالِقهِ
    
    يا سدرةَ المدحِ نحو الـمُشتهى ليني

المصطفى سيدُ الدُّنيا وفرقدُها
    
    نِعالهُ تاجُ هامات السلاطينِ

المصطفى نُورُ أنفاسِ الكمالِ بهِ
    
    وجدتُ سِري وأسراري ومضموني

قرأتُه دونما صوتٍ، وهل لفتىً
    
    أن يمدحَ الـمدحَ، ذاتَ المدحِ دُليني

مقامُ طه مقامٌ شاهقٌ وأنا
    
    في موطنِ الـحُبِّ مُحتارُ القرابينِ

أنختُ قلبي وأشواقي وعاطفتي
    
    يا سيدَ الخلقِ خانتني تلاحيني

إني أُحِبُّكَ فوقَ الـحُبِّ يا زمناً
    
    ثوى بروحي وذاتي قبلَ تكويني

 
*   *   *
يا سيدَ الـحُبِّ إني منكَ في خجلٍ
    
    وحرفُ حُبي فؤادٌ نصفُ ملحونِ

من يمدحُ الضوء في أسمى مراتِبه؟!
    
    وأيُّ أفقٍ إلى معناكَ يحدوني؟!

أنتَ الكمالُ وأسرارُ الكمالِ وما
    
    في عالمِ الرُّشدِ من دُنيا ومن دينِ

صلَّاكَ ربي كما صلاكَ مغفرةً
    
    وفيكَ أسرارُ تبياني وتبييني

يا من إذا لاحَ عطرٌ من شمائلهِ
    
    أذكى البرايا وتاهَ الحينُ في الحينِ

سألتُ ربي وهذا الدمعُ يشهدُ لي
    
    إني بمعناكَ مفتونُ المفاتينِ

أن يمنحَ الصبَّ ما يرجوه ليتَ فمي

    
    بساطُ خُفِّكَ يا تيني وزيتوني

وكانَ للوجدِ كفٌّ من شذىً سطعتْ 
    
    تلوحُ حتى يقولَ الصبُّ: ضُميني

هذي المقاماتُ والروضاتُ تشربُ ما
    
    يزمُّ هجسي وهجسي كالبراكينِ

لكنني ها هنا حرفٌ بلا لُغةٍ
    
    فراشةٌ تاهَ قلبي في البساتينِ

أشتمُّ طه بأنفاسِ الوفودِ وكم
    
    وجدتُ أنفاسَ أشواقي تُثنِّيني

طه ملاذي، وما خابت يدٌ وقفت
    
    تقولُ: طه فراديسي وعلّيني

يا سيدي يا حبيبي: أيُّ قافيةٍ
    
    عن شاطئِ العجزِ في مدحي تواريني

كلُّ المسافاتِ ما بيني وبينَ دمي
    
    طه، وطه مُنى نثري وموزوني

طه نشيدُ البرايا، ذِكْرُهُ عسلٌ
    
    تذوقهُ روحُ أنفاسِ الميامينِ

معناهُ ذِكرُ المعاني، آه كم سَكِرتْ
    
    روحي، وقالت: خيالُ الكأسِ يُحييني

يا سيدي في يدي قلبٌ وقافيةٌ
    
    وهاجسٌ من بناتِ الشِّعرِ دمُّوني

وبينَ ما بينَ شوقي وارتعاشِ فمي
    
    كونٌ من الشوقِ مجنونُ الموازينِ

شوقي إليك بلا حَدٍّ وكان هوىً
    
    عن ليلةِ القدرِ يشدوُ في دواويني

لكلِّ عُمرٍ خفايا قَدرِه، وأنا
    
    في عاميَ القَدرِ يا سبعي وعشريني

اليومَ ألفَيتُ طه قُربَ أمنيةٍ
    
    وطابَ قلبٌ تبدَّى كالعراجينِ

وكُنتُ أسمعُ ما يوحى لطفلِ دمي
    
    وأسمعُ الحضرةَ الخضراء تشدوني

القلبُ في دهشةٍ، القلبُ في خجلٍ
    
    يا حضرةَ الذاتِ عن معناي رُدِّيني

 
ما بيننا غائمٌ .. نصفي هُنا، وهنا
    
    نصفي ونصفي ببابِ البوحِ يتلوني

قرأتُ ما أبتغي لكنها جُملٌ
    
    بيضاء لاحت بحرفٍ غيرِ مسكونِ

كلُّ الصباحاتِ عندَ القبرِ محرمةٌ
    
    إحرامَ روحي حبيبي لا يُغطِّيني

هبني، ولـمَّا سمعتُ الضوءَ قال لِمن
    
    رأيتُ حولي ملاينَ الملايينِ

كُلٌّ لدى حُبِّهِ في كفِّهِ جبلٌ
    
    وما استقرَّتْ جبالي يا براهيني

سمعتُ للروحِ لما قال واردُهم:
    
    امضوا أريجاً لُـحُزني شِبهَ مغبونِ

لا باعدَ اللهُ ما بيني وبينكمُ
    
    يا من هواكُم على الدنيا عناويني

أُحبُّ كلَّ شغوفٍ في محَـبَّـتِكُم
     
    فهم بقلبي مُنى شمسي وكانوني

وأنتمُ مهجةُ الدنيا وبسمَتُها
    
    وضحكةُ البحرِ في نبضِ الدلافينِ

وأنتمُ في سماءِ اللهِ جُبَّتُها
    
    يا سيدَ الكونِ إنَّ المدحَ يَشفِيني

أنتم صلاةُ حُروفي، والتفتُّ إلى
    
    شيخٍ جليلٍ بوجهٍ شِبهِ لاتيني

يقولُ: طه، ويغفو في مدارِكِهِ
    
    وأسمعُ الصوتَ بينَ السِّرِّ واللِّينِ

سِرٌّ تقاطرَ غيباً وارتمى مُهَجاً
    
    ودهشةُ الغيبِ بينَ الكافِ والنونِ

هجسُ المرايا، رفيفُ العطرِ..ما وسِعتْ
    
    مدارِكُ الغيبِ .. قانونُ القوانينِ

نبضُ الصباحاتِ في طرفِ النهارِ وما
     
    يحوي الجمالُ بذاتِ الـخُرَّدِ العِينِ

وحينَ قاربتُ وجه البابِ ودَّعني
    
    قلبي ولاحت مُنى هجسي تُناديني

فارقتَ نفسكَ، يا اللهُ قال دمي:
    
    «يا أهلَ هذي المآوي من يؤاويني»( )

الـحُزنُ يفترُّ من طرفي لظىً وأنا
    
    أبكي ولكن دموعاً كالسكاكينِ

ماذا أقول؟ وقد فارقتُ حَضْرَتـَهُم
    
    وهم حضورُ المعاني في مياديني

لكنني عُدتُ مدفوناً هناك ولي
    
    قلبٌ بقلبي توارى شِبهَ مدفونِ

الشوقُ يشربُ قلبي  .. كُلَّ حشرجةٍ
    
    مسالكُ الشوقِ دربٌ غيرُ مأمونِ

لكنني ميِّتٌ حيٌّ بهم، ولَكَمْ
    
    شممتُ في الوجدِ أحباباً تُباكيني

صلى عليك إلهُ العرشِ ما اتسعت
    
    مواطنُ الغيبِ يا عطري ونسريني

وقلتُ: ماتَ  الفتى المشتاقُ من أسفٍ
    
    وقال معناي: ما تُعنيه؟ أعنيني!!

                    المسجـد النبـوي – المدينـة المنورة2008(من ديوان مقامات الروح فى مدح الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله)

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص