الجمعة 29 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 28 نوفمبر 2024
ميزان ـ إيمان أحمد المزيجي
إيمان أحمد المزيجي
الساعة 16:27 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


من جنبات كشك الجمهورية في شارع صنعاء تعز من مدينة ذمار كان (سعد) -الصبي الذي لم يتجاوز العشر سنوات- يحشر جسده الصغير بين زحام سيقان المارة، حاملاً ميزاناً يكبر حجم يداه.

إشتعال قرص الشمس يزيد من إظهار تفاصيله: ثيابه الرثة التي تشكو عثرات معيشته.. حذائه المقطوع في مجتمعٍ تندر فيه لمعان الأحذية الفاخرة.. جسده النحيل.. سمرة بشرته بعد إحتراقها بنيران التعب، وكل تفاصيله التي تصرخ بالوجع، عدا بريقٌ في عينيه يبعث الأمل، ويصقل نفَس الحياة في الأعماق مجدداً.

بين فوضى الزحام راح يتنقل منادياً: "ميزان.. ميزان.. سيدي اعرف وزنك.. سيدتي أصبحتِ بدينة؛ فلتتقدمي لتعرفي وزنكِ.".. لم يعره الكثير إهتمامهم، فنادراً ماكان يستوقفه أحدهم ليرفع قدماه عن الأرض بغرور واضعاً إياها على الميزان، أو فتاة تتباهى برشاقتها أمام رفيقاتها ليرموا بعد ذلك بضع ريالات على حجره.

بينما هو يواصل مسيرة حياة قد قُد قميصها من قبل، وأقفلت أبوابها في وجهه لتحجبه عن طفولته، وتفرض عليه الشقاء قائلاً: هييت لك، مر بقربه بائع ألعاب لطالما حلم باقتناء إحداها،  إلا أنه لا يستطيع الإقتراب من مبتغاه حين يتذكر أن زوجاً من العيون ترصد تحركاته.

الشمس بدأت بإعلان الرحيل، يمر (سعد) مجتازاً كشك الجمهورية الذي يعرض في مقدمته مجلة ماجد بصورها الكرتونية الجاذبة لنظراته.. على مقربة من ذاك الكشك يجلس رجلاً على الرصيف، كان قد أشعل سيجارته وشد عليها الخناق بين سبابته والوسطى.

تقدم سعد نحوه، أدخل يده جيبه، أخرج كل ما فيه؛ ليصب تعب يومه بين يدي ذلك الرجل.. يتصبب عرقاً، ترتعش أطرافه، يتأتئ، وبحرقة تنهدٍ يقول له: " هذا كل ما استطعت تجميعه لتخزينتك غداً."

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص