الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قراءة نقدية
قراءة في مجموعة حلزون واحد فقط - عبدالرحيم التدلاوي
الساعة 17:56 (الرأي برس - أدب وثقافة)

قراءة عبد الرحيم التدلاوي في "حلزون واحد فقط" لمبروك السالمي

 

يعد مبروك السالمي من بين الكتاب الذين دخلوا مغامرة كتابة القصة القصيرة جدا بحب و تفان ، فخاضوا كتابتها منذ فترة طويلة ، كانت حصيلتها نصوص عديدة في منابر إالكترونية عدة ، و ظل وفيا لهذا الجنس منحه كل وقته فبادلته القصيرة جدا حبا بحب و كشفت له عن بعض من أسرارها ، و اليوم ، نراه يغادر النشر الرقمي باتجاه الورقي ، فكانت باكورته ، مجموعة اختار لها من الأسماء " حلزون واحد فقط"

 

يستوقفنا العنوان الذي انبسط معبرا عن كائن يعشقه المغاربة و يقبلون على أكله ، الحلزون. لابد و أنه يختزن في طياته الكثير من الأسرار و المعاني ، فبفضل قوقعته يظل حبيس أسراره لا يبديها إلا بصعوبة ، و كونه يترك أثناء سيره مادة لزجة فمعناه أنه يمتلك طاقة جنسية تمنح آكله قوة باهره تمكنه من أن يكون فحلا. هذا فضلا عن البطء الذي يتميز به ، فإذا أضفنا الحركة إلى المادة حصلنا على إشباع جنسي ممتد و كامل.

 

الغلاف :

جاء بلون أزرق فاتح ، تزينه العناصر التالية ، اسم المؤلف ، و قد اتخذ مكانه في الأعلى و بلون أزرق مدادي ، تحته مباشرة عنوان المجموعة ، و بلون أحمر مثير لعيون القراء المحتملين ، ما يلاحظ كونه جاء بخط بارز و ممدود على أفق الغلاف تقريبا ، و كان أكثر بروزا من اسم المؤلف لغاية جذب الانتباه إليه و إعطائه الأولوية ، رغم أن اسم المؤلف قد اتخذ السمت الأعلى ، فاللون الأحمر يثير الانتباه أكثر من غيره ، و تحت العنوان أتت اللوحة الفنية شاغلة ثلث مساحة الغلاف ، و تتكون من حلزون مزين بألوان عدة ، يظهر الحلزون و قد خرج معظم جسده من القوقعة الحمراء رافعا قرني استشعاره و كأنه في لحظة تأهب أو ترقب أو خشية ، إنه مستعد للعودة إلى بيته الصلب متى أحس بتهديد ، يتحرك على تراب عسلي ، و خلفه نشاهد خضرة و مساحة فارغة بلون وردي خفيف ، و اللوحة تحمل توقيع صاحبها. تحتها مباشرة ، نجد الميثاق الإجناسي ، قصص قصيرة جدا ، و هو تحديد دقيق يعي صاحبه مقوماته و يدرك مميزاته و ما يفرقه عن بقية الأجناس الأخرى. لون الغلاف ، و كما قلنا سابقا ، أزرق فاتح، يوحي بالرحابة و الحرية و شساعة المكان ، إنه يعطي للحلزون حرية الحركة ، غير أن الإطار يقوم بتقليص المساحة ، و بالتالي ، التحكم في الفعل.

أما ظهر الغلاف فقد زين بصورة المؤلف التي أتت في الأعلى جهة اليمين و تحتها اسم المؤلف ، و الباقي ، و هو الحيز الأكبر فكان لكلمة الدكتور سعيد جبار في حق المجموعة و في الأسفل على الشمال الثمن.

 

صدرت المجموعة في طبعتها الأولى سنة 2014 ، عن مطابع الرباط نت. في 70 صفحة من الحجم الصغير و تتضمن 91 قصة ، يتصدرها تقديم بقلم الناقد الكبير ، محمد داني.

 

أغلبية العناوين مفردة ، أي من كلمة واحدة ، أما الباقي فجاء من كلمتين ، نعت و منعوت أو معطوف و معطوف عليه ، أو مضاف و مضاف إليه ، أو من شبه جملة، أو جملة فعلية مصدرة بلا الناهية .
إذا استثنيا عشرة نصوص فباقي نصوص المتن الكبير عبارة غن قصص قصيرة جدا تعتمد الإبراق و الإيماض و السرد الخاطف. تلتقط اللحظة الهاربة لتعيد تشكيلها بالحفاظ على وهجها.

 

نصوص المجموعة تعتمد الفضح و التعرية ، تنتقد و تدين كل الاختلالات التي يعرفها مجتمعنا . يقول الناقد ، محمد داني ، في هذا الصدد : "و هذا يجعلنا نستشف أن هذا الفضح يبين منظور الكتابة عند كاتبنا. إذ تصبح الكتابة عنده فعلا ملازما لقراءة الواقع..و الوجود.. و أنها رسالة عليه أن يعطيها حقها من الشفافية و المصداقية..و بالتالي الكتابة عنده تعبير عن الذات ، و تحقيق لوجود، و فهم للعالم و المحيط..يعيد بناء هذا العالم في صور مختلفة تندرج من الواقعية إلى التهكم و النقد ، و التعرية ، و النكتة الساخرة و اللاذعة ، و الموقف الساخر..." ص 6.
لنأخذ نص " حلزون" ص 11 و الذي استمدت المجموعة عنوانها منه ، نجد السارد يسخر من الحلزون الذي أعماه السباق فترك قوقعته من دون حماية ، ليكسب السباق ، و هذا فيه من السخرية الكثير ، و يخسر بيته ، حين عودته لن يجد القوقعة و لن يحصل على مقام يأويه ، و يتم طرده من حلزون آخر بحكمة تقول : "القوقعة لا تتسع إلا لحلزون واحد." فما قيمة الربح إن كان على حساب الخاص  والحميم ؟

 

أما في نص " نضج" ص 14 ، فنجد أنفسنا أمام سخرية لاذعة ، تتمثل في الحكمة المكتسبة ، الصمت في مواجهة القمح و التسلط ، لقد كان حريا به أن يتعلم الكلام للجهر بالحق و الصدع به ، لكنه أدرك لخنوعه أن الصمت حكمة ، تلك القولة التي تعلمها في مدرسته فأتقنها في حياته. و نجد في التناص بلاغة ، و عمق معنى ، فمدارسنا لا تعلمنا سوى الرضوخ و الطاعة و تحمل الأذى بصمت يفوق صمت الجمل. ، يقول النص : تعلم في صباه أن " الصمت حكمة" . لما نضج... ابتلع لسانه. و لعمري إنه لنضج يحمل نقيضه في طياته و يضرب عميقا الخنوع و سياسة الاستسلام. بخلاف نص "إعدام" ص 13 ، حيث يقدم لنا نهاية دالة على الشموخ و الإباء ، مع رفض للعرض الساخر حين جعلوه أمام أمرين ، أحلاهما موت ، الإعدام شنقا أو رميا بالرصاص. هذا النص نظن أنه مستلهم من الحدث التاريخي المعروف ، حين وقف رئيس الدولة شامخا يسخر من جلاديه الذين كانوا ينتظرون منه توسلا فوجدوا أنفسهم في مأزق السقوط.

 

أما في نص "تفسير" ص 12 ، فتتبدى السخرية في حصول الطالب من قاموس المعاني التفسير المطلوب و انفلات المعنى. و أظن أن النص يشير إلى القراءة الحرفية للنصوص و ما تشكله من أذية لها ، و يدعو إلى القراءة المتأنية التي تولي المبنى و المعنى ما يستحقانه من اهتمام ، بدل الوقوف عند سطح الكلمات.

 

أما في نص " هو و هي" ص 39 ، فنجد السارد يقف موقفا إيجابيا من المرأة و يدين الرجل الشرقي الذي لا يرى إلا طهارته و دناسة المرأة ، فطرح السؤال الاستنكاري عليه : لو أنا من فعلتها !!..هل كنت تغفر لي ؟ فكان الرد خرسا.

 

و يؤكد نص "لا تحزني" ص 39 ، موقف الإدانة للرجل، حيث تأتي القفلة الساخرة صادمة له ، تقول المرأة بنقد لاذع : وا أسفاه ، كنت أعتقد أني أعاشر رجلا. فسحب الرجوليه عن الرجل الشرقي يعد قمة الإهانة.

 

إن نصوص المبدع مبروك السالمي ، تتميز بلغة تقوم على التكثيف و الإيجاز و الاختزال الشيء الذي طبعها بالقصر ، و قد أتت بجمل قصيرة ، و إشارات جملية كجمل البرقيات. معبرة و قوية و دالة.
هي نصوص نقدية ساخرة ترتبط بالمشاهد السردية ، و الحركية ، و الانسيابية ، تتجسد الحركات ، كما قال الناقد محمد داني ، عبر التمثيل ، و المتخيل ...و تتجسد حوارية اللغة فيما بينها ، فتعكس بصورة فنية ، و ضمنية ، التنوع الاجتماعي و بالتالي تعكس في حوارها القوى الاجتماعية في حركيتها و تعايشها.ص 6

 

ختاما ، يقدم لنا المبدع مبروك السالمي مشاهد متنوعة ذات ارتباط بالواقع الاجتماعي بفنية تغري بالمتابعة و القراءة.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً