الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
في حوار مع القاصة والروائية الأردنية سحر ملص أنا عاشقة للحياة والفرح... مع أن الحزن يسكنني أحيانا - حاورها : عبدالله المتقي
الساعة 13:17 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

 

القاصة والروائية الأردنية سحر ياسين ملص، واحدة من النساء المتميزات في وطننا العربي، عضو في رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو في اتحاد الكتاب العرب، كما اشتغلت في كلية المجتمع كأخصائية في الصيدلة.
من مجاميعها القصصية : «شقائق النعمان» و»ضجعة النورس»، ومن رواياتها «العين الزجاجية» و»مطارح»، ولها كتابات في الرحلة وأدب الطفل.
على هامش مشاركتها في المهرجان السادس للقصة الذي تنظمه جمعية الأنصار بخنيفرة، كان لنا معها هذا اللقاء :

 

o من تكون سحر ملص.. وماذا تحمل في جيوبها من عبق الحياة ؟
 

n من أنا .... ياه لم أسأل نفسي من قبل هذا السؤال لكن ما أعرفه أنني طفلة أدهشتها الحياة فظلت تقف عند بحيرة الطفولة وتبحث عن وجهها في صفحة مائها حتى كادت الشمس تغرب، وعندما أرادت العودة إلى بيتها ضلت الطريق فظلت هناك في غابة الطفولة تغني لوحدتها... للناس... للفرح .... للحب. 
أنا الخائبة التي ظنت أنها بكلماتها ستصنع عالما جميلا جدرانه الكلمات، قوامه المحبة ، ساكنه الإنسان ... ملأت جيوبي بورد الحب ونثرتها على موائد الناس فطالتني منهم الشحناء ... جيوبي ملأى بحكايا وأقمار فضية ... وورود العشق ’سحر تؤمن بأن الحياة برهة فلنعشها بحب وسلام إذ لا تحتمل برهة العمر كل هذا الحقد والقتل الذي نراه، ولطالما آمنت بأن رسالة الحياة أن نترك فيها بصمة واضحة.

 

 

o يقول الشيطان لفاوست: انتبه إن أخطر ما صنع الإنسان هي الكلمة. ما مدى صحة هذه المقولة، ولتكن البداية مجموعتك القصصية «معطف أمي»؟
 

n الكلمة جمرة الحياة التي اختبأت في طيات الوجود بانتظار أمر الخالق كن... فيكون. وكان الكون، فكيف لا تحرك العالم والجبال ... أليست الكلمة عنوانا للإنسانية، ترى لو نطق الحيوان بالكلام لأصبح كائنا متحضرا واختلف وجه التاريخ . نعم الكلمة من أجلها نحيا ونموت.... هي بذرة المعرفة وسر الحضارة والوعي الإنساني ... أنت الآن تأخذني لآخر مجموعة من مجموعاتي القصصية «معطف أمي»، وكـأنك تريدني أن أستعيد برودة الحياة وصقيعها حيث لا دثار يدفئ روحي سوى معطف أمي، ذاك الذي كنت أحتمي به أنا وإخوتي في طفولتي، عندما يهاجمنا الصقيع والرياح في مشاويرنا معها، فلا نجد مكانا أكثر أمانا ودفئا منه.
لكن أمي رحلت.... تاركة لي وحشة الحياة وغربتها لأستعيد في طي ظلال معطفها قضايا ناقشتها قصصي بدءا بالقدر واليد.... ولغة الصمت..... ودار المشاهدة.

 

 

o الأمريكية توني موريسون تمكث تسعة أيام متواصلة لتكتب دون انقطاع... هل لسحر من عادات كتابية ؟
 

 

n لا أملك عادة خاصة، فإن تعبأت نفسي بقصة أو مشهد، تستنفر روحي وأفكاري فأعيش معه بعيدا عن عالمنا الأرضي، ويظل يكبر مثل جنين في أعماقي، بينما جسدي يسير حياته بطريقة آلية وروحي هائمة تسير مع الفكرة والبطل أو البطلة، أتقمص شخصياتهم، أتجادل معهم، أحاورهم حتى إذا حانت لحظة المخاض تزلزلت أعماقي مثل بركان ثائر وانسكبت على الورق، متى؟ لا أدري، وربما استيقظت من النوم أو أوقفت عربتي... وكثيرا ما كتبت وأنا في محاضرات الجامعة العلمية وأنا أدرس الصيدلة. قصة «الرماد» من مجموعتي القصصية الأولى «شقائق النعمان» ، كتبتها وأنا أراقب امتحان طلبتي في كلية المجتمع تخصص الصيدلة، حيث رحت أنزفها وسط انسكاب دموعي دون أن يلحظ الطلبة المستغرقون في أوراق الامتحان ما يجري.
 

 

o من أية حديقة تغذت قصصك الأولى ومن أي عناد تتغذى اليوم ؟
 

n آه قصصي الأولى تجرعت كؤوسها من حديقة الحنظل وبستان الشوك وبكل ما كان في شبابي من عنفوان كي أواجه العالم، وأعيد رسمه مصممة أن أسير على الزجاج حافية، تاركة جروحي تنزف غير مبالية بلعقها مثل قطة تلعق دماءها، وكل ذلك لأني كنت امرأة طوباوية تحلم بعالم مثالي جميل، وكنت أريد إصلاح العالم بسذاجة، فكانت قصصي الأولى معبأة بالمرارة وخيبات الأمل... عبارة عن صرخات في وجه الظلم.
أما الآن وبعدما اشتعل القلب شيبا، وأدركت أن تيار الزمن والحياة طاحن وأقوى من كل أحلامنا وصرخاتنا، فقد بح صوتي ووجدتني مثل غريق يتشبث بصخرة، فلم تبق سوى بضع ساعات أو سنوات من العمر... لذلك أسرعت ألحق بقطار الحياة قبل أن يغادر ويمضي ويتركني في محطة مهجورة، لا أنا في محطة الحياة ولا في محطة الممات.

 

 

o من أي حديقة معلقة تأتين بهذه العناوين المعلقة في سقوف أغلفتك؟
 

n إنها الحياة بكل ما تحمله من كلمات حين تنبض أو تتكلس... تضحك لنا أو تسخر. «ضجعة النورس» استقيت عنوانها حين كنت مسافرة في جزيرة رودوس اليونانية، وشاهدت أفواج النوارس ذات فجر أزرق تحلق في السماء، وتقرع نافذتي. «مسكن الصلصال»، عبرت عني وعنك، عن أجسادنا الصلصالية التي نسكنها لحظة نخلق وتدخل الروح إليها... وعند الموت نغادرها ونتركها للفناء.
لن تصدق مدى عشقي للأرض والتراب، فهي جزء مني، وفي شهر نيسان مولدي أسمع أنين الأرض وهي تدعوني للعودة لها، لكن روحي تغادر جسدي وتظل معلقة به، بحبل رفيع مثل الحبل السري، تهاجر روحي في الربيع في فضاء الله الواسع وأعيش حالة من الانتشاء الروحي الصوفي، فكيف لا أكتب عن مسكن الصلصال؟
هل سمعت صراخ التراب حين يشققه العطش فيرتوي بماء المطر ويتنهد ؟
أما «العين الزجاجية»، فبعدما خضت معارك الحياة وأدركت دونكيشوتية الإنسان مقابل أقداره، خلعت عين بطلتي الحية النابضة واستبدلتها بعين زجاجية ترى العالم من منظور محايد ... بطلة «العين الزجاجية»، زاهدة في الحياة اتبعت مقولة ابن أدهم: «الحر من خرج من الدنيا قبل أن يخرج منها». إنها عين جامدة تنظر للحياة بمنظار الحياد، لا تنفعل... لاتبكي بعدما تجرعت كأس المرارة.

 

 

o ماهي حكاية هذا اللجوء للرواية.. ألم تعد القصة القصيرة تلبي شساعة أحلامك ؟ أم هي مساهمة منك في حياة الرواية ؟
 

n حين يتسع بوح المحكي ويفيض الخيال وتتناسل الشخصيات وتتباعد جدران الزمان، آنذاك يضيق بساط القصة فلا مجال للحكي إلا التستر بخيمة شهرزاد ونسج حكايا الشخصيات تحت لياليها الألفية. بصراحة طبيعة العمل الأدبي تفرض شكله، ومنذ بدأت بكتابة القصة وأنا أسمع النقاد الذين قرأوا أعمالي يرددون بأن لدي نفسا روائيا.
 

 

o أنت قاصة وروائية ورحالة، فأين يجد يجد القارئ خيمة عوالمك وأحلامك؟
 

n أنت قلت إنني رحالة، وفعلا أنا كذلك وروحي لا تستقر في مكان واحد، فأنا نزقة حادة في كتابة القصة التي شيدت منها تسع خيام، أو مجموعات قصصية معظمها موجع موسوم بالخيبة، تشبه وجها مجدورا، والرواية أقمت تحت ظلالها وأنتجت روايتين أو ثلاث، وثمة روايات مخطوطة لم أكملها بعد، وهي قطع من الحياة ومرسومة بألوان قوس قزح الذي يطل فيها تارة حين تشرق الشمس، وتارة أخرى تحمل رواياتي بمطر البكاء، أما المكان فهو محرك لروحي المسافرة دوما حتى إذا صادفت مكانا أثريا ما توهجت وغادرت إلى العصور القديمة تستنطق سكانه وتعيش معهم.
أنا عاشقة للحياة والفرح مع أن الحزن يسكنني أحيانا، ولكن يظل هناك ما يشدني للحياة.. ربما كان المكان هو الواحة الصوفية التي يستظل فيها القارئ ويستريح، أما إن أراد أن يقرأ وجع الحياة فعليه بقصصي. ولكل قارئ مطلق الحرية في إناخة راحلته والاستظلال بخيمة كلماتي. 

 

 

o ترى الناقدة رفقة دودين أن « قصصك تلمس قضايا المرأة من منظور الرؤية الراديكالية»... ما تعليقك؟
 

n بعد مكوث آدم وحيدا في الجنة، تتآكل أعماقه الوحدة.. غارقا في الصمت أغفى قليلا... فخلقت حواء ... وما بين الحلم والحقيقة فتح عينيه ليجد كل هذا البهاء، فأسرع يمسك بمعصمها خشية أن تهرب منه... آنذاك أطلقت صرخة مدوية قائلة: أطلق يدي أغني لك مدى الحياة.
إن مصادرة حرية المرأة واستعبادها يجعل الحياة قاتمة، ويجعل خطوات الناس والمجتمع تتعثر. نعم قصصي مغمس حبرها بعذاب المرأة وقهرها والوصاية عليها، ولذلك كنت أحفر بحثا عن جذور معاناتها، وأدعو لتمردها على الواقع المظلم أحيانا للعيش تحت سماء الحرية كي تستحم بالنور المقدس، وقد أمسك الرجل بيدها ليسيرا معا لا لكي يكبلها.

 

 

o ماقصة هذا الشغف والجنون بالمكان في قصصك ورواياتك ؟
 

n أتريدني أن أنسف قصة المكان من حياتنا؟ ألسنا جميعا نعيش في مكان واحد هو الأرض؟ أفلا يكون جزءا لا يتجزأ من عالمنا ؟
المكان هو العراب الذي يدل على حياة الناس، وهو الذي يرسم طريقة حياتهم يتأثر ويؤثر بهم.
أنا مولعة بالأمكنة لأنها تفتح لي سراديب مغلقة، بعض الأمكنة أشهق دهشة عندما أراها، وأخرى تدخلني في نوبة فرح وتحلق روحي في فضائها.
أنا عاشقة للحياة، سافرت في بعض البلدان، تعرفت على الناس والأماكن وألفت كتابا تحت عنوان «سفر الرحيل»، كما طفت في الأردن وتجولت في المواقع الأثرية أستنطق حجارتها، قرعت بوابات القلاع ..سلمت على الملوك في ظلال صورهم التي صارت أطلالا. شاهدت الراقصة «سالومي» ترقص في قلعة مكاور لحظة قطع رأس «يوحنا المعمدان»، المكان حاضنة الروح ولا يمكن أن نسلخ الإنسان عن المكان، أنا في كل مكان أكتبه أعيش حياة أخرى، ولذلك عشت مئات الحيوات من خلال كتابتي للمكان.

 

 

o بم تتهم سحر ملص القاصة سحر الروائية وماذا عن تلك الصيدلانية ؟
 

n المرأة الصيدلانية هي الإنسانة المكافحة التي عملت بجدية، وشقت الدرب للكاتبة التي بدأت مشوارها وهي طفلة في العاشرة تخربش وتكتب الشعر الرديء، والقصص، في الوقت الذي كانت الأخرى تجلس خلف كتبها تتعلم وتعد حياتها لدروب شاقة موزعة ما بين الصيدلية والأمومة والكتابة و...الخ.
نعم كان الاتكاء في الحياة على الصيدلانية التي وفرت للكاتبة المال من أجل حياة كريمة مصانة بعيدا عن ذل الحاجة، وفرت للكاتبة بيتا ومكتبة زاخرة بالكتب وكل ما تحتاجه في الحياة، وفرت لها مالا لأسفارها وطباعة كتبها وقد خطت لها دربا أنتجت فيه تسعة عشر كتابا مابين العلم والأدب.
اصغ يا صديق معي... ها أنذا أسمع صوت قبلات وعناق وأطل إلى داخل أعماقي فأجد القاصة والصيدلانية تتعانقان بود وحنان... أما الروائية فهي زائرة تتبختر ولا تزاحم القاصة. وكل ذلك هو أنا فمن أنت؟

منقول من الإتحاد الإشتراكي..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً