الجمعة 27 سبتمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 26 سبتمبر 2024
قصة قصيرة
الليلة التي قتلت فيها أبي! - حسن لختام
الساعة 17:51 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

ذات ليلة صيفية هادئة، كنت برفقة سامية، المرأة التي عشقتها حدّ الجنون. المكان الذي حجز لنا كان يتواجد بجانب نافذة عريضة ذات ستائر بنفسجية، يظهر من خلالها القمر متلألئا في الأفق. على طاولة مرمرية وضعت قنينة خمر من النوع الرفيع، ووردة حمراء، بالإضافة إلى القطعة الفنية "طائر في الفضاء" للنحات برانكوزي. على إحدى جدران المطعم عُلقت لوحة "حرية الفكر" لسالفادور دالي..

وفي وسط المطعم كانت توجد نافورة رخامية ذات لون أخضر قرمزي، يتدفّق ماؤها، وينسكب على حوض مرمري حلزوني الشكل. بالقرب من النافورة كان يقف عازف كمان، يعزف لحنا هادئا يداعب أوتار الذاكرة والخيال. نغم اللحن وخرير المياه كانا يؤلفان معزوفة عجيبة تغري بالإثارة والإنطلاق. أريج الورود المختلفة الألوان الموضوعة بعناية فائقة ، كانت تغمر المكان بعبق الحياة، وتضفي عليه جوا شاعريا يحرك الراكد في أعماق النفس. كم أعشق تلك اللحظات الأسطورية، مع امرأة خارجة عن المألوف.

في تلك اللحظة السحرية، استسلمت أمام جمال سامية الخرافي، فخاطبتها قائلا:
إني أحبك..
يا امرأة في بواطني،
تشعّ بهاء وسلوى..
متعبد أنا في هواك
نظرت إلي سامية بابتسامة جذابة ،فالتقت عينانا في عناق حار أذاب بحرا متجمّدا بداخلي، ثم قامت بهدوء من مكانها .

اتجهت نحو عازف الكمان، و بدأت تتمايل بجسدها الملائكي..خيّل إلي أن الزمن في تلك اللحظة قد توقف عن الدوران..شعرت بإحساس غريب يتملّكني، ويغمرني من رأسي إلى أخمص قدميّ. أشارت إلي سامية أن أقترب منها.. أمسكت يدي، وبدأت تراقصني قائلة:
 

-حاول أن تعبر بلغة جسدك وروحك عما بداخلك من مشاعر وأحاسيس نحو كل من تحبهم ..قد حان دورك ..هذه لحظة يمكن أن تغيّر قدرك ومصيرك، وكل وجودك . أومأت لها برأسي دون أن أنبس بكلمة، فأطلقت العنان لجسدي.. بدأت أتمايل يمنة ويسرة دون شعوري. مع مرور الوقت، بدأ جسدي يتحرك من تلقاء نفسه. كنت أشعر أن حركاته أصبحت متناغمة مع موسيقى العزف على الكمان. تلك اللحظة الأسطورية أيقظت في أعماقي ذلك الطفل الذي يسكنني، والذي يرغب في التعبير عما بداخله من أحاسيس ومشاعر قابعة في الأعماق.
 

تجلت أمامي صورتا أبي وأمي، فبدأت في مناجاتهما:
"أبي العزيز،
شكرا لك ..أخرجتني من العدم الى الوجود. أشكرك على كل التضحيات التي قمت بها.. لكنك كنت دائم الغياب..لم تؤد دورك كما كان ينبغي. كنت أنانيا، متغطرسا.. كنت ترهبنا بعدوانيتك . كنت تغتصب أمي في حضورنا.. كنت ذلك الطفل البريء الذي كان لايعرف معنى ذاك الإغتصاب الجنسي، الذي كانت تتقبّله أمي بتنهيداتها العريضة. كم مرّة لعنتك في نفسي، وكم مرّة قتلتك في خيالي.. كنت قاسيا غليظ القلب، وفي نفس الآن كنت جبانا مغلوبا على أمره..لم تعلّمنا معنى الشهامة والشجاعة.. كنت عاجزا على أن تزرع في أعماقنا حب المغامرة والمواجهة.. لم تحدّد لنا أهدافا في الحياة. فقط زرعت في قلوبنا بذور الخوف والقلق. بقدر ما سامحتك، لعنتك"
"أمي الغالية،
أشكرك على الحياة التي أهديتني..أحيّيك على صبرك وتحملك أقسى المعاناة من أجل أن نبقى على قيد الحياة. لكنك بخلت علينا بعطفك وحنانك..واكتشفت -في سن مبكرة- أننا كنّا نولد فقط نتيجة رغباتك ونزواتك مع أبي..قذفتما بنا عبثا في هذا العالم ، وتركتمانا نواجه مصائرنا دون سلاح.. ودون استعداد..."
أبي، أمي
قد آن الأوان كي أصفي حسابي معكما. يجب أن تؤديا ثمن أخطائكما..
التقطت سكينا من على الأرض، ثم وجّهتُ طعنة قاتلة لأبي وقع على إثرها جثة هامدة. صرخت أمي المريضة بأعلى صوتها، والهلع يملأ محياها:

 

-قتلته! قتلته!
نظرت إليها قائلا:
-أمي، إنك طالق...
وقعت هي الأخرى جثة هامدة من جراء الصدمة.
حملتُ نعشهما على كتفي، باتجاه مثواهما الأخير.
ووُري جثمانهما على إيقاع موسيقى عسكرية، وطلقات مدفعية. وضعت على قبرهما وردة حمراء، ثم غادرت المكان.
عندما عدت إلى وعيي ، وجدت نفسي في حالة غير عادية والدموع تملأ عيني. توقّف
عزف الكمان. توقفت سامية عن الرقص. عدت إلى مكاني..
عانقتني سامية قائلة:

 

-لقد تخلصت من عبء كبير
كان يثقل كاهلك.. الآن يمكنك أن ترسم طريقك بنفسك..الطريق الذي ستمشي فيه بكامل حريتك.. هنيئا لك.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر