الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الرواية فن المتعة والترفيه - وليد علاء الدين
الساعة 13:14 (الرأي برس أدب وثقافة)

    

كل قارئ رواية باحث عن المتعة، والأمر الذي يجعل قارئًا يختار رواية -تاريخية مثلًا- تتناول أحداث فترة معينة من التاريخ، هو توقعه المسبق بأنها وسيلة قادرة على إرضاء بعض فضوله المعرفي.

هل نصنف الكتابة الإبداعية ضمن وسائل التواصل أم وسائل الترفيه؟
سؤال فرعي تحت مظلة السؤال دائم الإلحاح على ذهني: لماذا نقرأ رواية؟

لذلك كان هاجسي الأهم استخلاص إجابة عن هذا السؤال خلال استضافتي للروائي الفلسطيني الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” هذا العام ربعي المدهون، والناقدة الإماراتية الدكتورة أمينة ذيبان رئيسة لجنة التحكيم، ضمن البرنامج الثقافي لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب 2016.

ملاحظتي الأولى أن “المضمون” كان المعيار الرئيسي لاختيار روايات البوكر هذا العام؛ روايات اهتمت بالقضايا العربية الكبرى وتداخلت مع الواقع العربي سواء عبر مرجعياته التاريخية أو توقعاته المستقبلية.

وهو -بلا شك- أمر ضروري، لكنه -في رأيي- يجب أن يأتي في المقام الثاني بعد توفر مقوّمات الفن الروائي وأسباب تحققه، بل وتقديم إضافة -ولو ضئيلة- إلى منجزه السابق.

فإلى أيّ حد تحقق هذا الأمر؟ هذا ما أردت معرفته من خلال المناقشة.

في الواقع كان ربعي المدهون مغلقًا إلى حد كبير، كأنه جاء محملًا بغضب سابق، إجابات تتضمن قدرًا من التعالي الناقم الذي يبدأ بلمحة فيها حرص على التقليل من شأن زاوية التساؤل، يعقبها إعلاء من شأن روايته وتجربته ككل، وهو ما أغلق أمامي كل أمل في حوار باتجاهين خلال الفترة القصيرة المحددة للنقاش من دون سابق معرفة، وإن كنت أشهد له أنه اضطر في لحظة ما -تحت وطأة إلحاحي على أن الرواية ليست القضية بقدر ما هي كيفية تناول القضية جماليًا- إلى الحديث عن التقنيات التي استخدمها في روايته واهتمامه بتقسيمها إلى كونشيرتات.. إلخ.

وجدت في رد الدكتورة ذيبان بعضَ العزاء، وإن لم يكن في حديث محدد عن مقومات تحقق رواية ومدى قدرتها على طرح وجود جمالي يحقق المعادلة بين المضمون والشكل، ولكن في إشارتها إلى أن الروايات المقدمة هذا العام هي من فرض معيار الاختيار، لانشغال معظمها بالقضايا الكبرى، ما يفتح الباب على احتمال أن الترجيح تم على أسس أخرى -إلى جوار المضمون- قد يكون فيها ما يتعلق بالفن نفسه كوسيلة إمتاع وترفيه وليس مجرد وسيلة تواصل ونقل رسالة.

في اعتقادي أن الدافع الرئيسي الذي يجعلنا نقرأ رواية هو البحث عن المتعة..، والمتعة هي معيار الترفيه، وإن كنا في حاجة إلى إعادة الاعتبار إلى مصطلحي المتعة والترفيه لتخليصهما من بطانة السلبية والإحساس بالذنب التي ترافقهما في ثقافتنا وتركيبتنا النفسية؛ فقد اقترنا إمّا بالأمور غير الجادة عديمة النفع أو بالملذّات الحسية خارج نطاق مسموحات المجتمع والدين، أو داخلهما ولكن بإفراط يُنذر بالتفريط. وبالتالي لم يتسع المفهوم معنا ليشمل متعًا أخرى كمتعة العلم، ومتعة المعرفة والفهم، ومتعة توسيع وتطوير التساؤل، ومتعة المناقشة، ومتعة الاختلاف.

من هذه الزاوية يمكننا فهم إصرار البعض على التعامل مع فنون الكتابة الإبداعية باعتبارها أولًا -وربما أخيرًا- أحد فنون التواصل، فيمنح القيمة الأهم للمضمون والرسالة قبل الكيفية التي تستخدمها تلك الفنون في التعاطي مع هذا المضمون وتلك الرسالة. بينما العكس هو الصّواب الذي لا صواب غيره؛ فالقضية والرسالة يمكن التعبير عنهما بوضوح أكثر في مقالة رصينة أو حتى في شعار لا يتعدى عدد كلماته أصابع اليد الواحدة، أما الرواية فإنها -أولًا وقبل كل شيء- عالم مصنوع من أجل حمل مضمون على أجنحة من المتعة والترفيه يتبارى المبدعون في “استخدام وابتكار” أدوات وتقنيات تحقيقها.

كل قارئ رواية باحث عن المتعة، والأمر الذي يجعل قارئًا يختار رواية -تاريخية مثلًا- تتناول أحداث فترة معينة من التاريخ، هو توقعه المسبق بأنها وسيلة قادرة على إرضاء بعض فضوله المعرفي، وكل حاجته إلى المتعة والترفيه، وهو ما يبرر عدم اختياره كتابا يضم دراسات وبحوث ومقالات حول الفترة نفسها. الرواية فن المتعة والترفيه.


شاعر من مصر مقيم في الإمارات

 

منقول من صحيفة العرب...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً