الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
هموم القصة النسوية القصيرة بين آفاق الحلم وقسوة الواقع - عبدالله أحمد حسين
الساعة 20:03 (الرأي برس - أدب وثقافة)


تحاول هذه الدراسة الاقتراب من أربعة نصوص قصصية لأربع قاصات شابات, وذلك من أجل التعرف على رؤية النصوص القصصية النسوية تجاه المجتمع والثقافة اللذين تنتمي إليهما, وطريقة تصوير هذه النصوص للواقع الاجتماعي, ودلالة ذلك التصوير وعلاقته بالواقع.
والنصوص الأربعة هي:
 

- قصة "سر المقبرة, لعفاف صلاح.
- قصة "غـربة بلا رجـوع" لندى أحمد الأشول.
- قصة "أحـــــلام مقيَّـدة" لمنى البدري.
- قصة "نظرات تائهة" لإيمان أحمد المزيجي.

 

إن المتأمل في النصوص الأربعة سيلاحظ أن هذه النصوص الأربعة تدور في فلك واحد, وأن هناك هموماً وهواجس هيمنت على أجواء النصوص, ولا شك أن ذلك سيكون أكثر وضوحاً وتكراراً إذا ما تناولن نصوصاً أكثر. 
 

وتعد المرأة وقضاياها هي الموضوع الأبرز لدى الكاتبات, ولا غرابة في ذلك؛ فالمرأة حين تكتب تنطلق من عوالمها وقضاياها, ففي قصة "سر المقبرة, لعفاف صلاح تناقش القاصة قضية أزلية من القضايا المتعلقة بالمرأة وهي قضية المرأة وعار الخطيئة, تدور أحداث القصة حول شاب تعرض لمكيدة امرأة مصابة بالإيدز أوقعته في براثنها وهو بغير وعيه؛ مما جعله ينتقم منها بقتلها قتلة شنيعة, وكان يمارس انتقامه هذا مع كل امرأة يتمكن من استدراجها إلى المقبرة.
تقف القصة على مسألة الظلم المجتمعي للمرأة, حيث جاءت القصة لتدين نظرة وتفكير المجتمع بالنسبة للمرأة وقضاياها, وانحصار ذلك كله في نقطة ضيقة لا يتعداها, فبعد أن نجت إحدى الفتيات من قبضة ذلك الشاب بعد أن انهال عليها ضربا حتى أوشكت على الموت, تصل إلى بيت أهلها وهي في حالة يرثى لها, يقف والدها منها موقفاً مريبا, لا يهمه سوى أمر عذريتها, وما سيقوله الناس عن ابنته التي تعرض لها ذلك الشاب, ولا يختلف موقف والدتها عن ذلك, وهذا ما نقله حوار الزوج مع زوجته الذي جاء على النحو الآتي:
"- اصمتي يا امرأة ولا تجعلينا متناولاً لألسنة الناس!
جمَّد نظراته النارية في عينيها وقذف بالسؤال الذي ينهش ويعذب تفكيره:
هل ما زالت عذراء.... ؟ !!
صرخت صراخاً مدوياً، فهي حتى لا تعرف، الأم تضرب نفسها وتردد بحسرة وخزي:
يا ويلي ...
خرج من الغرفة مدركاً تماماً أنها فقدت كل شيء تمنى لو أنها ماتت، لماذا ظلت حية؟ خرجت الأم وهي ما بين التصديق والتكذيب:
- الفتاة مازالت عذراء!!
فتح الأب فاه مرتديا ملامح الرهبة:
- أمتأكدة أنتِ مما تقولين؟
أغمضت الأم عينيها براحة تامة:
- نعم .. كل التأكد."
هذا الموقف السلبي للأب والأم تجاه ابنتهم الضحية يكشف عن ثقافة مجتمعية متحيزة وقاصرة, فبدلاً عن وقوفهما إلى جوار ابتهما ومساندتها في محنتها نجدهما يتجهان بفكرهما إلى تلك الزاوية الضيقة.
ولا تتوقف القصة عند قضايا المرأة فقد سعت للكشف عن سر ذلك الشاب, حيث تضعنا أحداث القصة أمام الواقع وتكشف لنا عن سر القاتل الغامض, الذي استطاع مجموعة من الشباب الإيقاع به أن ينتزعوه منه, وهو سر قديم متجدد طالما اشتكى منه الجميع, حتى تمنى البعض منهم أن يكون ذلك السر رجلاً ليقتله ويخلص الناس من شروره, إنه الفقر ولا شيء سواه, وهذا ما نجده على لسان القاتل بعد وقوعه في مصيدة الشباب حيث بدأ يهذي ويشرح لهم حياته:
" - الفقر والحاجة تذل أعتى الرجال." 

 

ثم يقوم بسرد قصة وقوعه بعد موت والده في يد امرأة غنية مصابة بالإيدز بعد أن احتالت عليه لإيقاعه في شرك الخطيئة دون إرادته مما اضطره لقتلها قتلة شنيعة.
وقد ترتب على ذلك أنه أصبح ينظر إلى كل النساء بأنهن نسخة منها بعد اكتشافه أن صديقة أخته تحمل المرض ذاته مما دفعه لقتلها والهرب من وجه العدالة التي أخذت تطارده بينما استمر في انتقاماته حتي أصبح القتل جزءا من حياته:
" الناس... لا أعرف كيف لكن القتل أصبح جزءا من حياتي ، فكما تدمرت حياتي وفقدت كل شيء كان لابد أن أنتقم لكل ما حدث .
أخذ يصرخ عالياً :
-يجب أن تموت كل النساء، النساء هن الدمار ...هن الكارثة....."
وتأتي النهاية المفتوحة للقصة لتمنحها أفقاً واسعاً, وتترك الباب مشرعاً أمام الخيال والمزيد من التأويلات: 
"وما إن دخلوا حتى ثبتت نظراتهم على مكان خالي يستعرض زهوه في كل الزوايا....!"
وفي الأخير يمكننا القول أن القصة تتمتع بلغة سليمة تتكئ على الشعرية وأسلوب التشويق, وتتمتع بنفس سردي يؤهلها لأن تصبح رواية, ويبشر بروائية قادمة تتمتع بخيال واسع وأفق غير محدود.
ولا تبتعد قصة "غــربة بلا رجـوع" لندى أحمد الأشول, حيث تنطلق القصة من منطلق المرأة ومعاناتها وخيبة أملها وخاصة بعد موت زوجها الذي خلفت منه ثلاثة أطفال, واضطرارها للزواج من أخيه الذي أرادت أن يكون سندا لها فكان بعكس ما توقعته, وتدور أحداث القصة حول الولد الأكبر الذي أخذ يسترجع شريط حياة أسرته المؤلم, ومعاناة والدته:
"شعر بالحزن يعصره وهو يتذكر عمه الذي حل محل أبيه, امه تزوجته مرغمة ( كان لابد أن افعل ذلك .. أن اتزوج به كي يحميكم ويرعاكم ليس لنا من سند الا هو الان) كلمات أمه التي همست بها في أذنيه وهي تحتضنه باكية, جعلت دموعه تغرق لحيته القصيرة وهو يتذكر ضعفها وانكسارها, ذلك السند تحول الى جلاد لا يعرف الرحمة, ذلك اليوم لم يحتمل سياطه التي اعتادت أن تمزق جسده, فر هارباً مخلفاً خلفه أمه – حسين – محسن أخته فاطمة التي أنجبتها أمه مؤخراً .. منزله المعمور من اللبن .. مدرسته التي أحبها .. قريته الصغيرة .. سنوات عمره الاثنى عشر, ... , وصل الى صنعاء حيث المكان غير المكان والناس غير الناس .. هام في شوارعها الفسيحة والمزدحمة .. أقدام هنا وهناك أصوات متعددة .. نظر الى حذائه المهترئ وثيابه الممزقة .. البالية, تختلف عما يرتديه الأخرون هنا, الجوع يمزق أحشائه والبرد ينخر عظامه, لا يدري أين وجهته ولا ماذا سيفعل .. شعر بالخوف .. تمنى أن يعود الى داره الى أحضان امه الضعيفة .."

 

هذه الخلفية القاتمة التي قدمتها القاصة في نصها كانت بمثابة المدخل أو بالأحرى المبرر الذي يمهد للأحداث وللنهاية المؤلمة للقصة التي تتمحور حول قضية من يقدمون على تفجير أنفسهم وغيرهم بالأحزمة الناسفة, والقاصة بهذا التمهيد المطول للحدث أرادت أن تنقل لنا صورة واضحة عن البيئة التي يتربى في ظلها أولئك المغرر بهم ودوافع إقبالهم على ذلك, حيث تضعنا أمام مشهد مليء بالعواطف.
"بكى من يومه القاس ومن غده المجهول .. حملته قدماه نحو ذلك الجامع .. تكوم على نفسه في أحدى زواياه ونام ليلته هناك .. ها هي عشرة اعواماً مضت أيقظتها ذاكرته, وأيقظت معها نذوب لم تندمل, اعاده ذلك الصوت الهامس في أذنه الى واقعه ( الان .. انه الوقت المناسب .. هيا ..) مسح دموعه من عينيه تذكر الجنة الموعودة, صرخ مكبراً .. هرول باتجاه من كان يرمقهم بنظراته الحائرة .. ضغط بيديه المرتجفتين على حزامه الذي يطوق خاصرته .. ليتحول هو وهم بعد ذلك الانفجار المدوي الى اشلاء متناثرة .. ممزقة تنتظر الجنة الموعودة."

 

وتأتي قصة "أحلام مقيـدة" لمنى البدري, لتعالج قضية مجتمعية شائكة, وهي قضية المعاقين في المجتمع ونظرة المجتمع إليهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم, فما بالك إن كان المعاق امرأة فالمسألة أشد وأنكى, وهذا ما كانت تعانيه شخصية القصة الرئيسة حيث كانت تعاني من الإعاقة التي جعلتها حبيسة ذاتها, وكان الرسم هو منقذها من هذه العزلة وملجأها الدائم:
"أخر الأسبوع تخرج مع عائلتها, ليقضوا ساعات قليلة في احضان البحر, أمَّا هي ظلت تسبح مع صمتها, تغرق بألوانها ما تحس به, ترسم على الرمال زنزانة مظلمة معلقة بسلاسل حادة".
وقد نقلت القصة صورتين للمرأة المعاقة فبطلة القصة أو شخصيتها الرئيسة موهوبة رغم أنها معاقة, إلا أن هذه الموهبة لم تجد من يهتم بها ويرعاها ويحقق لها شيئاً من أحلامها.
بينما نجد المعاقة الأخرى التي كانت بمثابة بصيص الأمل الذي حاول منح المعاقة الأولى شيئاً من القوة والثقة في النفس, في ظل ما تتمتع به من ذكاء وموهبة.

 

فحين تلتقي الفتاتان وتعجب الثانية بإبداعات الأولى تنصحها بالدخول في معهد للفنون, إلا أنها تكتشف إنها لم تستطع دخول المدرسة قط, نظرا لإعاقتها:
"- إن ظروفي حرمتني من أبسط الحقوق هو التعليم, وذلك لأني .. أشارت إلى قدميها, وخيم صوت كئيب بداخلها .. الدموع تذرف من دون أن تشعر .. ترسل أناملها لتجفف الدموع المفترشة على خديها الناعمتين, غمرتها بنظرات حنونة وقالت:
- لأنك مشلولة .. وإن يكن .. فهذا ليس آخر المشوار لتستسلمي لإعاقتكِ .. انظري إليَّ .. إن وجود والدي بقربي منحني الثقة في نفسي.. تعلمت وتجاوزت محنتي .. وأثبت وجودي في مجتمع كان من قبل غير متقبل, غرس في تفكيرهم أن المعاقين ليس لهم هدف في الحياة, وأن ليس لهم مكان في المجتمع, أعطي لنفسك فرصة, وادخلي في أقرب مدرسة لمحو الأمية .. أغرسي اليأس لتنبت لكِ أمل للغد."

 

بهذا الكلام انعشت المعاقة الثانية أحلام المعاقة الأولى, مما جعلها تعيش أملا جميلاً فقد: "عادت الى البيت والأمل يفترش طريقها .. أغمضت عينيها لتجد أبواب الخيال فردت أجنحتها, لتحلق في السماء .. شعرت بريح بارد يجتاح سمائها .. ونشيد الأمل يغرد ليحيي سباتها .. الذي انقضى خمسة عشر عاماً .. تحرك ذلك الإحساس بالعجز الذي دفنه الزمن .. تقف في وجه من اعتبروها جثة بلا روح .. لتثبت لهم أنها في الحقيقة عكس ذلك, تغرق كل ما مضى وترسى في شاطئ الأمل .. تحلم بأن تكون مثلها في إرادتها .. إصرارها .. شجاعتها, أرتسم وجهها بخيوط من الأمل .. مزيج من لهيب الانتظار لذلك اليوم الذي تحلم بأن تجد نفسها فيه, واقفة في منصة التكريم لنجاحها, رسمت على وجهها ابتسامة عريضة تخالطها دموع تُغسل الضباب الذي كتم وحجب عنها الرؤية سنين طويلة.
 

إلا أن الواقع المجتمعي المحيط ببطلة القصة وقف حائلاً بينها وبين أحلامها وأسهم في إجهاض تلك الأحلام؛ وما لجوء الشخصية إلى الأحلام إلا نوعاً من التعويض عن ذلك الكبت, ومحاولة للهروب من الواقع البائس, وهذا ما نلمسه في المقطع السردي الآتي: 
"أجراس التفاؤل رنت في وجدانها .. فجأة هزة صوتية دوت أرجاء المنزل, اوقفت شريط الآمال والأحلام الذي نسجته منذ مدة .. فزعت ..انصدمت بردة فعل والدها .. فقد كبلها بسلاسل ساخنة .. حينها أدركت أن أحلامها مقيدة لتسقط في مستنقع الخيبة."
وتأتي قصة "نظرات تائهة" لإيمان أحمد المزيجي, لتطرق موضوعاً آخر من المواضيع الاجتماعية المتعلقة بالمرأة وهو موضوع الاختلاس أو السرقة, حيث تلتقي ساردة القصة بامرأة اربعينية حائرة على قارعة الطريق, وتساعدها في اجتياز الطريق لتكتشف أنها قد اختلست محفظتها وما بها من نقود كانت عبارة عن راتبها الذي استلمته من البنك المقابل قبل قليل:

 

"على قارعة الطريق -أمام البنك الذي استلمت منه راتبي- كانت تجلس تلك المرأة .. منطوية على ذاتها, يبدو عليها الشقاء, وكأن رياح البؤس اقتادتها إلى هذا المكان .. تتثاقل خطواتي وأنا أتأمل نظراتها الحائرة للمارة, وتلفتها يمنة ويسرة .. أتساءل: ما هي اللعبة التي استخدمتها الحياة مع هذه المرأة لتخرجها بهزيمة ظاهرة على تقاطيع وجهها اليائس؟! أي قصة تقطن في صفحات أيامها السابقة؟! اقتربت منها, فزاد شعوري بأنها لوحة قد وضع القدر عليها لمساته الأخيرة .. رمت بنظرها إليَّ؛ فهربتُ بناظري كي لا ترى الشفقة القاطنة في أعماقي نحوها."
"في منتصف الطريق تفقدت حقيبتي فلم أجد المحفظة.. انتابني الغضب أمام ذكاء الخطة ومن شدة غضبي قبضت على يدي بقوة؛ فشعرت بها.. إنها النقود التي رفضت تلك المرأة أخذها.. نظرت إلى صاحب الباص المنهمك في سواقته وأعدت النظر إلى تلك النقود في يدي فراودني قولها: "ربما تحتاجينها أكثر مني".. رسمت حينها ابتسامة ممزوجة بالقهر وأنا أحدق في تلك النقود وأهمْهِم: حقاً "مازالت الدنيا بخير".

 

ومما لا شك فيه أن ما دفع تلك المرأة الأربعينية للسرقة هو ذات الدافع الذي دفع سابقيها لارتكاب ما ارتكبوه في حقوق أنفسهم وحقوق الآخرين.
وفي الأخير يمكن القول أن هناك تشابها بين رؤى الكاتبات اختلاف بسيط في زاوية النظر من قاصة لأخرى للتعبير عن حدة الرفض أو القبول بما يدور في المجتمع, ومع ذلك فإن الصور التي نقلتها متقاربة إلى حد بعيد نظرا لواحدية الهم وتمحوره حول قضايا المرأة ومعاناتها في سبيل تحقيق أحلامها.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً