الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الإرياني والآنسي في أغانيهما الخالدة - زياد القحم
الساعة 13:46 (الرأي برس - أدب وثقافة)



كتب مطهر الإرياني الأغنية بطريقة ماهرة جمعت بين الثقافة التي تتجلى في أساليب الصياغة وعمق الأفكار وإحكام العبارات، وبين الجماهيرية المميزة التي تظهر في انطلاق الأغنية من هموم الناس، ومن تعابيرهم وحكمهم، والأحداث المرتبطة جداً بثقافة البسطاء، ولغتهم التي يتداولونها.
وكان علي الآنسي نقطة تحول في مسيرة الأغنية اليمنية ابتداءً من أداء القديم من الألحان التي أداها غيره، ومروراً بما أخرجه هو من الشفاهية إلى التوثيق، فوثق للكثير من أنواع الأداء الصنعاني، وكان متميزا فيما غناه من الحان غيره ، وفيما لحنه هو.

 

 

سأحاول أن أسلط شيئا من الضوء على ثلاث تجارب مميزة جمعت بين هذين النجمين ( الإرياني والآنسي) هي أغاني: وقف وودع - خطر غصن القنا - الحب والبن ،كإشارة متواضعة لنتاجهما المميز الذي لم يتكرر إلى الآن ، لأن أحدا من المنشغلين لم يعمل على ذلك ، ولو وجد من يعمل ووجدت لديه الإرادة ، فلا مستحيل .
^^^

 

في الرائعة الخالدة (وقف وودع) همٌ عام ، وعزفٌ بديع على وتر الفراق ، فهي أغنية وداعية عالية المستوى ، فإضافة إلى قوة كلماتها ، كان صوت الآنسي فيها هو مادة الإذابة لصخور الاحتمال ، فلا يمتلك المودع وهو يستحضرها بشجنها الرفيع إلا أن يترك لقلبه المجروح فرصة الرفرفة ، كطيرٍ ذُبِحَ مرتين ، مرة بشجنه الخاص، ومرة بصوت الآنسي، الذي يحدث عند هذا المقطع ألما لذيذا ، لا ينجو المستمع من تناول حظه منه كاملا ، حين تدور به الأرض من هول النوى:
 

 

ودعتك الله يـــا فتان الأوصـــافِ
..... يا جنة الروح يا نبع الهوى الصـــافي
يا راحتي والمنى يا ظلي الضافي
..... يا شمس بعد المطر يفرح بها
الأكوان
...........

 

 

أما الأغنية العاطفية الأكثر شعبية (خطر غصن القنا) فيجدر الإشارة عندها إلى أنها كتبت أصلا لمعالجة موضوع غاية في الإنسانية، سمعتُ قصته من الأستاذ مطهر الإرياني في إحدى حلقات البرنامج التلفزيوني : ( تلك الأيام ) الذي كان يبث على قناة اليمن الفضائية ويقدمه الإعلامي المعروف إسكندر الأصبحي، ومختصرها أن لحن أغنية خطر غصن القنا ، في الأصل ، كان متداولا لأغنية قديمة مستوحاة من قصة الدودحية (وهي فتاة وقعت في الخطيئة وعوقبت، ولكن قصتها تحولت إلى أغنية بل إلى أغاني كثيرة، وفي ذلك إساءة لأسرتها وهي أسرة فاضلة ، وهو تشهير سيئ يتضرر منه أبرياء) وكادت الأغنية أن تخلد التشهير لأسرة الدودحي؛ لأن اللحن كان محببا ويروق للكثير من الناس، فقرر الإرياني، وبدافع إنساني جميل، أن يكتب أغنية على هذا اللحن المحبب لينصرف الناس عن الأغنية السابقة، وكلماتها التي لا تليق، وبالفعل كانت هذه الكلمات الراقية والأداء الرائع بصوت الفنان الكبير علي بن علي الآنسي - رحمه الله- وتعلق الناس بالأغنية الجديدة ، وذاعت واشتهرت كما لم يحصل مع أي أغنية أخرى:
 

 

أخذ قلبي وراح
وشق صــــــــدري
بالاعيان الصحاح
يا طول همي
ويا طول النواح
من حب من حل هجري واستباح
قتلي وظلمي
أنا يا بوي أنا
-----

 

 

أما المغناة عالية المستوى ـ رغم بساطتها (الحب والبن) فقد تناسب اللحن والأداء مع الكلمات بشكل أشعر السامعين بأنها قادمة من قلوبهم، وليس من حنجرة الآنسي.
 

تداخلت مع غنائيات المزارعين في العبارات والإشارات، وجاء الأداء من نفس مادة أغانيهم ، فأحسوا بأنها تعبر عنهم، وتنطق بألسنتهم ، فكانت خالدة في وجدانهم، وكان خلودها ومكانتها يأتيان بسلاسة ، وبعد عن التكلف.
 

ولعل من أهم ملامح الذكاء في هذه الأغنية : توظيف المواقيت الزراعية كمواعيد للحب ، تستفيد هذه المغناة المتفردة من رواج الأغاني العاطفية، لتكون عاطفية ولكن بطريقتها الخاصة التي لم تتكرر إلى الآن:
 

 

وأنا المعنى بحب أهيف بديع الجمالِ
عذب اللما ساحر العينين فتان حالي
طلبت أنا القرب منه قالوا القرب غالي
قلت اعملوا لي اجل مضروب لا خير ثاني
قالوا قران القمر
على الثريا سحر
في يوم خامس عشر
من شهر تشرين ثاني!

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً