الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
اليمنية "انتصار السري" ومجموعتها القصصية الجديدة - منير عتيبة
الساعة 13:56 (الرأي برس - أدب وثقافة)


أول مرة أسمع اسم انتصار السرى كان من صديقى المبدع اليمنى محمد الغربى عمران سندباد وسفير الأدب اليمنى فى العالم العربى كما أطلق عليه.

فى البداية ظننته يقول جملة بليغة عن حصول ما هو سرى على الانتصار فى النهاية، لكننى علمت أنه يذكر اسم كاتبة يمنية يراها جيدة، لذلك لم أتردد عندما رأيت كتابا عليه اسمها فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فاشتريته، مجموعة قصصية بعنوان (لحرب واحدة) هى المجموعة الثالثة لها بعد مجموعة (الرقص على سيمفونية الألم) ومجموعة (المحرقة) الفائزة بجائزة عبد العزيز المقالح سنة 2013، إضافة إلى مشاركتها فى عدد من الكتب التى تجمع أعمال مجموعة من المبدعين.

وقد دشن الكاتب اليمنى الكبير د.عبد العزيز المقالح للمجموعة بقوله على غلافها الخلفى: "الإبداع الأدبى الحقيقى لا زمن له. وواهمون هم أولئك الذين يتحدثون عن زمن خاص بالشعر وآخر بالرواية أو القصة القصيرة. 

وسبق لهذه الأنواع الأدبية أن تعايشت وأفاد بعضها من بعض، وصار الشعر فى الآونة الأخيرة قاسما مشتركا بين الرواية والقصة القصيرة، وهذا ما تؤكده الأعمال الإبداعية الجديدة وفن القصة خاصة، وهو ما تثبته كذلك المجموعات الثلاث الصادرة للمبدعة انتصار السرى التى تسعى منذ بداية تجربتها فى إطار هذا العالم الأدبى أن يكون ما تكتبه مدهشا ومختلفا وقريبا من قلب القارئ ووجدانه".

تفتتح الكاتبة مجموعتها القصصية بمقولتين لكاتبين كبيرين أحدهما إنجليزى والآخر روسى، ونجد أثر الاقتناع الكامل بهاتين المقولتين فى قصص المجموعة بشكل أو بآخر، حيث يقول لورانس داريل فى (جوستين) احد أجزاء رباعية الإسكندرية: "كن مجنونا.. ثم اكتب". ويقول تولستوى: "على المرء أن يكتب فقط حينما يترك قطعة من لحمه فى كل مرة يغطس قلمه فيها".

تقدم انتصار السرى فى مجموعتها خمس عشرة قصة تنتابها هموم الذات الأنثوية والإنسانية المثقلة بعلاقات اجتماعية مهترئة، وعلاقات سياسية ضاغطة، والمحملة بقليل من الحكمة فى مقابل الكثير جدا من الغباء الذى يرزح العالم تحت ثقله.

لا تجد فى القصص خطابا نسويا، وإن تجد نساء تحت التهديد المستمر، ففى قصة (اختراق) وقصة (قهوة مرة) نجد محاولات للسيطرة على المرأة وتملكها وإلا تم استغلال السلطة ضدها واتهامها بالإرهاب.

وفى قصتى (الموكب) و(قفص) نجد امرأة تنتظر الحبيب الذى على الجبهة، أو السجين السياسى، انتظار بلا أمل فى القصة الثانية حيث يأكل الزمن عمر البطلة، وبضوء أمل شحيح فى القصة الأولى يتمثل فى براءة وطفولة ابنة البطلة، ولا تبتعد عنهما كثيرا قصة (الحقيبة) التى تشرح من خلال ذاكرة البطلة أهوال الحرب التى دمرت أسرتها.
وتهتم الكاتبة بفكرة التناقض بين المظهر والجوهر، أو الداخل والخارج، فتتناولها فى قصتى (دخلة) و(سنارة).. حيث يكتشف العروس فى ليلة الدخلة أن عروسه الجميلة ليست سوى مكياج صارخ وأعضاء من الكاوتش والبلاستيك، وبالمثل يكتشف الصياد أن السمكة الكبيرة اللامعة التى كان يراها فى البحر هزيلة جدا وهى معلقة فى سن السنارة، وتقترب منهما قصة (صورة) التى تتناول عدم قدرة الإنسان على رؤية ما بين يديه وهو تائه يبحث عنه بعيدا.

أما قصتا (قطط متشردة) و(لعبة) فهما قصتان تقليديتان لم ينقذهما سوى النهاية الدائرية فى القصة الأولى، والمفاجأة فى القصة الثانية، حيث تتناول الأولى قصة لقيط يتم العثور عليه فى كوم زبالة، وتتناول الثانية فتى فقيرا يحب ابنة الأغنياء ويتجرأ ليدخل قصرها ويهديها لعبة، وعندما يكبر ويكون أحد أعضاء لجنة مصادرة القصر يكتشف أنها تحتفظ بلعبته فى دولابها.

أبرز القصص فى المجموعة هى التى تلعب فيها الكاتبة بالتقنية فتؤنسن الأشياء كما فى قصة (حياة) حيث تقدم شكوى موجهة إلى زجاجة الدواء أو قرص دواء، وفى قصة (وليمة) حيث يتناول العاشقان دجاجة فتتركهما القصة وتركز على مشاعر الدجاجة نفسها، ومشاعر القمر الذى يرسل نوره إليهما، ومشاعر خشب المقاعد وجدران المطعم، وفى قصة (الضريح) تقوم الكاتبة بعملية تبادل أدوار، فالراوية فى رحلة إلى ضريح، تحكى مشاهد الموتى، ترى الدود يأكل صبية تشبهها، وهى فى الحقيقة تتحدث عن نفسها بعد الموت. وفى قصة (عابرون) تلعب الكاتبة على فكرة التلصص، فالمرأة الشبقية تحكى لزوجها المقعد عن مغامراتها مع الرجال العابرين، والرواى المتلصص عليهما يفكر أن يكون أحد العابرين بعد موت الزوج.

والقصة الأخيرة فى المجموعة يمكن أن تصنف تحت ما يسمى بالميتا سرد، فبطلتها كاتبة تجلس على مقهى تشاهد الناس بحثا عن فكرة تكتبها، ثم تتخيل من تقرأ لها فنجان قهوتها، وهى قصة تعطى لبناء المجموعة شكل الدائرة المفتوحة، فكأن كل القصص كتبت هنا، وكأن هناك قصصا أخرى ستكتب هنا أيضا.

تمتلك الكاتبة لغة قصصية رشيقة محملة بالمعانى، وهما إنسانيا جديرا بالتعبير عنه، لكن بعض القصص برغم صغر حجمها كانت تحتاج إلى تكثيف أكثر فجزء كبير من قصة (الضريح) لم يكن له داع وكان الأولى التركيز على مشهد الصبية التى يأكلها الدود، وبعض تفاصيل من قصة (عابرون) كان يمكن الاستغناء عنها لصالح القصة، وبعض القصص مقرؤة من قبل بشكل أو بآخر مثل قصة (قطط مشردة)، وأحيانا تكون أسماء الإشارة التى تكثر الكاتبة من استخدامها عبئا على القصة، إضافة إلى أن المجموعة لا تشير إلى خصوصية البيئة التى تكتب فيها الكاتبة قصصها، فالأحداث يمكن أن تكون فى أى بلد عربى، وأحيانا غير عربى، وليس اليمن بالذات (ذكرت اليمن كاسم علم مرة واحدة ص67) وهذه الملاحظة ليست ميزة أو عيبا ولكنها ملاحظة لابد من إيرادها على كل حال، برغم ما تمنحه المجموعة للقارئ من متعة فنية وفكرية تجعله ينتهى منها بجلسة قراءة واحدة.

 

منقولة من بوابة الأهرام ...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً