- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- اعتبروه أحد أفضل الأطباء.. يمنيون يشيدون بالدكتور المصري هشام إبراهيم (تفاصيل)
- عقوبات أمريكية على شركة سورية تموّل الحوثيين من إيرادات بيع النفط الإيراني
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
عند أطلال قريتنا التي دمرها زلزال 1982وقفت بهيئة عجوز قد انقضى نصف عمره أو يكاد ، وقد غزا رأسه بياض الشيب ، أنبش في ذاكرة الحجر والشجر والطين ،وأمام هيبة الزمن تلبثت مطرقا ، أجادل بعض ذاتي ، أفتح على نفسي نار الحنين ، والذكريات تنهمر علي كجلمود صخر حطه السيل من عل ، وقفت بحال أشبه بامرئ القيس الجاهلي المعتوه ، وهو يعبر عن قلقه الوجودي بقوله :
كأني غداة البين يوم تحملوا
لدى سمرات الحي ناقف حنظل
أجدني في مقامه الذي أشجاه ولوعه الذي أبكاه ، راثيا أطلالا قديمة ، وما التحق منها بركب الفناء ، شكيل هذا الوجد هأنذا أعتصر ألما حينما أغوص في ذاكرة المكان ، وقد أفضى إلى الخراب ، واندثرت حميمية الأرواح التي كانت تقطنه ، انسحبت بذاكرة معاقه ، جاهدا أحاول أن التقط بعض الاشارات القديمة ، وأنى لي أن استرجع مشاهدا كنت فيها طفلا حدثا ما بين الثالثة أو الرابعة ، ضغطت على زر الذاكرة flash back لأستعيد نشوة الماضي وبراءة الطفولة ، تلك الأيام الخوالي لازال طيفها يتجلى هنا بين كومة من الأنقاض ، وصدى رحيل الأحبة يقرع أجراس الخيبة ، وفي لحظة انخطاف الزمن وكحالة صوفية أخذت الأرواح تتصل ببعضها خلال وقت مستقطع عن الواقع ، وعلى هامش الخيال يقفز صوت من غابر الزمن مرددا:
سلط الدهر والمنون عليهم
فلهم في صدى المقابر هام
بين جدران الخرائب ، عشت هنا يوما ما ، كما عاش أبي وأسلافي ، كانت صرختي الأولى تنبعث من هنا ، الجلبة التي أحدثتها حينما صافحت وجه الحياة ، بقايا الشجن والحنين ، طفولتي المفقودة ، وأشيائي الصغيرة التي غارت في لحظة الزلزال ، تأملت مليا ، توزعت بنات عقلي تبحث عن شيء ما هنا ، بقايا منزل وخرائب وأنقاض ، لم يتبق من زاوية أو محيط كي التقط فيها صورة فوتوغرافية لمعالم منزل ، سوى أضلاع من الحجارة هنا وأخرى مبعثرة في الوسط ، وأعجاز خشب مغروسة في قلب بعض الجدران المنهكة ...
فتحت عيني على هذا المشهد ، وهممت بضحكة ساخرة من الحياة وهي تتكشف عن قناع مزيف وتسحيل أكذوبة في نفسي ، دلفت من بوابة المنزل ، حيث كنا نلج دائما إلى داخل الدار ، لازالت مرادمه ، وعقوده تصارع جهل الطبيعة وعبث الإنسان ، ثمة حجرة صغيرة كانت تتصل بالباب ، وفي اليسار كانت السمسرة التي نجلب فيها الأعلاف وبجوارها حجرة صغيرة تربض فيها بقرتنا ثنية ، وعلى يمين المدخل درج متصل بالطابق الثاني وفي أسفله عند صالة المدخل براميل تحتضن في بطنها ما نخزنه من حبوب ، على جدران الدرج توجد خزانات داخلية تتراكم فيها أواني فخارية من قصوص ومقالي ومدر ، والدوح يتكي على نافذة صغييرة صوب الشارع تسمح بدخول الهواء كي يبقى الماء فيه باردا ...
الطابق العلوي يحوي ديوانا ومنظرة وديمة (مطبخ) وحمام ، المنظرة هي الركن الذي يسكنني ، أجد فيها عبقا أزليا وروحانية تخامر اللب ، شغف صوفي يتملكني كراهب اعتاد على بيت عبادته ، قسوت على مخيلتي وأنا أعيد صياغة كل شي ، وبألوان الزمن الجميل ، ألحفة من الزعل الأسود ومساند قديمة تتغطى بقماش أخضر ، معشرة نحاسية دائرية الشكل ، وموقد من النحاس يحتضن جمرات من اللهب الهادئ ، وفوقه جمنة تغلي على حياء وفي بطنها قهوة معتقة تفوح رائحتها في كل الأرجاء ، المداعة معلقة كعادتها وقصبتها الملفوفة بالقماش الوردي المشبك ، بندقية قديمة تتدلى ، صندوق خشبي يحوي بداخله كل ما كنا نعتقد أنه ثمين من أوراق وبصائر ونقود وزينة من الفضة البيضاء ، وكعد السمن تتزاحم بداخله ، سرير منهك مغطى بكومة من البطانيات ...
انقطعت تلك الصور فجأة لأجدني محاصرا بين الركام ، فضولي كان يدفعني أن أفتش عن أشياء قديمة ، نبشت بعض الأحجار وأزحت عنها التراب ، بقايا أوان فخارية محطمة ، وزجاج مهشم وقماش مهترئ وممزق، معلبات قديمة وبقايا صحون ران عليها الصدأ ، رفعت بصري نحو جدران الديوان العارية ، بقايا طين ممزوج بالنورة ، أخذت حفنة من التراب وشرعت أشتم عبقها ، كنت أرحل في جراح الزمن ، أطلقت العنان لمخيلتي ، اختفت ألوان ذلك العهد ببياضه وسواده دونما منتجة أو فيتشوب يكبح من جماح ذلك الخيال... أطلقت وابلا من الحنين ، وزفرات تتوالى من جوف أوجاعي تهدهد هذا الصمت ، تلك الصور قذفت بي نحو ثقب الزمن لأعود إلى طفولتي أتصفح وجوه الأحبة الذين سكنوا هنا ، أطلقت الحنين من عقاله فتدحرجت دمعتان سميكتان وأنا أستعيد صورة جدتي رحمها الله ، حبها الخالد في قرارة نفسي يمنع الزمن أن يطمر هذه الذكريات ، كانت هي الدار والسكن ، والحنان والحب ، والطيبة والنقاء بهيئتها القروية تتجلى من عمق الماضي كائنا من العطر ببياض بشرتها وابتسامتها الدافئة وصوتها الذي يهطل بالشجون...
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر