الخميس 28 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
هذيان - عبدالمجيد التركي
الساعة 13:19 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

حين عجزوا عن تفتيت ذلك النيزك الذي تساقطت أحجاره بأحجام كبيرة على حيٍّ شعبي.. كنا نختبئ - أنا وهي - في أحد الحوانيت الصغيرة.. ومن سماء ذلك الحانوت كانت تتساقط العُلبُ المعدنية بعد أن شرب الهَلَع كلَّ محتوياتها..
كان الأمر شبيهاً بمزحة.. فقد كانت الأحجار الضخمة تسقطُ على البيوت ولا تهدمها.. وكان بعضُ المارَّة لا يهربون وكأنهم يتركون مسألة النجاة للمصادفة.
انتهى مطر الحجارة، وحملتُ مئذنةً لأعود بها إلى البيت كذكرى لهذا الدمار الذي لم يعد الحانوت الصغير يتَّسع له.

 

مررنا من جانب المدرسة القريبة من ذلك الحيِّ الشعبي.. كان الحارس يضع رجلاً على رجل وهو ينفخ زجاج نظارته ويمسحه بطرف قميصه لإزالة ذلك التراب الطارئ..
في الجانب المقابل يجلس عقيد متقاعد على رصيف بيته كلَّ يوم ليتفقَّد شاربه الطويل ويدخِّن سيجارة رديئة، كأنه يستفزُّ ذلك الطير الذي أدمن رائحة السجائر، فنام على كتفه محروساً بنجمتين دائختين..
هذا العقيد كان يقاوم الأحجار المتساقطة بالدبابات التي تعطَّلت في ذهنه منذ زمن بعيد يكفي ليتدلَّى شاربه من برواز الصورة التي التُقطت له في اليوم الأول من ارتدائه البدلة العسكرية.
صديقي التشكيلي كان يحاول رسم تلك الأحجار الضخمة قبل أن تسقط على مسجد صغير.. كان مبتهجاً لأن اللوحة ستكتمل وهو يتأمل ملامح المسجد التي تتغيَّر كلما اقتربت الصخور في سقوطها الشاهق..
أحدهم قال له إن المسجد محميٌّ بالصلوات ولن تؤثر فيه الصخور التي تريد أن تقول شيئاً مختلفاً عبر مايكروفون المسجد..

 

فطوى لوحته وذهب للاستعانة بالفوتشوب الذي لم تخطر على باله هذه المشاهد..
أنا بحاجة إلى اختراع مشهد لإنهاء هذا الهذيان الذي يسيطر رغم اعتقاده أنه تحت السيطرة..
لن أمرَّ من أمام الجزار الذي يذبح الخروف وهو ينظر في عينيه كأنه يتشفَّى به كأيِّ قاتلٍ تسلسلي ويريد أن يرى التوسُّل ليعالج عُقدَ نقصه..
عرضت ُعليه شراء خروفين صغيرين لأعتق رقبتيهما من حقد هذا الجزار، وأكفلهما كيتيمين في أفلام الكارتون..
الكيبورد الذي أكتب به الآن ليس مجدياً كالقلم الذي أعضُّه كلما طرأت فكرة جديدة وأريد أن أرتِّبها جيداً..
سأجرب أن أعضَّ أصبعي دون أن أُقلقَ سكينةَ الندم .. وسأقوم بنسخ مشاهد الصخور المتساقطة ولحية الجزار المتطرِّف ولوحة صديقي التشكيلي، ودموع "سالي" التي ملأت ردهات المدرسة..
سأقوم بنسخ السمكة التي اشتريناها اليوم يا حبيبتي.. ربما تغسلينها فتعود إليها الروح ثم تطلقينها لتسبح في حوض مليء بالزيت.
سأقوم بقصِّ ذلك الشارب الهارب من إطار الصورة، كي لا يجد العقيد نفسه مضطراً لإيقاظ الطير النائم على كتفيه ليحدَّثه عن أمجاد شاربه الملوَّث بعودام السجائر الرخيصة.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص