الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الأدباء والجوائز (3 - 3) - منير عتيبة
الساعة 11:27 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

حصل أستاذي المبدع، والناقد الكبير، الأستاذ محمد جبريل على جوائز عديدة، كما شارك وترأس لجان تحكيم جوائز عديدة أيضا، وعندما تحدثت معه عن الموضوع الشائك للجوائز المصرية والعربية حدثني بصراحته وشفافيته المعهودة مع تلاميذه، فقال لي: "تجربتي في لجان الجوائز ليست مشجعة".

أذكر مساجلة بيني وبين زميل يكبرني سنًا ومكانة، بعد أن أعطيت الدرجة العليا لكاتب قصة شاب، أصر الزميل أن يحصل المتسابق على درجة الصفر. بسط القصة أمامي، وطالبني بأن أشير إلى البداية والوسط ولحظة التنوير، التسلسل الدرامي كما وضعه موباسان، أهمل كل ما أثمرته القصة القصيرة في عمرها الطويل، ولأنه -كما قلت- يكبرني مكانة وسنًا، فقد حصلت القصة على ما قدره لها.

أذكر كذلك قراءاتي المتكررة لأعمال متسابقة، قبل أن أضع لكل منها التقدير الذي أقتنع به، بعض الزملاء الذين شاركوني التحكيم، أشفقوا من حمل الأعمال المتسابقة، فأنهوا عملية التصحيح بالمراجعة السريعة، يا دوب سطر أو سطرين، ثم يكتب الدرجة. أنهى عملية التصحيح في وقت قياسي، وأخذ المكافأة، ومضى، ويا دار ما دخلك شر!

إذا ناقشنا جوائز الدولة في مصر، والجوائز الكبرى في الوطن العربي، فإن تعديل اللائحة في مصر بحيث تتخلى عن المحسوبية والشللية والتراتب في منح الجوائز، أمل نتمنى تحقيقه.

أما على المستوى العربي فثمة جوائز عربية لا يقتصر الفوز بها على البلد الذي تنتسب إليه، وإنما هي تأخذ صفة القومية، كما في الشارقة والشيخ زايد والعويس والبابطين وحسن فقي وغيرها، أو تأخذ صفة العالمية كما في الملك فيصل.

ولا شك في أن زيادة الجوائز، سواء من دول أو من أفراد، مسألة مطلوبة، باعتبار أن الجوائز تمثل حافزًا للمبدعين على المستويين الأدبي والمادي، وكما نعلم فإن هذه الجوائز ذات قيمة مادية مرتفعة بحيث تمثل انفراجة الباب للكاتب الذي أدركته حرفة الأدب، لكن العيب الأساس في تلك الجوائز أن الأسماء التي تعهد إليها بتحكيم النصوص المتسابقة متكررة بصورة لافتة. 

ثمة اسمان أو ثلاثة يتولون التحكيم في غالبية الجوائز، بحيث يسهل التربيط وفرض المجاملات والخواطر وتوطن مرض الشللية اللعين.

ويتكرر فوز أسماء لأن أصحابها أجادوا الإفادة من ذاك كله، أما من اكتفوا بالعزلة والقراءة والتأمل والإبداع، فليرحمهم الله! بل إن بعض الذين يتولون تلك المسابقات تحرضهم ضمائرهم على اختيار من قنعوا بالإبداع بعيدًا عن دوائر التربيطات، وإن جاء هذا بالمصادفة، وبوسائل أشبه بالزكاة أو الصدقة الجارية.

محكمان التقيا ترانزيت في أحد المطارات تكلما في المشكلة، وعرض أحدهما أن يفوز بجائزة ذلك العام أديب قرأ له وإن لم يتعرف إليه شخصيًا، وتلقى أديبنا اتصالًا بأن يتقدم إلى المسابقة، وفاز بالجائزة فعلًا. 

وبالطبع فإن هذا القول لا ينسحب على كل الجوائز التي تصدر عن وزارات ومؤسسات وأفراد في أرجاء الوطن العربي، أظلم هنا مسابقات محترمة قدمت من لم يكونوا يتصورون الفوز -رغم تفوق إبداعاتهم- بجوائز من أي نوع. لكن المبدعين الحقيقيين والمفكرين الحقيقيين يمثلون جانبًا في المشكلة، فهم يرفضون تزكية أنفسهم، ولا ينضمون إلا إلى عضوية الإبداع الجميل والثقافة في إطلاقها.

هم لا يسعون إلا إلى التجويد والإضافة وإثراء الحياة الثقافية، ومن العيب أن يحجب عنهم تقدير الدولة لمجرد أنهم ليسوا أعضاء في إحدى الهيئات الثقافية، أو أنهم ليسوا في مواقع المسئولية التي تغري بالتملق.

أما الناقد الدكتور محمد عبد الحميد خليفة فيتحدث عن الجوائز ذات العلاقة بالنقد قائلًا: إن المطروح من جوائز النقد العربية الآن قليل جدًا، إذا قيس بالمطروح من جوائز الإبداع الأدبي، التي هي بالأساس جوائز قليلة إذا قيست هي الأخرى بمثيلاتها الفنية، ولولا أن هناك مؤسسات مدنية بدأت في الآونة الأخيرة مساندة المؤسسات الحكومية في طرح عدد من الجوائز الأدبية والنقدية لكانت الصورة أكثر قتامة وأدعى إلى يأس النقاد، فضلًا عن المبدعين من الشعراء وكُتاب القصة، وللأسف فأنا أعلم عن عدد الجوائز النقدية المصرية والعربية معًا، أن عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.

تتعدد الآراء في هذا الموضوع المفتوح، الذي لن يغلق أبدًا؛ فالجوائز مهمة جدًا، والجوائز عديمة الأهمية، والجوائز تجري عليها صراعات لا تنتهي؛ لذلك فسيكون النقاش حولها غير منتهٍ أيضًا، لكني أرى أن المبدع قبل وبعد الجائزة هو ذاته، لكن الإنسان في المبدع قد لا يكون هو نفسه قبل وبعد الجائزة.

 

منقولة من بوابة الأهرام ...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً