الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الأدباء والجوائز- منير عتيبة
الساعة 12:24 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

لا أحد ينكر ما تحدثه الجوائز الأدبية من حراك في حياتنا الثقافية؛ فهي في حد ذاتها تثير نقاشات حول دورها وجدواها، نزاهتها وحيادها أو تحيزها، الإعلاء من شأن لجان التحكيم أو التشهير بها، استحقاق أو عدم استحقاق من يفوزون بها، وهي أيضا تدفع الأدباء لتنافس محمود في معظمه يصب في صالح الأدب ذاته عندما يلقي الضوء على أعمال ذات قيمة فتحظى بمقروئية عالية.

ولا أحد ينكر ما تحققه الجوائز للأديب من سعادة شخصية، سواء للقيمة المادية، خصوصا الجوائز ذات القيمة العالية، أو، وهو الأهم، للتقدير المعنوي الذي يحصل عليه الكاتب، والذي يحتاجه دائما.

وقد شغلني موضوع الجوائز الأدبية العربية، وناقشته مع عدد كبير من المبدعين الأصدقاء من دول عربية مختلفة، وقد كانت لهم آراء مختلفة حول الموضوع، لكن هناك شبه اتفاق على أن الجائزة حدث سعيد في حياة الكاتب، لكنها لا تغير شيئا في الكتابة نفسها.

فالكاتب الجزائري الكبير د.واسيني الأعرج الذي حصد الكثير من الجوائز العربية الكبرى المهمة أخبرني بأنه "عندما نكوّن لجنة تحكيم علينا احترامها، هذا هو أس قبولنا المشاركة في جائزة من الجوائز وإلا لا توجد قوة خارقة ترغمنا على فعل ذلك. هناك من يختار مسلك مناهضة الجوائز وعدم المشاركة فيها لأي سبب من الأسباب، وهو محترم على ذلك، لكن الازدواجية هي الكارثة. مشكلة الجوائز في الوطن العربي هي هنا، في هذه الازدواجية. فقد حملناها بعض أمراضنا. 

الجائزة هي لحظة تكريمية لا أكثر ولا أقل، ويجب أن لا تكون أكثر من ذلك. لا تعني أكثر من ذلك، فهي لا تحدد أبدا مسار الكتابة مطلقا عند الشخص، إذا جاءت مرحبا بها فهي اعتراف جميل بأن قارئا قاسمنا مشتركنا، وإذا لم تأت فالكاتب يستمر في مشروعه الكتابي. عدم الحصول عليها ليس قضية أبدا. الكاتب يواصل الحياة مؤمنا بأن الحسم في جائزة يعود إلى لجنة تحكيم لها حساسياتها القرائية كغيرها من القراء في الحياة العامة.

مشكلة المثقف الكبير عندنا، عندما يشترك في جائزة يفعل ذلك بيقين الفوز، وإلا تصبح الجائزة سيئة وصهيونية ومشكوك في أمرها؟ إذا لم يفز لها يشتمها ويقاطعها؟ حالة عبثية غريبة. بصراحة ينم هذا عن حالة تخلف لا تعرف مدلولات الجائزة. الجائزة أمام مشروع الكتابة لا تساوي الشيء الكثير. صحيح أني فزت بجوائز وتكريمات محلية وعربية وعالمية كثيرة، ولكنها ليست بالنسبة لي أكثر من حالة اهتمام مشجعة ومفيدة للكتاب في حركته القرائية، لكن أهم شيء هو صراعي مع مشروعي الكتابي الذي ينتظر مني الكثير وبعض العمر.

هذا هو رهاني الأول والأخير. أشكر طبعا كل من وضع فيَّ هذه الثقة العالية والكبيرة. الجائزة مهما يكون هي اعتراف بمجهود يبذل في الصمت والخفاء والعزلة. عالم الكتابة ظالم وصامت لا صوت له إلا النص الذي يخرج إلى الوجود بعد طول معاناة. 

طبعا كلما فزت بجائزة شعرت بسعادة كبيرة تغمرني، لأن الجائزة منحت لي بسبب كتاب وليس شيئا آخر، أي بسبب مجهود صامت أخذ مني العديد من السنوات. ولكن الأمر يجب أن يتحول إلى قوة دافعة أكثر للذهاب إلى الأمام والكتابة وتحسين الجهد الكتابي وتوسيع آفاقه الإنسانية بحيث يصبح معبرا، من منطلق الذات، عن أزمة العصر الكبرى ومآلاتها، هذه هي رهاناتنا الحقيقية ككتاب.

وأخبرني الأديب السوداني المصري النمساوي طارق الطيب، وهو في حالة ثورة، بأن في البلدان العربية يُحتفَى بالموتى أكثر من الأحياء. في الأوروبية يُحتفي بالأحياء أولا ويُقدَّر الموتى بذكراهم، والجوائز التشجيعية تبدأ من مرحلة الشباب فعلا. في البلدان العربية يطلقون كلمة أديب شباب على كاتب تعدى الأربعين، وقد يكرمونه بجائزة تشجيعية بعد أن يتعدى الخمسين.

وقال لي الأديب والمسرحي العراقي عبد الإله عبد القادر: تتفاوت مستويات الجوائز العربية بقيمها المادية والمعنوية وإستراتيجيتها، ولعلنا لا نستطيع اتهام أي مؤسسة ترعى هذه الجوائز بأنها مخيبة للإنسان، فهناك العديد منها جاد وفعال ومثمر، ولكل مؤسسة وسائل تفعيلها مجتمعيا، إن إجابة هذا السؤال تحتاج إلى مقال تحليلي خاص ومتخصص. 

ورغم تعدد الجوائز العربية، لابد من اتساعها أكثر، مع ضرورة وضع ضوابط فاعلة وإستراتيجيات جادة في الحفاظ على حيادية هذه الجوائز، وعدم إغراقها في الأبعاد الأيدلوجية المغلقة، لندع هذه الجوائز تكرم المبدع لإبداعه لا لانتمائه أو جنسه أو طائفته أو دينه أو عرقه، وأن تشمل كل فئات المبدعين عبر جوائز تشجيعية للشباب وتقديرية لأصحاب التجارب.

 

نقولة من بوابة الأهرام ...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً