الجمعة 27 سبتمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 26 سبتمبر 2024
خبر سار ـ نبيهة محضور
الساعة 13:49 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


هبات النسيم الباردة لطفت حرارة ذلك اليوم الصيفي من أيام أغسطس , حيث كانت الشمس ترسل سياطها على راسي ,  وأنا انتظر بفارغ الصبر وصول مركبتي كالمعتاد.

تلفت يميناً وشمالاً أبحث عن صديقتي التي تشاطرني هذا المكان كل يوم , لم أجدها !
تسألت بيني وبين نفسي لماذا تأخرت يا ترى ؟
هل تكون على علم بما حدث ؟
حقيبتي اليدوية تهتز  .. أوه .. انه الجوال لم أتمكن من سماع نغمته لقد كانت منخفضة .. التقطته بسرعة لأرد .

    •    الو . أين أنت يا صديقتي .. هل أنت في الموقف ؟
    •    نعم .. لماذا تأخرت  ؟
    •    إنني بالمكتبة المجاورة احصل على نسختي من الصحيفة اليومية , انتظريني أنا في الطريق إليك .
    •    أرجو أن لا تتأخري لقد اقترب موعد وصول الباص .

بعد دقيقة أقبلت بخطوات مسرعة و أنفاس متلاحقة ..
 هذا هو حالها كما عهدتها منذ عامين , حينما تعرفت عليها كموظفة جديدة في الدائرة الحكومية التي اعمل بها , شغوفة بقراءة الصحف والمجلات.. تصر على أن تحصل على نسختها اليومية قبل أن تذهب إلى العمل , وافتتاح يومها بالمطالعة قبل أداء أي عمل في الدائرة .
كنت مندهشة لذلك , فانا أيضا أحب القراءة ولكن ليس بهذا الإدمان , لم أحب أن اسألها عن شيء وقتها , فقد كنا حديثي العهد في علاقتنا  و أخشى أن يكون سؤالي لها تدخل في شؤونها الخاصة , اكتفيت في تلك الفترة بالنظر دون تعليق.. 

ولكني كنت اسأل نفسي دائما ماذا تقرا ؟
يبدو أنها شغوفة بمطالعة الجديد في عالم الجمال والموضة ولكن بساطة مظهرها لا يوحي بذلك .
لابد وأنها تهتم بقراءة صفحات عالم الطهي.. ولكن نحولها وشحوب وجهها لا ينم على أنها تهتم بأصناف الغداء , علاوة على ذلك رؤية الكثير من الصديقات لزوجها هاشم وهو يتردد على المطاعم الشعبية .
إذا لابد وأنها .. أو أنها ..

يوماً فيوم تعمقت صلتي بها أكثر فأكثر و أصبحنا نأنس لبعضنا البعض داخل ذلك المكتب , فهي تمتلك خفة روح تخفف عنا أعباء العمل , في ذلك اليوم كانت كعادتها تغوص في كومة من أوراق الصحف والمجلات التي تنفق عليها الكثير من المال , يومها بدت شديدة التوتر تقلب تلك الصحف مرات ومرات وخاصة تلك الصحيفة التي كانت تعود إلى تصفحها مرة بعد مرة , لفت انتباهي اهتمامها المتزايد بها ذلك اليوم وضعت تلك الصحيفة جانباً لتنتقل إلى أخرى , دعاني الفضول إلى طلبها منها : 
- هل تسمحين لي ؟
-  نعم .. أجابتني دون أن تلتفت نحوي كانت منهمكة للغاية..

أخذتُ تلك الصحيفة و بدأت بتصفحها حدثتها بصوت مسموع :
    •    شيء مؤسف ما يحدث في غزة وهذا الحصار الذي تتعرض له منذ مدة .
    •     حصار أي حصار إجابتها تدل على أنها لم تقرا ما نشر في الصحيفة عن أخبار مفجعة يتعرض لها أبناء غزة .

لحظات من الصمت تتسلل إلينا قطعته بقولي:
    •    عظيم ذلك الكاتب ومبدع للغاية , وخاصة في كتابه الأخير.. ما رأيك في كتاباته ؟
    •    أي كتاب ؟؟عم تتحدثين ؟ 
    •    كتاب الأم للكاتب الكبير والأديب المبدع عبد العزيز المقالح , الذي تحدثت عنه مختلف الصحف والكثير من النقاد . يا له من إبداع ! .

    •    لم اسمع عنه وكما إن هؤلأ الكتاب يضيعون وقتهم وجهدهم فيما لا ينفع , 
دهشت لرأيها وتسألت ماذا كانت تقرأ يا ترى؟
    •     اه  لابد و أنها قرأت ذلك العمود كيف تحافظين على زوجك ؟
    •    نصائح جيدة هل تعتقدين إنها تنفع ؟
    •    نصائح ماذا ؟
    •    كيف تحافظين على زوجك ؟
    •    هذا هراء كل الرجال لا يؤتمن عليهم فهم مخادعون ومهما عملنا  لن يكونوا أوفياء.

نظرت إليها باستغراب.. لازالت منهمكة في القراءة ..فجأة بدأت تبحث بين تلك الأوراق وتتمتم  بعصبية أين وضعتها ؟  أين هي ؟
التفتت نحوي .. سحبتها من بين يدي.. بادرتني بالسؤال إلى أي الأبراج تنتمين ؟
    •    أبراج ! أنت تعلمين إنني اسكن في حي بسيط من أحياء مدينتي التي تخلو من وجود الأبراج السكنية !
    •    أي الأبراج الفلكية تنتمين ؟ القوس, الحمل , السرطان ..
    •    دهشت لسؤالها الغير متوقع وتفكيرها الغريب ..و أجبتها :
    •    في الحقيقة لا اعلم ولكن لماذا ؟
    •    لأرى هل حضك مثل حضي البائس أم انه أفضل ! 
    •    هل تؤمنين بتلك الخرافات ؟
    •    إنني أؤمن بها إيمانا كاملاً فهي ليست خرافات .
عادت لتصفح تلك الصحيفة , ألقت نظرة عليها ,  ثم وضعتها جانباً , دفعت مقعدها للخلف.. وقفت بعصبية .. تناولت حقيبتها وبصوت منزعج:

    •     سأعود إلى المنزل .
-   ولكن لماذا ؟
 - إن حضي اليوم يقول " تتعرضين لمشكلة في عملك تؤثر على علاقتك برئيسك " ولا أحب أن يحدث بيني وبين المدير أي احتكاك لذلك سأغادر .
- ولكن .. لم تتح لي فرصة الكلام , غادرت مسرعة فما كان من الإدارة إلا أن وجهت إليها لفت نظر لخروجها من العمل دون إستادان. 

علمت بعد ذلك سر اهتمامها بالصحف وتعلقها بتلك الزاوية الكاذبة التي تسيطر على أفكارها وحياتها . 
حاولت أكثر من مرة أن انصحها بترك تلك العادة , ولكن دون جدوى .اعتدت على ذلك منها , كل يوم يخيم الصمت على أرجاء مكتبنا لمدة عشرون دقيقة حتى تنهي جولتها بين حضك هذا اليوم في مختلف الصحف وهكذا كل يوم .. حتى يومنا هذا, وصلت أخيرا إلى الموقف , أمسكت بذراعي ولازالت أنفاسها تتلاحق.. وبصوت متقطع :
    •    الحمد لله وصلت قبل وصول الباص يا صديقتي العزيزة .

وصلنا إلى مقر عملنا بعد رحلة صمت غير معتادة وكالعادة أسرعنا إلى حافظة الدوام التي تستقبلنا كل يوم .. لتسرع بعدها لمطالعة تلك الصحيفة التي جعلتها تتأخر صباح هذا اليوم , وبعد صمت قصير ارتسمت ابتسامة على شفتيها وتلألأت عيناها فرحاً سألتها عن السبب أخبرتني " لقد قرأت اليوم أني سأتلقى خبراً سار يغير كل حياتي وأنا متفائلة  للغاية "
كان الحزن يملاني , عيناي تحاول خنق عبراتها و أنا أتابع كلامها والفرحة التي كانت تغمرها في صمت على ذلك الظرف الذي تمسك به يدي , والذي حصلت عليه البارحة مصادفةً وأنا أفتش معطف زوجي قبل تنظيفه,  جدبته بدلال .

    •    وما هذا الضر ف الذي تمسكين به منذ الصباح ؟
 أسرعت إلى فتحه , بدأت بقراته , اتسعت عيناها , تم ضاقت , تبدلت الفرحة التي تسكنهما إلى حزن , يداها كانتا ترتجفان وهي تعيد قرأت تلك السطور في ذهول,صوتها هو الأخر كان يرجف مرددة.. دعوة زفاف..هاشم.. لا لا اصدق ذلك..
غادرت المكتب وهي تجهش بالبكاء.. تاركةً خلفها كومة من أبراج كاذبة وخبر سيغير كل حياتها.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
1
2014/11/30
عبد الله عباس الإرياني
خبر سار
كذبت الأبراج ولو صدقت، شكرا حضرة المبدعة ( نبيهة محضور )
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر