الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
رواية مرشحة للبوكر 2016 "عطــارد" إعادة اكتشــاف الجحيــم - محمد الغربي عمران
الساعة 15:04 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



الروائي المصري محمد الربيع في أحدث روايته “عطارد” والمرشحة لجائزة البوكر.. بعد أن صعدت إلى القائمة القصيرة.. الكاتب تفرد فيها بإعادة اكتشاف جحيم حياتنا.. وموت الأمل. رواية من إصدارات دار التنوير في القاهرة 2016م.
 

خط الكاتب بها تقنية أحسبها جديدة.. حين قسمها إلى ستة أجزاء أو فصول.. وهي: المدخل من صـ 5 إلى 14 وهذا الجزء الأكثر دموية وبشاعة.. ثم الفصل “2025” من صـ 17 إلى 140 .. ثم فصل “2011” من صـ 143 إلى 168 .. ثم يذهب الكاتب بعيدا إلى عام “455هـ” في فصل مستقل حيث احتلت أحداثه 15 صفحة فقط .. ليعود بالقارئ إلى فصل “2011” والذي يجسد لنا أحداث ثورة الشعب المصري على حكم العسكر والثورة المضادة الذي حركها العسكر ليعودوا من جديد.. ويختتم الكاتب الرواية بما تبقى من أحداث فصل “2025” من صـ 244 إلى 304.
 

الرواية تكونت من أربعة أزمنة سردية غير متوازية .. لا لقاء بينهم. فالمدخل الذي لم يحدد لأحداثه زمن يقدم لنا فقدان الأمل الذي يحول الفرد إلى مجرد وحش .. الزمن الثاني حالة القاهرة وقد تخيل الكاتب حياة عام 2025م بعد أن أحتل شطراً منها فرسان مالطة .. ثم الزمن ثالث .. موت صخر الخزرجي حيث يذهب بنا الكاتب إلى 455 هجرية .. وزمن رابع ثورة 2011وما يمكن أن نتابع مابين السطور من أحداث.. وتلك الأزمنة السردية لا تلتقي في شيء .. فشخصيات كل زمن مختلفة عن الأزمنة الآخر إلا فيما ندر .. وما يجمع الثلاثة الأزمنة هو العنف المفرط.. إضافة إلى المكان “القاهرة” الذي تدور فيها جميع أحداث الرواية. إضافة إلى عدة تيمات تخدم الخط العام للرواية.
الرواية تحتفي بالتفاصيل الصغيرة. وبتلك التفاصيل يجد القارئ نفسه غارقا في متعة لا متناهية. كثيرا ما يقتل العمل الروائي الإغراق في الوصف إلا في هذه الرواية .. فالكاتب لا يصف ما نعرف بل ما يخلقه من أحداث خيالية ومن كائنات إنسانية تمنطق القتل والقسوة .. والبشاعة إلى أبعد حد. ولذلك يجد المتلقي نفسه في دهشة عوالم يكتشف أنه يعيشها لكنه لا يدركها إلا أثناء قراءته للرواية. فما عشناه من ثورات لم تكن إلا زيفاً مغلفاً وخداعاً لقوى العسكر والفساد والتيارات المتأسلمة.

 

 

رواية فكرية محرضة بامتياز. وأجزم بأن محدودي الثقافة لن يجدوا فيها ما يثيرهم ويحرك مداركهم .. ولن يشعروا بتحريض الكاتب لتغيير أنفسهم والثورة على أوضاع مجتمعاتنا البائسة.. بل سيروا أنه عمل ممل وفيه من العيب والمحرم ما قد يدفعهم إلى تسفيه الكاتب وقذفه بتهم يختلقها جهلهم وقلة استيعابهم لما ترمي إليه هذه الرواية الفاضحة والكاشفة لتخلف يقتات أيامنا.. وهي تشير إلى فساد في أجهزة الدولة وخاصة تلك الأجهزة التي من مهامها حفظ الأمن وصون كرامة المواطن والمحافظة على حياته. تلك الأجهزة التي تكشف الرواية بأنها وراء القتل المنظم الذي تمارسه دون خوف أو وجل.. القتل الذي يدفع المجتمع للثورة ليس على القاتل والجلاد بل على الضحية بمزيد من القتل والإستلاب والخنوع.
 

“وعندما أخبرتني فريدة أنها تود العودة للدعارة.. فكرت أنا في العودة إلى الداخلية”
وفريدة طبيبة .. تركت مهنتها واتجهت إلى شرع شريف حيث سوق الدعارة المنظمة كمومس حتى جاءها الضابط أحمد”عطارد” بعد سنوات وحملها إلى مسكنه لتعود لممارسة مهنتها كطبيبة لكنها .. تقرر العودة إلى شارع شريف. ليقرر حبيبها بعد أن ترك عمله كضابط أن يعود هو الأخر للداخلية.

 

أربعة مسارات حكائية لكل مسار تاريخه الخاص به وشخصياته.. قد يشترك السارد النقيب أحمد عطارد في أول مسار”المدخل” وإن كانت شخصية قاتل أسرته قد طغت ببشاعة جريمتها على كل الشخصيات.. لكن النقيب هو الشخصية الرئيسة في ثاني مسار ” 2025″ مع حبيبته فريدة الطبيبة المومس. ليأتي ولمسار الثالث ” 2011″. فيه شخصيتي انسل والطفلة زهرة شخصيتين رئيسيتين .. والمسار الحكائي الرابع يهيمن صخر الخزرجي على مساحة أحداثه. وإن كان الراوي كشخصية قوية.
 

القاهرة تلك المدينة العملاقة التي نألفها.. تفقد ألفتها في هذه الرواية.. فسكانها ينتهجون وسيلة جديدة في التخلص من جهنم.. جهنم التي هي الحياة .. وكذلك الأجهزة الأمنية تضع نصب عيون رجالها إدخال أفراد المجتمع الجنة عن طريق قتلهم.. ذلك القتل الذي استخدمته قوات الداخلية لدفع الناس للثورة في بداية الأمر .. لتتجاوز ذلك إلى القتل العشوائي .. بحيث يعتلي مقنعو الداخلية ابراج القاهرة ليتحول القتل إلى فلسفة “ياسيادة اللواء نحن في الجحيم وأنت تعلم ذلك وما افعله حاليا ليس إلا جزءاً من مهمتنا جميعاً… نحن نرسل الناس إلى الجنة حقا ” النقيب أحمد عطارد يخاطب المسؤول عليه في الداخلية. ليتطور الأمر بعد أن يفقد المواطن الأمل.. وتضيق عليه سبل الحياة .. نجد الجموع تقتل نفسها في الميادين العامة والشوارع مستخدمة كل ما يقع بين يديها من هراوات مطاوي وقضبان ومواسير حديدية.. الكل يقتل الكل والكل يريد التخلص من جهنم.
 

 

فرسان مالطا الذين يحتلون مجرى النيل قادمون من مصبه على الأبيض المتوسط.. حين تسربوا من رشيد ودمياط ليسيطروا على مدن الدلتا ثم نصف القاهرة .. وفرسان مالطة يرمز إلى سيطرة الأخوان عبر انتخابات التي أوصلتهم إلى سدة الرئاسة. وإن أستخدم الكاتب عام 2025 لحبك تلك الأحداث .. كما رمز برجال المقاومة المقنعين بأقنعة لا تفرق وجوههم بمنتسبي الداخلية .. ومنهم القناصة رجال الأمن الذين تمترسوا كمقاومين على أبراج القاهرة العالية يصيدون فرسان مالطة ومن يتعاون معهم .. يقتلون الناس بشكل عشوائي وبدم بارد لدفعهم للثورة .
 

رواية مجتمع الأقنعة والكربون والإبادة. هذا ما يريد الكاتب إيصاله إلى القارئ.. مقدما ثورة 25 فبراير والثورة المضادة في قالب فنتازي ..ناسجا عوالم من الدهشة والإبداع الروائي الجديد.
وما يزيد هذا العمل تميزاً ابتكار الكاتب لشخصيات غرائبية لا تنسى.. مثل رجل الكلاب .. أو جامع الجثامين. فبعد أن امتلأت الساحات والشوارع بالقتلى .. أختار هذا الرجل لنفسه طريقا في الحياة.. فريق من الكلاب تتبعه.. تبحث لتدله بحاسة الشم على جثث هنا أو هناك.. يحملها على عربته .. ثم يبحث في الحدائق عن مكان تحفر كلابه ولا يذهب إلى فراشه إلا بعد أن يواري عشرات الجثث التراب. شخصية غرائبية .. لا يملك القارئ إلا التعاطف معها ومع أسلوب حياتها .. شخصية روائية مدهشة بما صور لها الكاتب من ملامح وهيئة تثير التعجب .. ومثل رجل الكلاب هناك شخصية أخرى رجل الزبالة ذلك الذي يعيش على ما يجده من بقايا أطعمة في حاويات النفايات.. كائن في منتهى الجلافة والقبح..وقد أدمن تناول العفن.. بل أنه يجمعها حول فراشه ومتى ما جاع صحى ليتناولها دون مبالاة مستمتعا بروائحها المقززة.. يعيش فاقداً الأحاسيس الإنسانية.. يغتصب ما يصادفه من المشردات بوحشية وعنف حتى تقارب الموت الضحية على الموت بينما يزيده صراخها ونشيجها متعة.

 

 

العمة زهرة و بنت أخيها الطفلة زهرة.. كائنات دون حواس ..ففي سن مبكرة تصاب بمرض يحتار في علاجه الأدباء.إذ تنموا بشرتها لتغطي عينيها وتلحم الشفتين.. وتسد أذنيها.. ولم تعد لكل منهن غير أنبوب سيلكون يعبر فتحة الأنف يدخل من خلالة الطعام والشراب وتتنفس منها.. لا تسمع أو ترى أو تتكلم فقط أنبوب من الأنف يربط كل منهن بالحياة.
 

بعد سنوات تتحول حالة زهرة وعمتها إلى ظاهرة .. إذ يتزايد عدد المواليد من تلتحم عيونهم وشفاههم ومسامعهم ..عوالم وشخصيات يبتدعها الكاتب.. رامزا إلى مستقبل لأجيال دون حواس .. نتيجة لتزايد التسلط وإفساد الحياة.. ما تتحول إلى جهنم يتمنى الجميع إلى الخلاص منها .. شخصيات غاية في البؤس والغرابة تجعل المتلقي يدهش لقدرة الكاتب على تقديم كل ذلك الحشد من الإدهاش فنيا وموضوعيا.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً