الاربعاء 25 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الحلقة الأخيرة - أحمد مصلح الأسعدي
الساعة 13:25 (الرأي برس - أدب وثقافة)


كانت أصوات السلاسل ، صرير الناقلة ، نواح البعض ، وحديث آخرين عن الجنة ، يصنع بداخلي ضجة مؤلمة ، بعد أن تفاقزت كل تلك الأشياء من مركبي الذي بدأ بالغرق أصبحت فارغا و مهجورا .... كان مجرد أي صوت يصنع ألما مضاعفا داخلي ، تاركا صدى لا يتوقف في هذا الجسد الذي صار لي وحدي أخيرا ، غير أن توحدي هو الآخر ليس مريحا كما يبدو .. هل أشبه هذا الوطن الذي توحد لينشطر ؟
 

الإعدام ليس أمرا سيء ! بالنسبة لشخص مثلي ، اقصد ليس كله بؤس , قلما يحدث للآخرين أن يخبرهم القدر عن موعد الحلقة الأخيرة ولحظة إسدال الستار .... لكل شيء رفاهية و ربما أن رفاهية الموت هو أن نعرف موعده .
أيا كان ، نحن لا نستطيع تغيير حقيقة الماضي وان قدرنا على تزييف روايته ، كذلك نحن عاجزون عن بعث مذكرة تفسيرية لتجميل أخطاء الذاكرة عندما نموت . إلا أن هنالك أشياء لم تخلق لتنسى أو لتدفن بكل برود .هنالك أمور يجب ألا يسمح لجحافل الزيف والخداع ببعثرتها ، الفوز ليس سوى لحظات تحالف القدر مع غاية المنتصر ، و ذلك لا يعني أن بالإمكان إنكار ما صنع الذي مني بالخسارة ... وان استطاع المنتصر أن يظفر بالاستيلاء على منجزات الآخرين ، فانه يظفر مرة أخرى عند سكوتهم على ذلك ...

 

سأموت ، لا بأس في ذلك ، بل ربما انه أفضل من البقاء في هذه الزنزانة اللعينة ، وان فكرت في أمر اشعر بالحزن لأني لم أقم به في حياتي انه " حسن " بلا شك .
أتذكر تلك الجمعة المؤلمة ، كان يوم الجمعة يرتبط في ذهني حينها بذبح إحدى دجاجات أمي ، التي ننتظرها بلهفة وشوق ، غير انه في ذلك اليوم من ذبح كان صديقي حسن ، يومها ذبلت تلك البسمة الباهتة و اصفر ذلك الجلد الذي تجعد قبل أوانه ... كنت أحدق بذهول في ذلك الجسد الذي نال من الحياة اكبر بكثير مما هو له ، كانت نافورة الدم المتدفقة من رقبته ، تعلن شارة البدء ، و مقدم موسم ترياق الوجع ، و أخر ما وقع من نظري على جسده الممتد ، كان أعواد القات المحشورة في جيب سرواله المتهرئ ، فقد كان ينوي العودة إلى الجبل لرعي الأغنام ، لأنه لو فكر في العودة إلى البيت لكان ضرب أبيه المبرح هو ما سيجده . لا اعرف لماذا كان يضربه بكل تلك القسوة والتواتر ؟ هل كان يعلم انه سوف يموت مبكرا كي يوفيه حقه ؟ نحن نتنازل عن كل شيء في هذه الحياة إلا أوجاعها ننال جرعاتها غير منقوصة .

 

لم اكتب قصة قتلك يا صديقي كما وعدتك يومها ، لم انتقم لك كما كنت أظن ، التحقت بنداء الوطن كما قيل لي حينها ، وبدلا من القلم حملت في يدي بندقا ، و ها أنا قادم إليك بتهمة خيانة الذي خرجت ملبيا نداءه ، عشر سنوات يا صديقي من الحرب ، الذي أينعت فيها براعم الحزن ، وصار الموت غاية تنشد !

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً