- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- اعتبروه أحد أفضل الأطباء.. يمنيون يشيدون بالدكتور المصري هشام إبراهيم (تفاصيل)
- عقوبات أمريكية على شركة سورية تموّل الحوثيين من إيرادات بيع النفط الإيراني
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
همهمات النوخذه تملأ الأرجاء..
رائحة البحر تحيط بأكواخ الساحل المتهالكة، تعطر نساء الساحل، وتعصف برجال البحر.
في ركن قصي من"السّيف" إنكب "غلوم"
يجمع أصداف الشاطئ المتفرقة ليرصع بها قصره الرملي...
التفت بنظرات شاردة يشاهد البحر، وصوت نفير بعيد يشق عباب السماء، "أتراه يعقد العزم لابتلاع قصري.."، فكر بقلق
"إنه الخوف".. كل مايلقي به الموج إلينا.
أسرع يلتقط الأصداف المتناثرة هنا وهناك..،لكم هي داكنة وباهتة تلك الأصداف التي ما انفك يجمعها غلوم!
وبعد أن قام بترتيبها على هيئة قطع الشطرنج، وثب كمن تذكر شيئاً مهما،إنها"المحارة الأم"، أكبر وأجمل الأصداف على الإطلاق.
بحث طويلاً لكنه عثر عليها،وبحرص شديد دنابها من أذنه، فلربما اختبأ بداخلها كائن بحري صغير، يخشى الموج وأهواله.
تردد قليلاً، لكنه كان شجاعاً بما يكفي لأن يستمع لها "إنها الأم"، تلك التي تختزل البحر، كل البحر؛ هديره..، رائحته..، ودواره..
للحظة ظن بأنه سمع صوتاً ما بداخلها، بعيداً بين ثناياها، يشبه صوت والده..، والده ذاك الذي ابتلعه البحر ذات صيد !!
عاد مسرعاً باتجاه أصدافه، ولأول مرة يلحظ أن الملونة كثيرةٌ جداً مقارنة بالداكنة، أعاد ترتيبها واضعاً المحارة الأم في المقدمة، والأصداف الملونة بآخر الصفوف.
"البحر لا يحب الألوان.. بل يبتلعها"، حدث نفسه.
جلست "مزنة" على مقربة منه تطالعه بحب..، "كبرت يا غلوم.. لتثأر لوالدك من الأمواج.."، حدثت نفسها. كانت مزنة تكره البحر، تحرق القوارب، وتقتل الأسماك..
الموج ابتلع والد غلوم وعقل مزنة، ولفظهما على الساحل، بجانب الأصداف! كل من في القرية الساحلية الوديعة يعلم بمصابها ويلتمس لها الأعذار كلما احترقت قوارب صيدهم، لكن مزنة تؤكد لهم، وفي كل مرة أنه "الشيطان" !!
تقدم غلوم من والدته مسرع الخطى كمن يبتلع الأرض ابتلاعاً، أمسكت بذراعه الضئيل برفق ودعة..، "كان والدك نوخذة الساحل.. ملك الجالبوت، ويوم أن أغمض عينه ليصطاد.. غدره البحر".
لم يلحظ الفتى الصغير قصره الجميل والموج يلتهمه ويحطم قطع الشطرنج، أصدافه الباهتة كبشرته تماماً. لقد كان يستمع للدرس، ويجيد الإصغاء كما يجيد الحفظ، إن عقله يعمل كلما تحدثت مزنة!
استرسلت.. " كانت ليلة الساحل، زمجرت الريح طويلاً، لكن أحداً لم يسمعها، خنقه الموج وأحكم قبضته على عنقه مسترقاً أنفاسه، طفا بوالدك.. وغاص حتى لفظه البحر على الشاطئ..."
"كش ملك"
اتسعت عينا غلوم وهو يتذكر "جنوده.."، حنت منه التفاتة سريعة إلى قصره الرملي الذي تلاشى وابتلعه البحر، هرول باحثاً عن المحارة الأم!
مدَّ كفيه الضئيلتين ينبش في الطين، اقتربت منه مزنة قابضة بقوة "نفنوفها" الأسود الطويل، كي لايتسخ من كرات الطين الثقيلة والممتلئة برائحة البحر، جراء بحث غلوم عن الأصداف،
كان نفنوفها يتهادى كصفحات الموج حاملاً معه كآبتها وحقدها الأسود المقيت.
ذهبت وتركت غلوم بجانب البحر، كان الوقت قد أزف ودرسها انتهى، لم تنتبه لغلوم الذي احتوى ما تبقى من أصدافه بكفيه الواهنتين المتسختين بالطين.
"أصداف صغيرة ملونة.. قال متمتما"، التفت إلى الموج بعينين تفيضان حقداً..!
مرة أخرى ابتلع البحر أصدافه الداكنة والمحارة الأم!
ترى، هل كانت والدته تعي أنه سيبقرالموج بزنده ليخرج المحار؟!
دنت الشمس من الغروب، صوت أهازيج الغواصين يخبو شيئاً فشيئا،
" لا تركب الغوص لا ياولد
والأم محزونة
لا تحسب الغوص لقمة
عيش مدهونة
تبعد عن الزين عن باله
وعن عيونه
والزاجره دوم تجمع بينك وبينه ".
إنه ذلك الجزء من اليوم العصيب، الذي يلقي فيه الغواص بأحماله على الشاطئ..، كان غلوم ينتظرهم كل غروب، ويحاول مساعدتهم قدر استطاعته، فمنهم من يعنفه، ومنهم من يكافؤه ببعضٍ من محصول أسماكه ممتناً، لكنه اليوم بدا على غير عادته، مهرولاً ناحية الصيادين وهو يضم قبضتيه إلى صدره بقوة، كمن يخفي أمراً ما..، تمتم غلوم بكلمات واهنة وعينين زائغتين:
" ابتلع البحر أصدافي..، وأنا لا أحب الملونة".
مدّ كفيه ليظهر لهم عن ماذا يتحدث..، كان بعضها قد تحطم، والبعض الآخر تشقق من قوة إحكام قبضته عليها.
رمقه أحد الغواصين بحدة وقد أعياه التعب فانتهره بعنف، لملم غلوم أشلاء جنوده التي تناثرت من بين أنامله الغضة الصغيرة، ومضى يتبع أثر نفنوف والدته الأسود.
اعتادت مزنة انتظار ما يجود به الصيادون من أسماك على غلوم، وقد استلت سكينها لتقتل بها السمك؛ "بنات البحر" كما كان يحلو لها تسميتها، علها بذلك تسهم بأخذ ثأرها من الموج..! واستاءت من صغيرها كثيراً حين دلف إلى الكوخ صفر اليدين..، بيد أنها أعفته من العقاب إن هو ضاعف لها الأسماك في اليوم التالي.
لم تفطن مزنة بأن غلوم يرى فيما معه غنيمةً، وأيما غنيمه!
نام غلوم تلك الليلة قلقاً، فراوده كابوسٌ مزعجٌ أرقه كثيرا، رأى البحر يبتلع آخر أصدافه..،
إستيقظ فزعاً، وكفه ما تزال قابضةً بعنف، على ما تبقى معه من أصداف ملونة، خطر بباله أمر عجيب..، "ينبغي أن أدافع عن ما تبقى لي من جنود.."
وثب عن فراشه المتآكل، مسرعاً إلى والدته، محاولا إيقاظها، ظنا منه أنها رأت حلماُ آخر تعود فيه أصدافه الداكنة..!
"أمي.. أريد تعويذتك..، كي تطرد عني الأحلام المزعجة"
لم يعد يتذكر منذ متى تعلق والدته تلك التميمة المتدلية من عنقها كالمشنقة!
أزاحتها عن رقبتها ببطء..، وعيناها نصف مغمضتين، ملقيةً إياها بجانبه، وهي تحدث نفسها: "لقد كبر غلوم وصار بإمكانه أخذها" التقطها ومضى إلى خندقه؛ غرفته، تلك الزاوية التي أكل عليها الدهر وشرب !، والتي كلما ازدادت ثقوبها، عمت رائحة البحر..، حتى أصبح غلوم يتنفس ثأراً..؟!
أمسك الصغير بالتعويذة، وانكفأ يفك خيوطها بحرص شديد، ملقيا بما تحويه بعيداً..، جمع الأصداف ووضعها داخل القطعة القماشية بعناية، صال وجال في كوخه الساحلي باحثاً عن الإبر والخيطان، وبعيداً عن البحر بحث جاداً، ثم قضى ليلته يحيك مخبأً لجنوده اليتامى، فالمحارة الأم ابتلعها البحر وغاص بها الموج إلى قاعه، حيث النوخذة "الأب".
أحكم غلوم إغلاقها من جديد، كالتعويذة تماماً، ومع بزوغ الفجر كان المخبأ معلقاً فوق عنقه، ملتحفاً ملابسه الرثة!
سنواتٌ عديدةٌ، تلك التي مرت،
وأضيفت لعمر غلوم، حتى أصبح "النوخذة" ملك الجالبوت.
كبر غلوم كثيرا..، لكن ثأره لم يكبر ..!، كما أن جنوده لن تكبر.
سابقاً كان يصارع الموج بقبضةٍ ضئيلة، تمسك سكين والدته التي تقتل بها الأسماك..، أما الآن فهو يحارب البحر بقاربٍ وشباك..
يومٌ عاصفٌ ورياحٌ قويةٌ، ورغبة ثائرة بالإنتقام، تسكن روحاً مريضةً، .. باحثاً بين طيات ردائه عن التميمة..،
"مرّ وقتٌ طويل..، فكّر: ترى ما حال الجنود الذين ابتلعهم البحر؟
صوت ارتطامٍ قوي..، ودوي نفير.
" إنه الموج.."
عاد أدراجه إلى الكوخ القديم، ليأخذ سكين مزنة..، لقد أصبحت صدئة متآكلة، لكنها مازالت تقتل الأسماك..!
" إنها ليلة الساحل، ليلة الثأر"، أيٌ غواصٍ يجرؤ على خوض الموج في هذه الليلة العاصفة، سوى صيادٍ ئائر !
إمتطى صهوة قاربه، يشق عباب البحر، مشرعاً سكين والدته، قاتلاً كل موجةٍ تقترب منه، ابتعد عن الساحل كثيراً، لم يعد يلمح كوخه..، لكن والدته تراءت له بنفنوفها الأسود، كتلك الليلة الحالكة، إنه في عرض البحر، وحيداً ضد الموج.
النوخذة وقف شامخاً، وأخرج التعويذة، كانت موجة قوية وعاتية، تلك التي اجتذبته من أعلى قاربه، إلى بطن البحر !، قاتل غلوم قتال الأشاوس، ممسكاً سكين والدته بيد، وبالأخرى جنود التعويذة!
حارب بشراسة، لكن الموج راوغه، لم يدر أية موجةٍ تلك التي باغتته وخنقته بالخيط المحيط بعنقه بلارحمة.
لقد نسي غلوم أن يطلق سراح جنوده، ويفك وثاقهم، ظل خيطهم معلقاً برقبته، لم يتسن للأصداف الدفاع عن النوخذة، بل تمسكوا جيداً بعنقه.
"والتهمت الأسماك بثأر سكين مزنة"
وقفت القرية الساحلية مشدوهة بنوخذة الجالبوت، الذي لفظه البحر مختنقاً، وعلى مقربةٍ منه أعداد كثيرة من الأصداف الملونه، اقتربت منه مزنة كالشبح، لتأخذ تعويذتها، ولم تفاجأ كثيراً، حين وجدت بداخلها المحارة الأم..، وأصدافاً محطمةً داكنة !
- تمَّت -
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر