الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
رحيل الكاتب الفسطيني سلمان ناطور
الساعة 12:16 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 توفي الكاتب الفلسطيني سلمان ناطور، في الخامس عشر من شهر شباط/فبراير 2016، المولود في بلدة دالية الكرمل الواقعة في جنوب حيفا، عام 1949، يعتبر ناطور من أغزر الكتاب الفلسطينيين، إذ صدر له نحو 40 كتابا بين مؤلف ومترجم، نشر فيها القصة والرواية والمسرحية، وقصص الأطفال ومقالات في مواضيع مختلفة، وترجم عدة مؤلفات من العبرية، وقد تميزت كتاباته بسخرية لاذعة، كما أنها أرخت للمكان ووثقت له بصورة أدبية، ترشح مرارة ولا تخلو من الظرف أيضا، وتسخر من الذات أحيانا، ومن الآخ أحيانا أخرى، ولا يعتبر الناطور متفردا في أدب السخرية هذه، كونه واحدا من عدة كتاب «امتشقوا هذا السلاح» الجارح للعدو وللذات أحيانا، وكان على رأسهم الكاتب البارز والمبدع إميل حبيبي، ابن حيفا الذي كتب مؤلفات عدة، أبرزها روايته «سعيد أبو النحس المتشائل» كما أن في أشعار ومقالات محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم لمحات تسجل في هذا المنحى.
 

يمكن الإشارة إلى أن السخرية، كما كتب عنها بعض علماء النفس، هي من «أسلحة» الدفاع عن الذات الفردية والجماعية في مواجهة قوة غاشمة ظالمة، لا يستطيع الفرد أو الجماعة مواجهتها مباشرة، ليتم اللجوء إلى التورية والسخرية والترميز، وذلك لإيجاد معادلة نفسية تساعد الطرف الضعيف كي يستمر في تحمل حياته، أو تساعده في الاستعداد للمواجهة والمقاومة. 
 

وقد أجاد الكاتب سلمان ناطور استعمال هذا السلاح (السخرية) باقتدار في أغلب ما كتب، إن كان في القصة أو الرواية أو المسرحية أو في المقال. وما يجدر ذكره هنا أن كتابي غسان كنفاني عن «الأدب الفلسطيني المقاوم» اللذين صدرا في العامين 1966 و 1968، وجمعا بعض نتاجات الكتاب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، لم يأتيا على ذكر سلمان ناطور، وهذا له تبريره المنطقي، حيث أن سلمان كان عام 1968 ما زال يدرج في مدارج الشباب المبكر، ولم تكن نتاجاته الأدبية قد عرفت طريقها إلى النشر والانتشار، فكتابه الأول «آراء ودراسات في الفكر والفلسفة» صدر عام 1971، أما مجموعته القصصية الأولى «ما وراء الكلمات» فقد صدرت عام 1972. 
 

كان سلمان ناطور قد درس الفلسفة بين حيفا والقدس، وعمل بعد تخرجه من الجامعة في صحيفة «الاتحاد» ومجلة «الجديد»، كما حرر في مجلة «قضايا إسرائيل» التي تصدر من رام الله، إلا أنه اتجه مبكرا إلى تجسيد أفكاره ومواقفه واجتهاداته ورؤاه الإبداعية في الأنواع الأدبية المعروفة، أبرزها «أنت القاتل يا شيخ» (رواية)، التي صدرت عام 1976، و«الشجرة التي تمتد جذورها إلى صدري» (قصص قصيرة) التي صدرت عام 1978، و«أبو العبد في قلعة زئيف» (مقالات ساخرة)، و«ما نسينا»(قصص تسجيلية عن النكبة)، التي صدرت عام 1983، و«حكاية لم تنته بعد» (مقالات ساخرة) عام 1986 و»خمارة البلد» (قصص ساخرة)، صدرت عام 1987، و«يمشون على الريح» (كتابة تسجيلية) صدرت عام 1992، صدرت باللغة العبرية أيضا، وصدر له أيضا أربع كتب تحتوي على قصص للأطفال. ومن آخر رواياته «هي وأنا والخريف» صدرت عام 2011، كما صدرت له عدة مسرحيات وترجم عن العبرية عدة كتب من بينها «الزمن الأصفر» لدافيد غروسمان، و«المتاهة» رواية لسامي ميخائيل وغيرها.
 

حنظلة يحضر أيضا
ومن مؤلفاته عدة مقطوعات (6) تم نشرها في ملحق فلسطين، الذي يصدر عن صحيفة «السفير» اللبنانية شهريا، وكانت نشرت اعتبارا من عام 2010 وتتضمن نفسا أدبيا تسجيليا للمكان، قبل أن تهجم عليه الهمجية الصهيونية وتزيله من الوجود، أو تصادره وتدعي أنه لها ومن أملاكها. وفي المقطوعات تظهر مقدرة سلمان في القص وفي تلوين الحكايات بطرائق فيها الظرف والسخرية واستحضار الماضي البعيد أو القريب، وتصوير بشاعة ما فعله ويفعله الاحتلال. والمقطوعات الست هي «أبو العبد يغازل مدام مندلوفتش» و«عباس الفران» و«حنظلة وخمارة البلد» و«الذاكرة القريبة» و«رحلة الصحراء» و«ذاكرة». في المقطوعة الأخيرة «ذ ّاكرة» يشير إلى التقائه بالشاعر القومي «أبي سلمى» (عبد الكريم الكرمي) والحديث الذي دار بينهما عن الذكريات في حيفا قبل احتلال إسرائيل لها، ويذكر أنه لام نفسه كثيرا كونه كان يمر من أمام بيت أبي سلمى لمدة أربع سنوات أثناء ذهابه وإيابه للمدرسة، من دون أن يعرف أن ذلك البيت الكائن في شارع البساتين في حيفا، كان هو بيت الشاعر القومي أبو سلمى. وعلى سيرة الشاعر القومي، فإن ناطور يذكر بأن محو الذاكرة من قبل الجهات الرسمية الإسرائيلية كان يسعى إلى وضع الشاعر الصهيوني بياليك مكان أي شاعر قومي عربي في ذاكرة الطلاب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وذكر أيضا أن معلمة اللغة كانت تؤكد أن بياليك هو الشاعر القومي.

 

عندما لاحت فرصة لسلمان كي يزور بيت أبي سلمى، استعان بالمحامي المعروف حنا نقارة ليذهبا معا، لزيارة البيت، ليجدا من يقول لهما أن البيت كان لعائلة رومانية، ثم سكنته عائلة بولندية. أما الأصل فإن صاحبه غير معروف لدى العائلتين، وهكذا فإن أماكن كثيرة كان ناطور يحاول إعادة تشكيلها الأول، ويتفرس في المكونات والتكوينات قبل أن تهجم عليها همجية المحتل. هكذا فعل ناطور أيضا مع بلدة الشجرة، ودكان سليم حسين العلي، والد الرسام المبدع ناجي العلي، حيث ذهب إلى المكان أو بقايا بلدة الشجرة الجليلية، واستحضر الأشخاص والأشجار والمباني، وأقام «مسرحا» استحضر فيه ذكريات ما مضى عن «الشجرة» وناسها والحياة التي كانوا يحيونها، حيث نشأ ناجي العلي ودرس في المدرسة التي ما زالت قائمة، والتينة (السوادية) التي أكلت من ثمارها الأجيال وما زالت تثمر وتعطي، ولم يفت الكاتب أن يسأل من تبقى من أهل الشجرة عن ذاك الصبي ناجي الذي اسمه الحركي «حنظلة» وكيف كان وما هي صفاته والخربشات الأولى التي ربما خطها على جدران بعض المنازل أو مدرسته. هكذا يتابع سلمان ناطور استحضاره للأماكن والأشخاص، ليعيد لهم في «مسرحه» حياة بددها المحتل وفرق ناسها أو قضى عليهم، وعبث بالمكان وصادر الزمان، ليكون زمنه هو بدل أن يكون زمن الضحايا.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص