الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
اليمني محمد الغربي عمران: الرواية تخيّل جميل لقبح الواقع - عمار المأمون
الساعة 13:05 (الرأي برس - أدب وثقافة)



الكاتب اليمني محمد الغربي عمران يكشف أن ما يكتبه يهدف إلى الانتصار لقارئ مسحوق ولذلك اختار أن يكتب عن الجنس في أعماله.


صنعاء- إثارة المتاعب هي هواية الكاتب اليمني محمد الغربي عمران، الذي درس التاريخ، وكتب القصة القصيرة حيث صدرت له عام 1997 مجموعة بعنوان “الشراشف” إلى حين صدور روايته الأولى “مصحف أحمر” في بيروت عام 2010، والتي أثارت ضجة لما تحتويه من كشف عن واقع المجتمع اليمني وتفسخه الداخلي، الغربي عمران يتناول التاريخ بصورة أكثر حيوية من غيره، يوظّف أحداثه لقراءة الواقع الحالي وتشريح الانحلال والرياء الذي يحكمه. “العرب” التقت بالغربي عمران في سبيل إضاءة المنابع التاريخية التي يعتمدها في سرده والآفات التي يحاول تشخيصها، فكان الحوار التالي:

 

مارس محمد الغربي عمران، من مواليد مدينة ذمار سنة 1958، العمل السياسي بالإضافة إلى نشاطه الأدبي الذي تفرغ له في النهاية؛ عن موقفه من كل منهما والعلاقة بالأدب والسياسة يقول: “الأدب أفق من الحلم والأمل، والسياسة أن تعمل لتصل إلى أهدافك، عادة ما تكون الوسائل لا أخلاقية في ذلك، الأدب روح تسافر فينا، أفق من الجمال والخلق.

 

والعلاقة بينهما علاقة وطيدة، فالرواية فضاء وأحد عناصره هي السياسة كمادة خام لنسج إبداعات ناجحة، لولا غباء السياسي لما وجد الكتاب لأعمالهم تفوّقا، لذلك يظل عالم القبح مكمّلا لعالم الجمال”.

الكائن الخنثي

في روايته الأخيرة “الثائر”، الصادرة عن دار “الساقي /بيروت 2014، تحدث الغربي عن الثورة ضدّ الإمامة، كيف يرى ما يحدث الآن في المنطقة العربية، وهل يحاول مقاربته بوصفه أديبا ذا نشاط سياسي يجيب: “في روايتي الثائر لم يكن نظام الإمامة إلا محورا من محاور عدّة، منها علاقة دول “البترودولار” بالثورات العربية، كذلك محور الكائن الخنثي أوالجنس الحائر، محور آخر هو علاقة الثوار بالثورة، والأنظمة الجمهورية بالعنف والاستبداد والتسلط، بُنيت أحداث الرواية على نسقين، الأول أسطرة الواقع، في بعض فصولها، والآخر استدعاء الماضي لتقديم الحاضر، ما يحدث في المنطقة العربية هو إعادة إنتاج للماضي

كما كانت ثورات العسكر على الأنظمة الملكية لينتج العسكر أنفسهم بعد حين أنظمة عسكرية ملكية. أعشق كتابة الرواية بتخييل التاريخ، وأرى أن الماضي لم يغادرنا بعد، بتناقضاتنا المذهبية ووحشية السياسي الذي يبحث عن أي وسيلة دون أخلاق لكي يسيطر ويغتصب كل شيء”.

تعرض الغربي عمران لمشاكل مع السلطة بسبب عمله كروائي ومنعت روايته في طبعتها الأولى “مصحف أحمر” الصادرة عن دار “الريس” العام 2010 من دخول اليمن؛ سألناه هل على الروائي التفرغ- الانعزال للكتابة أم الدخول في معترك الحياة؟ فيجيب: “من خلال تجربتي مع الأدب والرواية بالذات، وجدت أن على الكاتب أن يتفرغ لكتابته كي يتحرر، ولم أصل إلى ذلك إلا بعد إعفائي من عملي كوكيل لأمانة العاصمة صنعاء عقب صدور روايتي مصحف أحمر، رغم إنكار السلطة، إلا أن ذلك قادني إلى أن أكون حرا، أكتب اليوم دون خوف من أيّ شيء.

والروائي بتفرغه للكتابة يضع نفسه في متن الحياة وفاعلا قويا في إصداراته، بل إنه يستطيع أن يقارع ما يراه ظلما وتسلطا وكبتا للحريات، ويقاوم فرض المفاهيم الدينية على المجتمع، فتفرغه ليس انعزالا أو هروبا”.

شهدت اليمن ثورة جماهيرية، وملأ الناس الساحات، هل يفكر صاحب “ظلمة يائيل” في كتابة رواية عمّا مرت به اليمن خلال السنتين السابقتين، يجيب عمران قائلا: “الكاتب يستطيع أن يجمع عدة أزمنة في زمن واحد، ومشروعي القادم يعود إلى فترة أواخر القرن الخامس الهجري، عبر رؤية الحاضر وما يعتمل فيه من وقائع الأمس، وأحداث اليوم هي ابنة شرعية لأحداث تكررت في الماضي، ولهذا أكتب الرواية ليراها القارئ بعينه الخاصة، فيرى اليوم في الأمس، قد تختلف رؤية كل قارئ، لكن الجميع يعيشها اليوم أبى أم رضي”.

علاقة ملتبسة

 

عمران: الكاتب يستطيع أن يجمع عدة أزمنة في زمن واحد
يصف في روايته الأخيرة العديد من السلوكات الاجتماعية التي تخالف القيم والعادات السائدة “الشذوذ الجنسي، الدعارة…”، ما سبب انتشار هذه الظواهر وما هي مقاربته الأدبية لها، يعلل الغربي ذلك بقوله: “تلك السلوكات هي الحياة، الجنس حياة، الجنس يؤثر في تكوين كل فرد منا، بل ويسيّر حياتنا، فكيف ننكره؛ وبالذات في الرواية، فالرواية حياة، والجنس حياة، وهو المكوّن الأساسي لحياة كل فرد. ولذلك أكتب عن الجنس في أعمالي كما أكتب عن الأكل والشرب، وكما هي تصرفات الفرد وعلاقاته الأخرى.

أما الشذوذ فحقيقة يعيشها الأفراد في كل شرائح المجتمع، أي هو واقع يزداد تأثيره على المجتمع يوما بعد يوم، ولا يمكننا إلغاء ما هو واقع أو إخفاؤه فأنا أوظف ذلك الواقع ولا أخترعه، ولا يأتي في أعمالي إلا بهدف فضح المستور، وتسليط الضوء على من يدّعون الفضيلة كذبا.

ففي سراديب التحقيق يُمارس ما هو أبشع من ذلك الشذوذ، وفي قصور الحكام ما هو أكثر مما ذكرت من عنف وشذوذ، ما أكتبه يهدف إلى الانتصار لقارئ مسحوق، مواطن خدعوه بادعاء الفضيلة ليس إلا”.

للمرأة حضور مميز في روايات الغربي، في الرواية الأخيرة بطل يتحول إلى امرأة (مجازيا)، كيف يصف الغربي علاقته مع المرأة وما هي محددات هذه العلاقة، يستطرد: “أجد نفسي معنيا بالمرأة، وأجد هذا الكائن يعمل ضد نفسه، ويستجيب للعبودية المعاصرة، مشكلتنا في الوطن العربي انحصار تفكيرنا في ما تحت السرّة.

أحلم بالخروج من متن هذه الدائرة، أن نتجاوز ذلك بأنفسنا ذكورا وإناثا، لكن المرأة التي تمثّل دور الضحية فهي مع ذلك الجلاد بالنسبة إلى نفسها. علاقتي بالمرأة ملتبسة، أحاول تجاوز ذلك لأراها كقرين وبذلك أقدمها في جميع أعمالي، عليها أن تتحرر من وصفها بالضحية، أن تأخذ حقها في الحرية الكاملة حتى في الجنس كمسؤولة عن ذاتها؛ لكني أخاف الإخفاق”.

عالم جديد

علاقة الغربي مع التاريخ مميزة فقد درسه أكاديميا ويستدعي حضوره فيما يكتب، ما هي المعايير لاختيار المادة التاريخية يجيب: “تخصصي هو التاريخ المعاصر، ولذلك أجد التاريخ ملعبا ساحرا، أقرأ الفترة بكل توسع، أدرس النطاق الجغرافي للأحداث، ثم أمزج الماضي بالحاضر، بذلك تجد الخيال اليوم هو من يكتب بصيغة الماضي، واختياري للمادة التاريخية يخضع لذلك الكمّ المستتر خلف ظاهر الأحداث المدونة من قبل المنتصر، أي أنني أبعث ما تحت السطح، أو بالأحرى أبعث وجه الباطن لتلك الأحداث في الشخصيات”.

حصل الغربي على جائزة الطيب صالح، عام 2012 عن روايته “ظلمة يائيل”، كيف يرى تأثير الجوائز في حياة الأديب، يقول عمران في هذا الصدد: “أعمل على الترويج لأعمالي بحيث أحصل على جوائز أخرى، فالجوائز تساعد على اتساع دائرة النشر، وأيضا ترفد الكاتب بدخل إضافي، خاصة لدى الكاتب المتفرغ؛ ويجانب الصواب من يدعي نقيض ذلك”.

أصدر الغربي عدة مجموعات من القصص القصيرة قبل البدء بكتابة الرواية، لم التأخر بكتابة الرواية وما القيم التي تحملها الرواية كبنية أدبية فيجيب: “القصة هي القصة، فالكل سرد، تأخري كان نوعا من الخوف، الخوف من الفشل فقط، خاصة وأن الرواية تستهلك وقتا كبيرا، أما ما تحمله من جماليات، فهي أكثر اتساعا، تمكّن الكاتب من الاستطراد أكثر وإن حسبتها من نفس الجنس السردي”.

الكتابة تأسيس لعالم جديد وتعيد تكوين عناصر الكون وعلاقته مع الإنسان. ما هي الرؤية التي تحملها روايتك والعالم الذي تسعى له، يجيب: “الرواية تخييل جميل لقبح نعيشه، الرواية إعادة الحلم للعمل، وللأمل بأن يترعرع، ومحاولة استفزاز العقل والإرادة البشرية لمقاومة الظلم والمفاهيم الخاطئة للدين والمساواة بين الذكر والأنثى وإطلاق الحريات بما فيها الجنسية”.

منقولة من مجلة العرب...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً