الاثنين 11 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الاثنين 4 نوفمبر 2024
بنية النص لدى المعرسي.. قراءة سيميائية في مجموعته الشعرية (احتضار الغروب) - فايز محيي الدين
الساعة 13:23 (الرأي برس - أدب وثقافة)


العلاقة بين النقد والشعر ـ أي بين النظرية والإبداع ـ علاقة حميمة ، إذ أن الشعر خطاب موجه إلى قارئ يهدف إلى التعبير عن إحساس الشاعر ودفعه إلى العمل على التعبير عنه بلغة مؤثرة تملك من الطاقة ما يمكنها من أن تنقل الإحساس نفسه وبالقوة نفسها إلى قارئ أو سامع بحيث تدفعه إلى أن يشارك الشاعر في الفكرة والانفعال اللذين يجسدان هذا الإحساس. وتكمن الطاقة التأثيرية في الطاقة الجمالية التي تستطيع إن تهز النفس وتفتح شهيتها لاستقبال رسالة النفس إلى النفس بلا واسطة. غير إنّ هذا الدافع الجمالي الإبداعي يبطنه دافع الإيصال الذي يقوم على المشترك من الضوابط النظرية التي تصبح تواضعاً تعاقديا بين القارئ والكاتب. 
 

وبتعدد الثقافات لدى المتلقين تتعدد قراءاتهم للنص. ونحن هنا سنتناول مجموعة ((احتضار الغروب)) للشاعر أحمد علي المعرسي من ناحية سيميائية، إيماناً من الباحث بأنّ هذه الطريقة في التلقي تُعَدُّ طريقةً مُثلى في قراءةِ النص؛ كونها تجمع بين القديم والجديد في التلقي؛ ولا تقصر نفسَها على بُعدٍ محدد، إذ تتناول البنية العميقة للنص بقدر تناولها البنية السطحية التي التزمَت بها وقصَرَتْ نفسها عليها المدرسة البنيوية. لذا تربط السيميائية وتُدخِلُ في دراستها الجوانب اللسانية والفلسفية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والنفسية مِن أجل استنطاق علامات الفضاء الخارجي للنص ـ الذي يعد نصاً تداولياً ـ بُغية إيجاد تأويلاتٍ لها.
 

أحمد المعرسي، هذا الشاعر المسكون بالحزن والتأمل يستنطق اللغة بأسلوب فريد لا يسعها حياله إلا أن تكشفَ له عن أصدافِ لؤلؤِها ومكامنِ جواهرِها لينتقي بعدها ماشاء منها مُطرِّزاً بها قصائدَه التي تأسرُ الألبابَ وتأخذُ بمجامعِ الفؤاد. مقدمة المجموعة كتبها أستاذنا الفاضل شاعر اليمن الأكبر الأستاذ/ حسن عبدالله الشرفي فقال : (لست ادري إن كان هذا ديوان شعر أو إن كان خابية سحر. كذلك لا أدري إن كان صاحب هذا الديوان شاعراً واحداً أم إنه كل شياطين الوادي في عبقر). 
ونحن سنتناول المجموعة من خلال قصيدة (صبابات الحصى) التي تتبين لنا فيها المستويات النقدية لبنية النص عند المعرسي، حيث نجد في هذا النص غلبة للأسماء على الأفعال بشكل كبير وملفت، حيث بلغت الأسماء 134 اسماً بينما كان نصيب الأفعال مجتمعة 58 فعلا، منها اثنان للأمر و15 فعلاً ماضيا و41 فعلاً مضارعا. ومن خلال السياق الدلالي لغلبة الأسماء على الأفعال تتضح لنا الرغبة العارمة لدى الشاعر في تجسيد معاناته التي يجدها بعد وفاة والده الذي كتب هذا النص إليه. وهو ما يشي بأنَّ الشاعر يريد أنْ يقول إنَّ حالة الحزن والمعاناة قد صارت شيئاً ثابتاً وملازماً له لا يستطيع الفكاك منها، خاصة وإنّ مفردات الحزن قد وردت في النص بشكلٍ طاغٍ على مفردات الفرح، وهو ما نجده واضحاً وجلياً في الأبيات التالية: 
إني وقفتُ وكلُّ أهدابِ الضنى ** هَمٌّ يزمزمُ حسرةً وصعابا 
أستمطرُ الصمتَ المُسجّى بالأسى ** شجناً فيمطرُ في حشايَ ترابا 
أبتاهُ أرّقني السكونُ وصاغني ** طولُ الوقوفِ المستهامِ خرابا 

 

في هذه الأبيات الثلاثة وردت مفردات الحزن كالتالي : (الضنى ـ هَمٌّ ـ حسرة ـ صعاب ـ صمت ـ مُسجّى ـ أسى ـ شجن ـ في حشاي ترابا ـ أرّقني ـ طول الوقوف ـ المستهام ـ خرابا). 
بينما نجد مفردات الفرح والأمل تختفي تماماً منها؛ بما يدل دلالة قوية على الحزن الذي سيطر وسكن المعرسي بشكلٍ أصبحت معه مفردات الفرح تكاد تنعدم من قاموسه أو معجمه. 
ولعل طغيان ورود فعل المضارع في النص على بقية الأفعال يؤكد هذه المأساة التي يعيشها الشاعر ومازالت ملازمة له في الوقت الراهن والحاضر كما في المقطع التالي: 
وأبكي ويبكيني الزمانُ وخافقي ** ثملٌ يعبُّ الحادثاتِ شرابا 
وأهيمُ في مُقلِ الخطوبِ وصارمي ** يشكي العيونَ ويتقي الأهدابا 
وألملمُ العبراتِ مِن شًرَفِ الأسى ** وأخيطُ مِن دنيا الصعابِ ثيابا 
أمضي على شبقِ الهمومِ وحافري ** يطوي الخطوبَ ويطحنُ الأنيابا
وأعيشُ في زمنِ السفاسفِ ضيغماً ** شَهِدَ الوجوهَ الباسماتِ ذئابا 
(أبكي ـ يبكيني ـ يعب ـ أهيم ـ يشكو ـ يتقي ـ ألملم ـ أخيط ـ أمضي ـ يطوي ـ يطحن ـ أعيش) اثنا عشر فعلاً مضارعاً مقابل فعلٍ ماضٍ واحد هو (شهد)، إلى جانب ذلك بدت أيضاً مفردات الحزن طاغية (أبكي ـ يبكيني ـ ثمل ـ الحادثات ـ أهيم ـ الخطوب ـ صارمي ـ يشكو ـ يتقي ـ العبرات ـ الأسى ـ الصعاب ـ الهموم ـ يطحن ـ السفاسف ـ ذئاب) ست عشرة مفردة للحزن مقابل مفردة واحدة للفرح هي (الباسمات). 

 

وعلى المستوى التركيبي نفسه لاحقَ الضميرُ السياقَ الدلالي للنص وتمسك بمنطقيته حين انعدم ضمير الغائب في النص كاملاً بينما برز ضميرُ المخاطَب فقط (منك ـ بينك ـ أتراك ـ هادنك ـ عليك ـ راحتيك) وقد كانت نبرة الأسى والحزن واضحة في تكرار كاف المخاطب بما يشي بأنّ الحزن لدى المعرسي لم يعد غائباً أو منقطعاً وإنما صار حاضراً وملازماً للشاعر الذي تضافرت مع نفسيته كل الأنساق الدلالية، حيث تحركت النعوت لتؤيد ذلك من خلال ملاحقتها لأسمائها التي حولتها إلى مدلولات أخرى غير ما هي عليه قبل التركيب في انزياحٍ جميلٍ يدل على براعة الشاعر كما في قوله: (الوقوف المستهام، أيامي الثكلى، الأمل المسافر، الصمت المسجى بالأسى). 
 

وقد جاءت الانزياحات اللغوية لتركيبات المعرسي برؤية جديدة وخروقات ريادية محكومة بعودة ذات أهمية قصوى وجوهرية يستند إليها فعل التلقي عبر التفسير والتأويل، وهو ما خول لشعره السلامة من التردي في هاوية اللا معقول والاعتباطية القصوى، مما يعطي مصداقية للاستعمال الخاص والمتميز للغة في الأدب والشعر، وهو مالم يحسنه كثيرٌ من شعراء الجيل الجديد. 
وقد تمثلت هذه الانزياحات بالتراكيب التي ألفها الشاعر من خلال مزجه لكلمتين غير مستخدمتين في هذا الغرض أو التركيب من قبل، كما في قوله: 
اللهَ مِن أرقِ الحروفِ إذا أتت ** نحوي تجرُّ السجعَ والإطنابا 
فتركتني فرداً بمفترقِ الأسى ** أجتازُ غاباً كي أصارعَ غابا 
فابسطْ يراعَ الشوقِ يا علمَ الهوى ** إنّي بسطتُ لراحتيكَ كتابا 
انزياحات جديدة ومدلولات موفقة، فهو يجعل للحروف الجامدة بعد إضافتها للأرق مدلولاً جديداً أنسنها وجعلَ لها خاصية الإنسان مِن الحياة والحراك. فيما جعل للأسى طرقاً كثيرة وأوقف نفسه بعد أبيه في مفترقها (بمفترقِ الأسى) ليزيد مُهيمِنة النص قوةً على قوة. وليُثبِت لنفسه قبل الآخرين أنّ الأسى والحزن قد استوطنه حين أوقفه موتُ أبيه على مفترق الأسى لا يدري أين يسير وأيَّ وجهة يقصد؟! 

 

وزاد من قوة دلالة التركيب السابق وثبوت مهيمنة النص الذي هو (الحزن) قوله: (أجتازُ غاباً كي أقارعَ غابا)، ومعروفٌ أّن اجتيازَ الغابِ مخاطرةٌ، كونه مسكوناً بالأفاعي والوحوش، ناهيك عن شدة الخوف التي تتملك مَن يحاولُ اجتيازَه نتيجة جهله له. إضافة إلى أنّ مَن يتجاوزُ الغابَ لا يتجاوزه إلا لضرورة، وإلا فالغالب أن يتركه، أما إذا زاد على ذلك وقارعَه كما في آخر البيت (أقارع غابا) فإنه يثبت وبقوة أنه مضطر لاجتياز هذا الغاب ومقارعته لأنه يخشى أن يفترسه، لهذا يتوجه بفعل الأمر الذي أتى بصيغة الدعاء والتوسل ولكن ليس على الحقيقة لأن الميت لا يجيب، وهو ما يعرفه الشاعر وأحسن نداءه بطلبه أن يبسط له والده (يراع الشوق) ويراع الشوق غير محسوس أو موجود مثلما والده غير موجود.

  
وبعودتنا إلى عنوان النص (صبابات الحصى) وكذلك عنوان المجموعة (احتضار الغروب) يتبين لنا أنه طافحٌ بتواتر الاستعارة حين يؤنسن الحصى الغروب ويدفع بها إلى بدايات التصور الإنساني الذي كان يشحن عناصر الطبيعة بأحاسيس البشر ونوازعهم، ويجعل منها ـ بفعل التفكر الأسطوري الأول كائنات تفيض على حدودها للحركة والحلم والعاطفة وتتجاوز بفعل ذلك التفكير أيضاً المحدودية والمنطق. 

 

إنّ عنوان النص والمجموعة فيه التحامٌ قلق بين عنصرين لا تجانس بينهما، كما إنّ شكل الإضافة الذي اتخذه هذان العنصران لم يكبح ما بينهما من تعارض أو تنافر؛ بل ظل التعارض بينهما كثيفاً وبالغَ القوة، وهو ما جعل من هذين التركيبين فضاءً مفتوحاً لإيماءاتٍ ودلالاتٍ عميقة تكتظ بإشاراتها نحو البدايات الأولى للإنسان والأشياء والعواطف والأفكار. والالتحام القلق بين مفردتي العنوان يشبه الالتحام القلق بين الشاعر وزمنه وواقعه الذي يبعث على الأسى والحزن. 
 

إنّ المشهد كله مفعمٌ بل منقوعٌ بالأسى ودموعِ القلب. وقد أدى وظيفته بطريقة متميزة حين قدَّمَ الشاعرُ الحصى ملاذاً لصباباته حتى يغطي على الضعف والهشاشة والوهن الذي يعيشه. 
نص المعرسي جاء ضاجَّاً بمفردات الأسى والحزن التي وردت 66 مرة مقابل اثنتي عشرة مرة لمفردات الفرح كالأمل والشوق والحياة، بينما مفردة الأسى لوحدها وردت خمس مرات في نَصٍّ لم يتجاوز عددُ أبياته 26 بيتا. 
إلى ذلك فقد جعلَ المعرسيُّ مِن الانزياح داخل النص مجالاً للتجديد في نصه، وخلقَ وأوجدَ طاقاتٍ دلاليةٍ عاليةٍ إيماناً منهُ أنّ اللغةَ حقلٌ مفتوحٌ وكونُ علاماتٍ أو فضاءٌ إيديولوجي منزاحاً لصياغاتٍ لغوية تمارسُ فيه - بكل حرية - البحث عن الجديد والأجد من المعاني والصور والأخيلة، وهو ماتمَّ من خلال تراكيبه اللغوية في الجمع بين مفردتين متنافرتين كما سبق، وكذلك باستخدامه للاستفهامات المتتابعة ضمن الكلام المستفهم به، مما يحدث مجموعة من المتغيرات على مستوى التركيب كما في قوله: 
أبتاهُ عاجلَني الزمانُ فلم أعد ** إلا غريباً يندبُ الأغرابا 
فمتى؟ ويحترقُ السؤال بمهجتي ** ومتى؟ وأقتاتُ السؤالَ جوابا 
ومتى؟ وهل تدري صباباتُ الحصى ** أنّ المُعنَّى بالحنينِ تصابى؟! 

 

والسؤال بطبيعته يبحثُ عن غامضٍ ويوحي بقلق القائل ويولِّد لدى المتلقي فضاءً واسعاً يجولُ فيه باحثاً عن شيءٍ ما لم يجده في الواقع المحيط، إلى جانب أنه (السؤال) يسيطر على أصحاب الذهن المتقد الذين هم دائمو التساؤل للبحث عن المعرفة والإطلاع على ما هو خارج محيطهم. وهذا كله متوفرٌ لدى المعرسي الذي أنبأنا سؤالُه المتكرر عن روحه القلقة، وفي الوقت نفسه عن رغبته العارمة في تخطي واقعه إلى آفاق أكثر اتساعاً ورحابة، خاصة إذا عرفنا أنه ألمَّ باللغة العربية وأجادَ كتابة الشعر بها رغم صغر سنه وعدم تخصصه بها واشتغاله بأعمال أخرى توفيراً للُقمةِ العيش لأسرةٍ هو عائلها الوحيد. 
 

التركيب العام للنص لازمته الاسمية منذ العنوان ومن بداية أول كلمة في البيت الأول وحتى آخر كلمة في النص، مما دل على ثبوت الحزن الذي يخيم ليس على الشاعر فحسب، بل وعلى واقعه ومحيطه، والشاعر ابن بيئته، وقد زاد من ترسخ هذه المهيمنةِ المستوى الإيقاعي للنص الذي ورد فيه حرف الياء 73 مرة ، وحرف الباء وهو حرف الروي 68 مرة وحرف النون 62 مرة، وهذه الأحرف الثلاثة كانت الأكثر وروداً في النص، ولها دلالة كبيرة على استيطانِ الحزنِ قلبَ هذا الشاعر المبدع الصغير الذي لم يتجاوز عمره الـ 24 عاماً (وقت كتابة هذه المجموعة) وله حتى الآن ثلاثة دواوين مطبوعة واثنان تحت الطبع.
 

إنّ حرفَ الياء بما يمثله من انكسار وانخفاض ليدل وبكل تأكيد على الحالة النفسية للشاعر التي تمثل الانكسار المعهود لكل يتيم، إلى جانب أنَّ حرف النون إذا أضفنا له التنوين الذي ورد في النص 14مرة يصير عدد وروده 76مرة، أي أكثر من الياء، وهو ما يدل على حالة الحزن التي تستولي على الشاعر كون حرف النون من الأصوات الجهورية التي تشي برغبة الشاعر بالبوح بحزنه عله ينفس عما به من خلال مجاهرته بما يكنه ويحس به. 
 

ونحن إذ نضيف التنوين للنون ليس اعتباطا، ولكن لأنه يملك النبرة الصوتية ذاتها لحرف النون، وهذا ما جعل حرف النون يتفوق على بقية الأحرف ليتوافق ومهمنة النص (حالة الحزن) وليؤكد رغبة الشاعر المكبوتة في البوح الذي تبدت فيه مشاعر الحزن و الألم، فيما حرف الباء الذي ورد 68 مرة وكان في القافية مطلقا قد أكد طغيان الحزن لدى الشاعر ورغبته في البوح كونه يدل على التوجع والأنين من خلال إطلاقه (با). 
 

وعلى كُلٍّ يجد المتلقي نصوصَ مجموعة المعرسي كاملةً ذاتَ قوافٍ أو أحرف رويٍّ إما منصوبة أو مجرورة أو ساكنه. بينما لم يرد له سوى نصين مرفوعين. وهذه دلالة قوية على استشراء الأسى والحزن في روح هذا المبدع الجميل الذي صاغ من حزنه قوالبَ شعرية ذات شكل فني بديع تجذب إليه السامع من مكان بعيد وتقنص إلى شِراكهِ كُلَّ ذوَّاقٍ عتيد. 
 

إنّ دلالة الجر والنصب والسكون بما تمثله من انكسار وأنين وشكوى وجمود قد وسمت نصوص المعرسي بالأسى والحزن، حتى إنها لتكشف عن نفسها للمتلقي بكل سهولة؛ ليجد مفردات الحزن قد طغت بشكل كبير على بقية المفردات. وحزن المعرسي يزداد وضوحاً وتجلياً في نصه (غربة الروح) الذي يبين من خلاله مدى غربته وغربة روحه المتألقة التي تحس بالغربة في زمن الغربة كما يقول البردوني رحمه الله: "عالمي غربةُ زماني غرابة" وهو ما نلحظه في المقطع التالي: 
إني ولليلِ أفواهٌ ينوحُ بها ** والصمتُ يزأرُ مثلَ الضيغمِ الضاري 
كنسمةٍ في مهبِّ الريحِ تحملها  ** مخالبُ الليلِ مِن غارٍ إلى غارِ 
أنأى بحزني وللأحزانِ في بدني **  رَحْلٌ وعهدُ فتوحاتٍ وأمصارِ 
وغربتي غربةُ الأوطانِ في وطني ** وغربةُ الروح في أهلي وفي داري 
قد خلّفتني بوادي الحزنِ راحلتي ** فرداً أنوءُ بأحزاني وتذكاري 

 

إنّ نصوص المعرسي لتفيض لوعةً وأسىً وأنيناً تتسربُ بمفرداتِها إلى القلوبِ لترغمَها على مشاطرته هذا الأسى وهذا الحزن الذي يكاد المعرسي أنْ يقتاته كل يوم، وكأنَّ الحُزنَ قد ضلَّ طريقه إلى الآخرين فلم يجد سوى المعرسي، وهو ما أفصحَ عنه بقوله: 
تثاءبَ الخطوُ في دربِ الأسى وغفت ** في جُبّةِ الليلِ آمالي وأوطاري 
كأنّما الحُزنَ لم يعرف سواي فتىً ** فباتَ نبضي وإعلاني وإسراري 
يا غربةَ الروحِ والأيامُ شاغرةً ** مخالبَ الحزنِ في أحضانِ أسفاري 
الدمعُ بوحي وأجراسُ الأسى نغمي ** وصهوةُ الحُزنِ ترحالي وأقداري 

 

أيُّ حُزنٍ وأيُّ أسىً أكثرُ مِن هذا الذي يعانيه المعرسي ويشاطره إياه كثيرٌ مِن الشعراء الذين تخونهم الكلماتُ عن الإتيان بما جاء به المعرسي للتعبير عن القهر الذي يعيشه عامة المبدعين الذين لم ينالوا من هذا الوطن الغالي ما يستحقون، في الوقت الذي أعطى غيرهم الكثير والكثير مما ليس لهم فيه حق؛ وتركَ أصحاب الحق على الصعدات يجأرون.


[email protected]

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص