الخميس 28 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
ملح وحجر- حميد عقبي
الساعة 14:36 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

ينحني الريحُ ليقبل ساق الوردة
يشتعلُ المطرُ فوق العشبِ
تسقطُ أوراق الشجرة متعانقات
تحركُ الشجرة أذرعها لترفع ستارة الضباب.
في زاوية أخرى غزالة كسولة
تنام في ضوء الصمت..
تستلم الوردة للرغبة
تُلقي بمعطفها

 

يتعثر القمر في مشيته
يترك كاسه الأخير ممتلئ
يحاول أن يفرغ طفاية السجائر
يتقيأ عدة مرات كي يستعيد عافيته.
يلهثُ

 

يسرع في خطواتهِ
في إتجاه عمود الإشارة الضوئية البكماء
يظنها عاهرة رخيصة الثمن
يكتشف أنه وقع ضحية الوسواس الخناس
ثم يرى ظل عاهرة رومانية على الجسر
يتحرك نحوها...

 

يكتشف أنها جذع شجرة تخلى عنه مكتب البلدية.
تحوم حول الضوء
فراشة لا تسئم من التحليق

..


يرتعش غصن الشجرة
تسقطُ قطرة ندى
أحاول التقاطها
تسبقني ضفدعة
تلتهما ذبابة
ثم تقفز من النافذة.

 

أشعل سيجارة ثانية
أنفث الدخان
يهرول مبتعداً يبحث عن منفذ للخروج
حرارة الصالة لا تطاق
على المنضدة شمعة واحدة
تشرب دمعتها الأخيرة ثم تتظاهر بالنوم
تختفي الفراشة
لا أدري هل وجدت منفذاً للخروج أم إصتدمت بالحائط؟

 

يقف الحائط منذ زمن
لوحة سوريالية
علقتُ عليها وجوه
اتأملها أحياناً
وأخشى النظرُ إليها في أحيان كثيرة.

 

يسوقني الخيال إلى دهاليزِ الجنون
تُغريني موائد الهذيان
أتذكركِ حينما يرتدي الكون ملامح الليل وأثواب الضوء والظلمة
هل تشاهدين هذا المنظر الذي أشاهده الآن؟
تهطلُ رائحة المطر

 

هنالك الطفل يحدق في عين النهر
يظنُ النهر سجادة من المريا
تبتلعُ الوجوه والمباني القديمة
هذه الكاتدرائية كنا نتوعد عند ظل ساقها الهرِم
يهبش الصقيع بعض أنفاسها
تمد يدها إلى النهر لتغسل خدودها
ثم تُعلق مايزيد عن حاجتها ليكون سحابة

 

كنتُ طفلاً صغيراً
أتحدثُ كما يتحدث الأطفال
نلعب كرة القدم بقوانيننا الخاصة
نصنع أحلامنا من أكياس بلاستيكية ملونة ومهملة
من عُلبِ النيدو
نلتقط أعقاب السجائر
ترفض أمهاتنا أن تعيرنا عود ثقاب
أنتِ كنتِ تصفيني أني الطفل المجنون
أود أن تظل كتاباتي لكِ وحدكِ
دعيني فقط أخبر أصدقائي بسقوط صواريخ على مئذنة الجامع القديم
في قريتي المؤمنة هناك

 

هرعت الناس لإنقاذ صوت المؤذن ينشد "حي على الصلاة"
الصوت يحترق إلى هذه اللحظة
يحترق معه تلاميذ المدرسة المجاورة لبيت الله
كانوا في حصة التجويد يرتلون سورة الرحمان
الناس بحاجة لمئة نبي كي تؤمن بالعدل
كي تتأكد منهم أن الموت ملاك سماوي ونوراني
أنا مقتنع بما سمعته عن الملائكة في طفولتي
ماسمعته منكِ
عنهم

 

هم طيبون هنا وفي البلدان الغنية
لكن في اليمن والعراق والشام الصورة مشوشة
المشكلة أن الأطفال هناك يرتبكون في رسم وجوه الملائكة
يرتبكون في رسم السحاب والبحر والدب الأبيض
لا يوجد سوى بقايا روائح متفحمة بصقها الموت
بقي من الألوانِ
الأسود والأحمر والرمادي الغامق
هل يسمح الله أن يرسمه الأطفال بهذه الألوان؟

 

كاتب وسينمائي يمني مقيم في فرنسا
 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً