الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
هواجس الكتابة النسائية - مصطفى لغتيري (قاص وروائي) عن مجلة الرافد الإماراتية
الساعة 13:51 (الرأي برس - أدب وثقافة)


بغض النظر عن الإشكال الذي يطرحه ما يسمى عادة بـ «الكتابة النسائية»، والذي غالباً ما يصنف المتتبعين إلى مدافعين عن المصطلح باعتباره يعبر عن حساسية كتابية موجودة في الواقع لا يمكن تجاهلها، وإلى رافضين له بدعوى أن الكتابة لا جنس لها، وأن تصنيف الأدب إلى أدب نسائي ورجالي غالباً ما تكون دوافعه أيديولوجية، فإن المرء ومن خلال متابعته المتواضعة لما تحبل به الساحة الثقافية من إنتاجات أدبية، وخاصة تلك التي تجود بها أقلام نسائية، يمكنه أن يلاحظ أن هذا الإنتاج، شأنه شأن ما ينتجه الرجال، ليس على شاكلة واحدة ولا يتمتع بمستوى واحد، إذ يتفاوت في الجودة ويختلف في التيمات التي يتناولها، وبناء على ذلك فمن الصعب الخروج بحكم واحد وشامل يصدق على ما تكتبه النساء بشكل عام، لكن ذلك لا يمنع من تسجيل بعض الملاحظات العامة التي هي –بالتأكيد- تحتاج إلى كثير من التمحيص، وهذا ما يتعين على النقاد أن يقوموا به بكثير من المصداقية والدقة.
 

فمن خلال مطالعتي لكثير من النصوص التي تبدعهها الكاتبات المغربيات، يمكن أن أجزم بأن قسطاً وافراً من هذه الكتابات تشترك مع ما يكتبه الكتاب الرجال من هموم وانشغالات نفسية ووجودية واجتماعية وثقافية وإيديولوجية.. فالمرأة الكاتبة ليست كائناً طارئاً حل على المجتمع من عوالم غريبة، بل هي وليدة هذا المجتمع المغربي، عاشت في نفس الأسر التي عاش فيها الكاتب المغربي، وخضعت لتربية تكاد تكون مشابهة لما خضع له هذا الكاتب باستثناءات بسيطة جداً، كما أنها اكتوت بالمشاكل الاجتماعية والسياسية وذاتها وخضعت للتكوين في نفس المدرسة المغربية بما لها وما عليها، وعاشت نفس الإحباطات نتيجة السياسات الفاشلة التي طبقتها الحكومات المتتالية، والمتميزة بإجهازها على الطموحات المشروعة للطبقات الاجتماعية الدنيا وشبه المتوسطة، التي ينتمي إليها الكتاب رجالاً ونساء، وبناء على كل ذلك فإن نصوص الكاتبات تأتي غالبا -شأنها شأن كتابات الرجال- محملة بكثير من الشكوى والألم، حاملة بين ثناياها صرخة احتجاج، قد ترتفع حيناً وقد تخبو حدتها أحيانا أخرى.. وإن كانت حدة هذه الشكوى قد تضاءلت بمرور السنين، بعد أن يئس كل من الكاتب والكاتبة على السواء من أي دور يمكن للأدب أن يؤديه تجاه التحسيس بمأساوية الوضع الاجتماعي الذي نحيا في كنفه، فركزا -أعني الكاتب والكاتبة- نتيجة لذلك على نصوصهما وحياتهما الخاصة، وقد ساهمت المرأة الكاتبة في هذا التوجه بشكل فعال، إذ إنها ساهمت في تحطيم الكثير من الطابوهات، والمتمثلة خصوصاً في التعامل مع الجسد، إذ باشرت المرأة الكاتبة نوعاً من الكتابة عن الجسد بكثير من الشجاعة، فقرأنا، بسبب هذا لتطور،نصوصاً لكاتبات يتحدثن عن أجسادهن أو عن جسد المرأة عامة بكثير من العفوية والشجاعة، كما لامس هذا النوع من التعاطي علاقتها بالرجل، إذ لم تعد المرأة موضوعاً لرغبة الرجل، بل أصبحنا أمام متخيل تتحكم فيه المرأة في جسدها.
 

إن ما تقدم من حديث يصدق على فئة من الكاتبات اللواتي استطعن أن يفرضن أنفسهن في المشهد الأدبي، بما يمتلكنه من موهبة ونضج وامتلاكهن لرؤيا خاصة بهن، تنبثق من خلال ما يدبجنه من نصوص، وهؤلاء الكاتبات لا يمكن للمرء أن يشعر بأي فرق بين ما يكتبنه وما يكتبه زملاؤهن الرجال، لكن هناك صنفاً آخر من الكاتبات اللواتي لم يستطعن بعد تجاوز الكتابة من خلال البوح، الذي يعد مرحلة أولية في مسار الكتابة تنحدر بها على الخاطرة والكتابة الإنشائية البسيطة، وأظن أن الأمر لا يقتصر على الكاتبات فقط، بل يشترك معهن في ذلك بعض الكتاب كذلك.
 

و إن كنت أميل إلى اعتبار الكتابة لا جنس لها، فهي إما كتابة جيدة أو ضعيفة، فإنني مع ذلك أعتبر أن التجربة الحياتية الخاصة للمرأة، والتي لا تشترك فيها مع الرجل من قبيل الحمل والإنجاب قد تمنحها خصوصية ما، تؤهلها لتناول بعض الموضوعات تناولاً خاصاً، لا يتأتى لزميلها الكاتب، وهذا لعمري يساهم في إغناء الأدب وتقويته، لذا يتعين النظر إليه بإيجابية، بعيداً عن أية نظرة شوفنية ذكورية أو نسوانية متعصبة.
 

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً