الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
"المغامر" و"كلاب الراعي" - منير عتيبة
الساعة 17:29 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

صدرت رواية "المغامر" للدكتور أحمد حسن صبرة عن دار العين سنة 2014، وصدرت رواية "كلاب الراعى" للمستشار أشرف العشماوى عن الدار المصرية اللبنانية سنة 2015.

ولأننى أثق تماما أن كلا الكاتبين لا يعرف أحدهما الآخر، ولم يقرأ أحدهما عمل الآخر، لمعرفتى بالكاتبين، ولأن الفارق الزمنى بين صدور الروايتين حوالى ثلاثة أشهر فقط، لذا يبدو مثيرا للتأمل أن ننظر فى الروايتين معا.

تتناول رواية المغامر فترة احتلال الفرنسيين لمصر بحملة نابليون بونابرت بشكل أساسى، لكنها تشير أيضا إلى الفترة التى تلى خروج الحملة الفرنسية حتى تولى محمد على حكم مصر فى أغسطس سنة 1805، وهى أول رواية أعرفها تتناول هذه الفترة فلا نرى قائد الفرقة الألبانية (الأرناؤوط) محمد على فى مصر فجأة، بل تقدم حياة محمد على منذ مولده حتى وصوله إلى مصر. 

يحرص الكاتب فى رواية المغامر على أن يقدم أحداث تلك الفترة من خلال ثلاثة من الشباب المصرى ذوى التوجهات المختلفة، أحدهم ثائر على الفرنسيين والمماليك معا، والثانى متعاون مع الفرنسيين، والثالث لا يهتم بالسياسة أصلا وإنما هو مشغول بلقمة العيش.

وتبدو صورة محمد على كمغامر براجماتى بالسليقة منذ طفولته، جاء إلى مصر غير راض عن ترك تجارته فى ألبانيا، ويريد العودة بأسرع ما يمكن، ثم يكتشف بذكاء أنه فى بلد بلا حاكم حقيقى، ويعمل بدهاء على أن يكون هو هذا الحاكم، ويصفه الكاتب بأنه مغامر، أى يفعل كل ما يجعل مغامرته ناجحة ويجعل من نفسه الفائز الأوحد، وبالتالى فكل ما فعله لمصر أو فى مصر كان فقط من أجل محمد على نفسه، وليس من أجل مصر والمصريين، وبذا لا يستحق أن نجعله فى عداد محبى وعشاق مصر الذين عملوا من أجلها ولأجل ناسها، إنما هو محتل كأى محتل آخر كان يعمل من أجل نفسه حتى لو عادت بعض هذه الأفعال بالنفع على أهالى البلاد..

ولأنه كان يعمل لنفسه فقط فإن معظم ما قام به من أعمال كان كالزبد الذى لم يمكث فى الأرض ولم ينفع الناس، فالمصانع والمزارع والجيوش إن لم تكن من أجل الشعب فهى ليست شيئا حقيقيا يستحق الإشادة، إنه حتى لم يكن يعرف لغة أهل البلاد ولم يهتم بأن يتعلمها.

أما رواية "كلاب الراعى" فتدور كلها فى الفترة التى أعقبت خروج الفرنسيين من مصر حتى تولى محمد على السلطة. وفى الرواية نرى محمد على الثعلب الداهية الذى يلعب بكل الأوراق المتاحة ليحقق الفوضى الخلاقة التى يستطيع من خلالها أن يصل إلى عرش مصر، يلعب بزعماء الشعب، والمماليك، والوالى العثمانى، والقناصل الأجانب، وعندما يصل إلى الحكم يتخلص من كل من وقفوا معه سواء عمر مكرم قائد الشعب أو الشاطر حسن ممثل الشباب الثائر.

نلاحظ أن ممثل الشباب الثائر فى الروايتن اسمه حسن (ولقبه فى كلاب الراعى الشاطر حسن) ويعمل وراقا وخطاطا فى المغامر، وخطاطا ومؤرخا فى كلاب الراعى، وهو فى الروايتين يصطدم بأى سلطة إذ يجدها لا تعمل من أجل الشعب ولا تحقق ما كافح الشعب لأجله، يحارب الفرنسيين والمماليك ومحمد على، لكنه ينهزم فى النهاية، لأن كل سلطة تستعين به للتغلب على الأخرى ثم تحاربه هو ذاته، فهو نموذج الشاب الثورى المثقف الذى يضحى بكل شيء من أجل الوطن.

تحكى رواية المغامر فى خطين متوازيين غير متقاطعين فى الفصول الأولى التى تبين الأحوال فى مصر مقابل قصة حياة محمد على خارجها، وتكون فصول مصر أطول من الفصول التى تتحدث عن محمد على، ثم يبدأ الخطان فى التقاطع عندما يأتى محمد على إلى مصر، ويندمج الخطان تماما فى الفصول الأخيرة مع ملاحظة أن نصيب محمد على من كل فصل يكون أكثر من أى شخصية أخرى، وكأن الكاتب يريد أن يعبر عما حدث فى الواقع من ابتلاع المغامر للبلاد من خلاله ابتلاعه لمساحات السرد الروائى، ويغلب على السرد الواقعية، ويكثر به الحوار خصوصا بين الأصدقاء الثلاثة الذين يمثلون أنماط التفكير السائدة فى تلك الفترة.

أما "كلاب الراعى" فالسرد فيها يسير بشكل خطى مع حرص كبير على االتشويق سواء بالأحداث أو بالجمل القصيرة اللاهثة، وكثير من المغامرات فى أجواء مختلفة تذكر فى معظمها بمغامرات على الزيبق، ولا يكثر الحوار فى الرواية إذ تغلب عليها المشهدية والوصف الحركى الخارجى والأجواء الحلمية والكابوسية، أكثر من التأملية التى توجد فى كثير من مقاطع المغامر.

إن النظرة السريعة للروايتين تضعنا أمام السؤال المهم: لماذا هذه الفترة بالذات؟ ولماذا الآن؟
لا يعود الكاتب إلى التاريخ ليقدم من خلاله عملا روائيا بشكل مجانى، فالكاتب مهموم أساسا بواقعه الآنى المعيش، لكنه يعود إلى التاريخ لأسباب عديدة، منها أنه يبحث فى التاريخ عما يشبه لحظته الحالية، لعله بفهمه للحظة التاريخية يستطيع أن يكون أكثر فهما لواقعه المعاصر وبالتالى أكثر قدرة على التأثير فيه وربما تغييره استنادا إلى التعلم مما حدث فى الماضى، وهو ما تنبئ به رواية كلاب الراعى.

وقد يعود الروائى إلى التاريخ ليؤصل للحظة التاريخية الراهنة ويرى الأسباب التى كانت هذه اللحظة من نتائجها، ويتعرف على جذور ما هو كائن فيما كان، متأملا السيرورة التاريخية، وأيضا بغرض فهم ومحاولة التعاطى الإيجابى مع اللحظة الراهنة، وهو ما تشير إليه رواية المغامر.

وبالتالى لا يمكن أن ندعى موت المؤلف ونفصل زمن الكتابة عن نتائجها، فالروايتان مكتوبتان ومنشورتان بعد ثورة شعبية عظيمة ربما لم تنته بعد هى ثورة 25 يناير 2011، وربما لأنها لم تنته بعد فقد كان لابد من العودة إلى التاريخ؛ كلٌ بطريقته، لكى نضئ أكثر لحظة الثورة الراهنة، لنكون؛ كتابا وقراءً، أكثر قدرة على فهمها والتعامل معها برغم مايشوبها من شد وجذب وضبابية وفوضى معلوماتية وصراعات واضحة وخفية، كما كان الحال فى الفترة التى تناولتها الروايتان.

 

منقولة من بوابة الأهرام ..

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً