الاربعاء 25 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
برمودا - جليلة الأضرعي
الساعة 13:57 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


أسكن بسلام جوار أحلامي البريئة , أستند إلى دفاتري وأقلامي , أتطلع من نافذتي .. أراقب النجوم , كيف تسبح في ملكوت الله , أقطف إحداها كي ترافقني في رحلتي الطويلة , أبوح لها بكل أسراري , فتهديني وميضاً منها , كي أتذكرها ما حييت ... سكون يجرني إلى عالم النعاس اللذيذ , فأتحول إلى يرقة صغيرة تنسج حولها ذكريات الماضي وأحلام الغد.
يخدش سكوني ويقهقر سلامي مطبات هوائية، ثم اهتزازات متتالية.. واضطرابات يفسرها صوت المضيفة وهي تعلن عن أمر جلل، تفتح سيلاً من التحذيرات .

 

الركاب يبدؤون بالغناء الصاخب ، يتمايلون على بعضهم بعري فاضح وكلمات بذيئة، لم أفهم الأمر ، وكأنهم بُشروا بأمر ما.
ارتعشتُ .. سقطت ألواني ودفاتري .. تناثرت أحلامي .. رأيت جميع موتاي أمامي .. ابتهلت بالدعاء والصلوات .. كابتن الطائرة يخبرنا بأنه فقد السيطرة .. وأن أجهزة الطائرة لا تستجيب، و ليس لنا سوي اللجوء إلى الله. انقلبت الطائرة رأساً على عقب .. اختلط الركاب ببعضهم..
السعادة تغمر الجميع عداي .. اشتد دوران الطائرة ، الاحتفال مستمرً .. صرختُ .. أمرتهم بالصلوات ، لا أحد يأبه، لمحتُ النافذة.. طُمستْ النجوم وسط سحب كثيفة معتمة .. في كل جزء من الثانية ، تزداد الحالة سوءاً .. أشعر بارتطام ، ثم بدوران لا متناهٍ .. أيقنّا بالنهاية.
سقوط أكيد محفوف بالصخب والمجون والصلوات .. غبتُ عن الوعي .. أياماً .. ساعات .. لا أدري !
ينقشع ضباب عينيّ شيئاً فشيئاً ، اشعر بجسدي ، لكني لا أراه! ما الذي حدث؟ أين أنا ؟ قرصتُ نفسي، لم 
أشعر بألم ! 
إذن قد مت، العجيب أني أشعر بنبضات قلبي؟ هل عانيت من سكرات الموت؟ أين الذين كانوا معي؟ لا بد أنهم كانوا لعنة على الطائرة ؟ كم الوقت الآن ؟ أم أنه فُقد مع من فقدوا؟ أدور حول نفسي ، لا شيء سوى بحر وفضاء واسع ، خال من أي شيء ، لا نجوم لا شمس لا 
قمر لا يابسة لا سماء لا شيء.
الخوف ينهش جسدي الغائب و الأسئلة تمزقني .. تهاوتْ كل القوانين الكونية .. والفرضيات المنطقية .. أقف على قدميّ ، ابحث عن متطوع يفسر لي ما حدث ويحدث .. أدور .. أتفحص .. أبحث .. تاهت عيناي في فراغ سحيق لا متناه ، ودخان كثيف يعتم الرؤية.
ألمح ناراً ، دعكتُ عينيّ .. عاودت النظر .. ذهلتُ مما تترجمه عيناي .. لمحتُ عرشاً عظيماً من نار ، يطفو على الماء، يعتليه مخلوق من نار جماله عجيب، وعلى رأسه تاج من نار وفي يده سبحة من رؤوس بشرية أعرفها ؛ إنها لركاب الطائرة الذين كانوا معي ، تحت قدميه تخر فيالق من الخراف والعمائم ساجدة له .. هتافاتهم أجراس مدوية تخلع القلوب ، وبجواره هرم عظيم على قمته تسكن عين جاحظة يتيمة , شديدة البروز والقبح، مغلولة بسلاسل وقيود شديدة الإحكام، لكنها تحدق بالخراف .. تراقبهم، وهم يطوفون ويرقصون ويغنون برقاب خاضعة وإرادة مسلوبة.. يهتفون بما يلقنهم صاحب التاج .

 

تتوالى الأسراب والهتافات وأقف أنا مذهولاً أراقب طوفانهم ورحيلهم غير مصدق لما يحدث.
انسلخت كل قواي .. استقام شعر رأسي .. وأنا ألمح صاحب العين الجاحظة يحدق بي .. 
ماذا لو انفكت قيود هذا المخلوق التعيس؟ 
ماذا سيحل بي؟ 
هل سيضم رأسي الى سبحته ؟
هل سيأمرني بالسجود له ؟
وماذا لو رفضت؟
وكيف رأني بينما لا أراني؟ 
لا بد من مخرج ونهاية لكل ذلك ..كان صوتي غائباً مثلي .. بكيت .. دعوت .. هربت .. بل جريت بقوة الخوف والأمل بأن أكون ضحية كابوس لعين.. استنزفت كل قواي في الهرب .. لكني لم أتقدم بوصة واحدة .

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً