الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
متى تتحقق روائية الرواية؟ - مصطفى لغتيري
الساعة 15:51 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


لاشك في أن الرواية كجنس أدبي كسبت وما زالت تكسب مزيدا من الاهتمام في الوطن العربي، ليس لدى الكتاب فحسب، بل ولدى القراء كذلك، فمبيعاتها مثلا تتجاوز مبيعات جميع الأجناس الأدبية الأخرى، وقد حظيت بسبب ذلك بكثير من الحدب من قبل المؤسسات الثقافية العربية، فخصصت لها جوائز كبيرة، كجائزة البوكر وجائزة كتارا، فتضاعف نتيجة لذلك وبشكل كبير الزخم الذي تتمتع به الرواية أصلا، حتى عدها كثير من المتتبعين "ديوان العرب" الجديد، بدلا عن الشعر الذي استحوذ على الذائقة الأدبية العربية لمدة طويلة .
 

وأمام هذا الكم الهائل من الروايات التي ترفدنا به تباعا دور النشر العربية من المشرق والمغرب، وهي بالطبع روايات تتفاوت في قيمتها وجودتها، كان لزاما علينا أن نطرح سؤالا مشروعا عن روائية الرواية، متى تتحقق ويقتنع القارئ بأنه بالفعل أمام نص يستحق اسم رواية.
 

طرحنا هذا السؤال على المبدعين في غاليري الأدب ككتاب وكقراء طبعا، فتفاوتت الأجوبة التي تعددت وتباينت بشكل واضح، مما يجعلنا نقتنع بأنني حقا أمام إشكال حقيقي يتمثل في روايئة الرواية.
ردا على سؤالنا كعادتها استفاضت الشاعرة سعدية بلكارح رئيسة غاليري الأدب في الإجابة فقالت بأن روائية الرواية تتحقق عندما تحقق لديها اقتناعا تاما وإيمانا قويا بأنها خلخلتها، وتأخذها في زوبعة دون الإحساس بأي خلل أو ثغرة في البناء الحكائي، وعندما تضيف إلى رصيدها الثقافي والحياتي الكثير، فتعكس ما بداخلها من الطابوهات المسكوت عنها، وتترجم بعمق ما حولها مما لا تجد له سبيلا لقراءته أو تصويره.. وتضيف الشاعرة بلكارح قائلة تتحقق هذه الروائية حينما " تتلبسني إحدى شخصياتها وأحسني بداخلها كليا..لا نبرح بعضنا حتى بعد انتهاء الرواية ..وعلى مدى زمن..أستعيد نفس الإحساس كلما تذكرتها أو قرأتها من جديد.. عندما تجسد أحداثا وزمانا خارج الأحداث والزمان من الخرافة والخيال أحيانا وأصدقه. فالرواية التي تبني أحداثها ورؤاها على أنساق متعددة..ونظريات متعددة..وإيديولوجيات متعددة مع إشراك المتلقي في التأثيث والحدس والتأويل..بالإضافة إلى المعطيات الآنفة، أعتبرها ناجحة بكل المقاييس..لأنها لامست نوعا من تحديات التجديد والتطور..في الكتابة الأدبية الحديثة..".

 

أما المبدعة زبيدة أوبحو فركزت في ردها على دور القارئ الذي اعتبرته محوريا في تقييم الرواية حين قالت بأن كل إبداع تفاعل معه القراء وشوقهم لمعرفة المزيد ،بنهم كبير فهو إبداع حقق المطلوب تحت أي إسم وضعه النقاد فهو إبداع وصل إلى غايته
 

فيما رأى الشاعرصلاح الدين بشر بأنه بالإضافة إلى ضرورة توفر العمل الروائي على كل المقومات والخصائص الفنية التي يشرطه كجنس قائم الذات، مع الأخذ بعين الاعتبار مخاضات التجريب ،فإن تحقق الروائية لا تكون إلا بموضوعيتها الملحمية البعيدة عن الغناء الذاتي وأن يصدر النص الروائي عن قضية من جوهر الحياة الإنسانية من المنطلق المحلي إلى البعد العالمي الكوني..الرواية – يضيف الأستاذ صلاح- فعل تغيير وليست فعل وقوف على الأطلال لأنها ملحمة بورجوازية ،على حد تعبير جورج لوكاتش، وبعيدا عن الأيديولوجية وقريبا من عمق جمالية التقبل والتلقي للواقع المنحوت تخييليا وجماليا..الروائية هي صنعة للتحف التخييلية والجمالية المطروحة على قارعات الواقع..والروائي الحاذق في صنعته هو الفنان القادرعلى صوغ تحف ساحرة الجمال والفن من مادة الواقع المعيش...
 

وقد انطلق الأستاذ هاني أبو النعيم في رده على سؤالنا من قوله بأن الرواية عالم متخيل يتماهى مع الواقع، لكنه لا يكونه، يدس الفكرة كجرعة دواء يشعر بها القارئ سريعا وقد تستغرق مدى أطول، وتكمن قيمة الرواية برأيي في اكتشاف القارئ بأنه يحمل من صفات شخوصها ومسلكياتهم وأفكارهم الطيبة ليعمل على تعزيزها، والخبيثة المنفرة الممجوجة المرفوضة التي لا يجد مناصا إلا محاولة التخلي عنها ولو كانت في حكم العادة والطبع والنهج، بعد أن يدرك أنه بات تحت مجهر من يراقبه ويتتبعه.
 

وقد كان الأستاذ محمد لفطيسي مقتضبا في رده حين قال أن روائية الرواية تكون حاضرة بقوة عندما تتحقق المتعة والفائدة والسحر والانجذاب وإعادة القراءة. وضرب مثالا في ذلك برواية "زنبقة المحيط" لمصطفى لغتيري.
 

أما الأستاذة لطيفة بوسيف فغلبت في ردها على سؤالنا كفة المعيار التذوقي حين قالت بأن روائية الرواية تتحقق حسب رأيها حين يغوص المتلقي في القراءة و ينسلخ عن عالمه ليعيش في عالم الرواية وشخوصها،وحين تأسره اﻷحداث لدرجة تهتز معها نفسه في كل منحى تنحوها،و حين يضع القارئالكتاب بعد آخر صفحة، فيحس بأنها قد تركت فيه بصمة...و ان شيئا ما قد تغير فيه لﻷبد...!
أما الأستاذ ميلود فيروشاح فذهب إلى أن الروائية تتحقق حينما تتوفر مقومات أساسية وتيماث مفصلية ومتلق مؤهل عندئد تتحقق المتعة وتنبري المعمارية والصنعة الفنية، فلولا تظافر تلك الثوابث لما أحسسنا بلذة النص حسب رولان بارث ولما شعرنا بالامتلاء.

 

من جانبه قال الأستاذ ادريس أحمد الشريف بأنه كلما كانت الكتابة الروائية ذات دلالات واضحة، وتثير شهية القراء واهتماماتهم، وكلما جرأ الكاتب على تناول قضايا المجتمع الحساسة والدقيقة بالتحليل والنقد، كل هذا يؤدّي دون شك إلى اتساع أفق الرواية وتحقيق النجاح..
أما الأستاذ النشيط صابر الشرقاوي الصالحي فقد كان أكثر تسامحا واعتبر كل الروايات ناجحة من حيث إنها جهد الكاتب و تعبه و سهره .

 

وأضاف قائلا بأنه حين يتوافق زمن الصدور مع موجة الحدث المعيش وتلبي حاجيات القارئ النفسية و تشبعه بزخارة الحكمة والمعاني العميقة المنفتحة على قراآت مترامية الدلالات تفتح شهيته الأدبية و العلمية.
 

فيما رأت الأستاذة سمية أرهام بأن من مقومات نجاح الرواية أو القصة تكمن في تمكن الكاتب من اللغةالتي يكتب بها ودرجة التشويق وطريقة السرد وتسلسل الاحداث وإثارة القارئ وتوظيف تجربته في الكتابة واستثمارخيالهالروائي لصياغة القصة حتى لايصيب القارئ بالملل .
أما المبدعة أمينة فارس باهي فذهبت إلى أن الرواية الناجحة هي تلك التي يستطيع الكاتب حبكها من دون أن يترك للقارء فراغ للتفكير بأن الكاتب أصابه عياء عند هذه الفقرة أو أخرى وكذلك بأن لا يترك للقارئ الفرصة بأن يشعر أن الكاتب يقوم بتكرار بعض المفردات أكتر من غيرها.. أو بعض الفقرات.. وتضيف قائلة بأن الرواية كالماء يجب أن تنساب من النبع دون أن تشعر أنها تعود دائما إليه..

 

وقد حدد الأستاذ خالد مزياني من جانبه روائية الرواية في قوة تأثير النص الروائي عند المتلقي حيث تحدوه الرغبة لإعادة قرائته أكثر من مرة وهذا ما يحدث معه-كمايقول الأستاذ خالد- مع بعض الروايات، ولا يشترط أن يكون أصحابها روائيين عالميين او محليين,
وكان ختام هذه هذه الأراء مسكا برد الأستاذ أحمد بساس الذي وظف في جوابه استعارة جميلة حين قال بأن الرواية بذلة من إبداع الروائي، يصممها على مقاس محيطه أو فكرة،بعد أن تكون قد شغلت تفكيره ووجدانه، وكلما دقق في إبداعه بلمساته الفنيية أبهرت الرواية المتلقي ونالت إعجابه لكونها تبرز ما خفي عنه أو ما لم يستطع التعبير عنه أو فهمه.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً