الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
المبدعون والنقاد - منير عتيبة
الساعة 20:17 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

لأن الكاتب التونسى الكبير د.صلاح الدين بوجاه يجمع بين المبدع المتميز والناقد الرصين، فقد سألته كيف يرى إبداعه بعين الناقد، ولماذا يعانى الواقع النقدى العربى، خصوصًا أن بعض النقاد يعملون من خلال قوالب جاهزة..

فأجابنى: يراه صاحب "محاولات"؛ فهو يسعى إلى تكوين مشروع متكامل، لكن هذا لا يعني أنه قد نجح في ذلك. نترك الأمر للنقاد الآخرين، ولحكم التاريخ، والظروف، فهي وحدها الكفيلة بتمام الأمر. لعبة الفصل بين الناقد والمبدع، لعبة طريفة، لكن نرجئها إلى وقت آخر!

أنا معك في غياب الحركة النقدية العربية غيابًا تاما. أنا نفسي لست ناقدًا! إنما هي مجرد دراسات للحصول على شهادات جامعية، لا غير! لهذا أتشبث بتقديم نفسي على اعتباري مبدعا! النقد صعب جدا في غياب فلسفة عربية، والفلسفة غائبة.. كيف يحضر، والتنويع، والابتكار، والإضافة؟

التعامل مع الأدب باحترام خصوصياته من قبيل أخف الأضرار. إنما تسليط نظريات خارجية فهذا تمام الخطل يا صاحبي. مشكلتنا في الجامعة التونسية، وفى أغلب الجامعات، الإمعان في تسليط النظريات الغربية على الأدب العربي، والإمعان في تقديسها، أنا في سريرتي أسخر من هؤلاء، لكن منتهى ما هنالك هو أن يقال إنّ هؤلاء من النقاد لا غير!!، أي أنهم ليسوا أدباء!

ويرى الروائى الكويتى طالب الرفاعى أن هناك "تردي حال النقد"، وسبب ذلك هو عدم وجود نظرية نقدية عربية واضحة الروح والمعالم، إضافة إلى وجود الكثير من المجاملات والشللية. وبالنسبة لي فلقد حازت جميع أعمالي القصصية والروائية بكتابات وأمسيات نقدية عربية كثيرة، وعلى امتداد الوطن العربي، وفي مختلف المجلات والجرائد العربية. 

وأظن أن ذلك في محصلته جاء لصالح أعمالي وسمعتي الأدبية، فكل أديب مهما علت قامته هو بحاجة لتسليط الضوء على أعماله، وإلا ظلت حكرا على فئة بعينها.

ويبدو د.محمد المنسى قنديل فى حالة تصالح مع النقد والنقاد: علاقتي بالنقاد رائعة، على قدر ما قدمت على قدر ما أخذت، عندما كنت في بداية طريقي الأدبي، كتب الناقد الكبير على الراعي عن مجموعتين قصصيتين لي مقالا في مجلة المصور بعنوان" المنسي قنديل وقصصه القادرة" قال فيها أنني قادر على كتابة أي شيء، تصور ناقدا كبيرا مثل الدكتور الراعي يقول هذا عن كاتب ناشئ، لقد أسعدني كثيرا، وحين اتصلت به لأشكره قال لي، أنا الذي يجب أن أشكرك لأنك أمتعتني، وأعتقد أن هذا يلخص علاقتي بكل من كتبوا عني، لم يكتب عني كاره، كتب عني كل من هو محب، لم يؤلمني إلا قول من ناقد شاب قرأ لي متأخرا أنه لم يتصور أن كاتبا مصريا بهذا الحجم مازال على قيد الحياة.

وصديقى الناقد العراقى د.ثائر العذارى عندما يجيبنى على سؤال حول فوضى النقد العربى وعدم وجود نظرية نقد عربية يطوف فى العلاقة بين النقد والفلسفة والتاريخ والسلطة، رأى مهم من الجيد أن نستمع له طويلا: بالطبع لا أحد يستطيع الادعاء أن هناك نظرية نقدية عربية اليوم، بل أننا نعيش في فوضى نقدية عارمة ومضحكة أحيانا..

وثمة أطنان من كتب النقد التي طبعت في السنين الأخيرة لن تخرج منها بشيء إذا قرأتها سوى ضياع وقتك وتشتيت أفكارك في فوضى المصطلح المضطرب، واللغة الملوية الأعناق، ولكن من حقنا أن نتساءل عن السبب الذي أدى بنا إلى هذا الواقع النقدي المأساوي. 

من الشائع الآن أن يقال أن سبب الفوضى النقدية هو أننا أمة لا تمتلك فلسفة تكون حاضنة تترعرع فيها الأفكار والنظريات، والقائلون بذلك يستدلون عليه بقراءة تناسل النظريات النقدية الغربية في رحم المنظومة الفلسفية ابتداءً من أرسطو وانتهاءً بآدم سميث، ولا أرى هذا التعليل واقعيا، فإذا كانت الفلسفة –كما أفهمها– هي الرؤية الكونية التي تقدم تفسيرا للظواهر وتحاول الوصول إلى جوهرها، فمن الظلم أن ننكر على أنفسنا امتلاكنا الفلسفة، فقد ترسخت المفاهيم الفلسفية التي بنيت على العقائد الدينية في أعمق بنى الثقافة العربية. 

ومن يعلل الأمر بالافتقار للفلسفة لن يستطيع أن يعلل تطور الأدب تطورا منطقيا عبر تاريخه العربي دون توقف بالتزامن مع ارتباك النقد وتأخره عن اللحاق بمسيرة النص الأدبي. أليس النص الأدبي هو الآخر جنينا يترعرع في رحم الفلسفة؟

أما تفسيري للأمر فهو أن أكثر من ألف سنة من عمر الدولة العربية الإسلامية رسخت في الوعي العربي منظومة معرفية مبنية على أن هذه دولة الله والإسلام، وأن لا علاقة بين جور الحكام وكينونة الدولة التي لا يمكن أن يهزمها أعداؤها، لأن هزيمتها تعني هزيمة الإسلام، وعند اشتعال الحرب العالمية الأولى انهارت تلك الدولة في أيام معدودات وانهارت معها تلك المنظومة الثقافية التي اتضح زيفها، من غير أن تكون هناك ثقافة أخرى بديلة تحت اليد. 

ولأن (المغلوب يقلد الغالب دائما) كما يقول ابن خلدون، انبهر العربي بهذه القوة التي هزمته، فراح يغوص في ثقافتها محاولا التشبه بها. 

إن أبسط بحث ابستمولوجي للتطور المعرفي منذ الحرب الأولى إلى الآن سيوضح أن كل ما حدث في الثقافة العربية لم يكن إلا سلسلة من التجارب للبحث عن المنظومة المعرفية البديلة، وهذا أدى إلى ظهور خليط غير مفهوم من الاتجاهات المعرفية، كأن تجد ماركسيا متدينا أو تاجرا كبيرا يحدثك عن مزايا الاشتراكية وهكذا. أنا أشبه هذه الحالة بميكانيكي يحاول تفكيك آلة ظلت تعمل لمدة طويلة، فهو يجرب أداة لفك مساميرها وصواميلها فإذا لم ينجح رماها والتقط أداة أخرى، وأحيانا يؤدي سوء استعمال الأداة إلى تشويه الصواميل..

وهذا ما حدث مثلا أبان الخمسينيات، عندما كانت الأداة الملتقطة هي الواقعية الإشتراكية، فكان الناقد يتحدث عن الثورة الراديكالية وينطق باسم الطبقات (الكادحة) ويشن الحرب على (المستغلين)، فأعطته هذه المصطلحات سلطة (أخلاقية)، أجبرت النص الأدبي أن ينحرف عن مساره الطبيعي لنجد أنفسنا أمام كم كبير من النصوص التي لا تعدو في أفضل الأحوال أن تكون تقارير اجتماعية أو سياسية لا علاقة لها بفنون اللغة.

 

منقولة من بوابة الأهرام .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً