الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
أنيس الرافعي: كلما أخطأت في النحو سجنني أبي! - حاوره شريف صالح
الساعة 18:49 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

لكل منا بداية.. وما أجمل البدايات.. محبة أول كتاب قرأناه.. وفرحة أول جائزة.. كُتاب تركوا فينا بصمة لا تمحى.. وكلمة شجعتنا على مواصلة الطريق.. أصدقاء وأفراد من الأسرة احتفوا بنا وآخرون تمنوا لنا الفشل.. وعبر رحلة الكتابة تولد طقوسنا ومزاجنا الخاص.
النهار تحتفي هنا بتجارب المبدعين وبداياتهم.. وفيما يلي دردشة مع الكاتب المغربي أنيس الرافعي:

 

هل تذكر أول كتاب وقع في يدك؟
 

إذا لم تخذلني الذاكرة، كتاب في صالون العقاد كانت لنا أيام. ففي فترة صبايّ، كان والدي كلما أخطأت في النحو، يسجنني عقابا لي في غرفة صغيرة بالبيت تضمّ مكتبته، وأثناء فترة الأسر كنت أتسلّى بتقليب الكتب، فكان المؤلف أنيس منصور، الذي استطاع المزج بين مذكراته الذاتيّة و ذكرياته الشخصيّة في صالون العقاد الأدبيّ، فتعرّفت مبكرا على مصادر المعرفة والوعي لديهما، وعلى بلاغتهما وروعة أسلوبهما. 
 

 

جائزة .. أو كلمة .. شجعتك على مواصلة الطريق ؟
 

سطر واحد، قرأته في حوار بجريدة القدس العربي للأديب المصري الكبير وحيد الطويلة، يشيد فيه إشادة مبهرة بنص قرأه لي . وبعدها حصل على هاتفي من كاتبة مغربية زارت القاهرة، ثم قال لي انتظرني في مطار محمد الخامس. لم أصدق أنّ الرجل شدّ الرحال من الدوحة ليزورني فقط . ومن يومها، ونحن نرتبط بصداقة عتيدة لم تزدها السنوات إلا وهجا ومحبّة . 
 

 

كاتب ترك بصمة مهمة عليك؟
 

خوليو كورتزار الذي يبقى في تقديري أعظم كاتب للقصة القصيرة في العالم. في مجموعته أوكتايدر توجد قصة قصيرة بعنوان: مخطوطة عثر عليها داخل جيب، وهي من أصعب النصوص في تاريخ هذا الفن من فكّ شفرتها ونفذ إلى طبقاتها الرسوبية، علم كل أسرار هذا الجنس الأدبيّ الصعب والمراوغ.

 

 
متى وكيف نشرت أول نص؟
 

أعتقد كان ذلك في العام 1989 أو 1990 في صفحة على الطريق لجريدة الاتحاد الاشتراكي، التي كان يشرف عليها آنذاك الشاعر الصارم والزاهد في الأضواء عبدالحميد بنداود، الذي كنا نلقبه الجنرال . أرسلت النص بشكل عاديّ عبر البريد، وفي غضون أسبوع نشر . وبعدها اتصلت هاتفيا بعبد الحميد بنداود لأشكره، فطلب مني المواظبة على بعث نصوصي القصصيّة . هذا النص الأول للأسف الشديد لم أعد أتذكّر اسمه، ولا أحتفظ به في أرشيف الشخصيّ . لقد ضاع في ظروف غامضة . ربّما، هذا هو قدر النصوص الأولى، أن يبتعلها النسيان الجميل . 
 

 

كيف تفهمت الأسرة رغبتك أن تصبح كاتبا؟
 

العائلة لم يكن أمامها خيار سوى الاذعان، فالأمور محسومة بالنسبة لي. جل ما أخشاه أن أكون قد أتعبتهم بمزاجي الحاد، وأنا ممتن لهم لأنهم رعوا طوال هذه السنوات، بين كتاب وآخر، صعودي إلى الكسر وخروجي من الجبيرة . 
 

 

هل هناك أصدقاء شجعوك؟
 

دعني أخبرك بواقعة غريبة نوعا مّا، وأعتبر أنها كانت محفزة لي أكثر من تشجيعات الأصدقاء. ينحدر والدي من زاوية تسمّى سيدي رحال، ولقد دأبت الأسرة على زيارة موسم الولي الصالح كلّ عام . في مستهل مشواريّ الأدبيّ، كنت قد نشرت نصا أو نصين، حدث أن توجهنا إلى هنالك. وأمام البوابة كنت أرقب مشهد دخول رجال ونسوة إلى القبة، وبيد كل واحد منهم شمعة وقالب سكر، فكانوا ينحنون على ركبهم إلى جانب الستارة الخضراء للقبر، ويوشوشون بأمنياتهم أو تضرعاتهم طلبا لعطايا وكرامات الولي. قلت مع نفسي لم لا أفعل مثلهم، فحملت بدوري شمعة، ثم ولجت الضريح. وعندما انحنيت على ركبتيّ أمام الستارة الخضراء، وشوشت للولي بالكلام التالي : أنا اسمي أنيس الرافعي، كاتب قصة قصيرة، وأريد أن أصبح كاتبا عالميا !، ثم خرجت من الضريح وأنا أكاد أنفجر ضحكا، لكنني لم أنس ترك الشمعة . ومن يومها وبركة سيدي رحال ترافقني وتشحذ همتي . 
 

 

ما طقوسك مع الكتابة؟
 

في البداية، كنت أكتب في المقاهي الشعبية لساحة شهيرة بالدار البيضاء تدعى ساحة السراغنة. من هناك تعلمت ضخّ الإيقاع بأصنافه البصرية والصوتية واللامرئية، وحمله إلى مجرى قصصي القصيرة. إيقاع المحتجب الذي تدركه البصيرة فحسب، الرواد، العابرين، ماكينة القهوة، حفيف أقدام النادل، وأنة المذياع في الخلفية... لكن، في السنوات الأخيرة بدأت أكتب في البيت فوق لوح خشبي مستطيل، داخل غرفة موصدة بستائر سوداء وأنا نصف ممدد فوق السرير، على إيقاع من أحبهم من أهل الطرب (فائزة أحمد، عبدالوهاب الدكالي، محرم فؤاد، محمد الحياني، محمد رشدي، محمد العزبي، محمد عبدالوهاب، محمد عبدالمطلب...)، حس هؤلاء يوجد مندسا بين سطور قصصي القصيرة، وهم جزء من إيقاع التدوين، وإيقاع السرد، وإيقاع الأسلوب، وإيقاع الروح . 
 

 

تجربة أول كتاب نشرته؟
 

أقدمنا سنة2001، ثلة من أصدقاء الحرفة وأنا، على تأسيس جماعة أدبية تعنى بالتجريب القصصي إبداعا ونقدا، تحت مسمّى الكوليزيوم . في تلك الأثناء، كنا (على الأقل بالنسبة لي ) نكتب مثل مصابين بانهيار عصبي حاد. نهجنا التحدي على طريقة مصارعي الحلبة، وشيّمتنا بيانات صاخبة كالألعاب النارية التي سرعان ما يحرقها النسيان في صباح اليوم التالي. ضمن هذا السياق وبحكم اشتراطاته، أطلقت في سماء النشر مجموعتي القصصية الأولى أشياء تمر دون أن تحدث فعلا سنة 2002، وهي أولى منشورات الجماعة . إنّ هذا الكتاب الأول هو شهادة ميلادي والبذرة الأم التي تخلّقت منها كتبي اللاحقة. لا أنكره لأنه ليس لقيطا، ولا أمجده حتى لا أوسم بالنرجسية. فقط كنت أتمنى لو أنني كتبته منذ أكثر من عشر سنوات خلت بذاكرة الغد، بمنطق هذا الذي سيحدث فيما مضى، بطريقة أخرى تمكن من قراءته بعد ثلاثة عقود أو أكثر كأنه كتب البارحة .
 

 

ماذا تعني لك الجوائز؟
 

لاشيء، لا أحب غطرسة المنتصرين، ولا أستسيغ انكسار المندحرين . الكاتب النمساوي توماس برنهارد عبّر عن هذا الشعور أفضل مني، ناعتا إياه الزهو الخادع، في أحد فصول روايته الماتعة صداقة مع ابن أخي فيتغنشتاين. في اعتقادي الشخصي، الجوائز نتاج طبيعي للآداب البائسة التي تعج بالكتاب الفقراء الذين يبحثون عن الريع، أو يقامرون بمواهبهم في لعبة حظ كبرى قد تكون خاتمتها الانعتاق من نير طبقتهم . 
 

 

كتاب كنت تتمنى لو أنت كاتبه؟
 

ثلاثة نمور حزينة للكاتب الكوبي غيليرمو كابريرا إنفانتي، لكونه نسيجة معقدة من الحكايات المدهشة التي كتبت بلغة خلاسية ساحرة، وبكل الأساليب الممكنة لابتكار نص تجريبي لا يضاهى. بعد كل هذه السنوات، مازلت أحلم بين الفينة والأخرى بشخصيات الكتاب الأربع، وأراني جالسا بينهم على كرسي في مواجهة شاطئ العاصمة هافانا: سلفستر الكاتب، أرسينيو الممثل، كوداك المصور الفوتوغرافي، وإريبو العازف . 
 

 

عمل تخطط لإصداره قريبا؟
 

أشتغل على تحبير وتنقيح بعض تأملاتي الشخصيّة المتواضعة في الفن القصصي، شهادات كنت قد ألقيتها هنا وهناك، والآن أعيد صياغتها على ضوء المرآة الارتدادية للتدوين، لتعبّر عن ما أنعته عقيدة القصة القصيرة. أيضا، أقرأ خلال السنتين الأخيرتين كل ما كتبه الكاتب التشيلي الراحل روبرتو بولانيو من قصص قصيرة وروايات وحوارات ومقالات نقدية، في أفق أن أصوغ عملا متخيّلا عنه، أو حكايات روبرتو بولانيو الجديدة . إنّه بولانيو آخر، سليل التربة المغربية، مختلق، نسخة كاريكاتورية، مضاد لبولانيو الأصلي، نسيخ مزيف بهويات متعددة، يسير فندقا غرائبيا بمدينة الدارالبيضاء، تقع فيه جرائم قتل غامضة، يحقق فيها تحريون مشبوهون. أفضل أن لا أتحدث عنه بالتفصيل أكثر حتى يكتمل، كونه الآن مجرد هيكل عظمي، ويحتاج لأن أكسوه باللّحم.
 

 

حكمتك التي لا تنساها ككاتب ؟
 

أكتب بيدين مبصرتين، لا كليلتين، وكن دائما من كتاب الأقليات، لا من كتاب الجموع . 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً