الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قراءة نقدية
محرقتنا - رياض حمادي
الساعة 23:21 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

تبدأ انتصار السري "المحرقة" بنص يحمل نفس اسم المجموعة، تضع فيه الأنثى أشياءها وذكرياتها المريرة المؤلمة في المحرقة لتلتهمها النيران. لتستكمل الكاتبة حرق ما يستثير حنقها وحنقنا من هموم حياتية اجتماعية كثيرة، ولو بالكلمات. هي محرقة قد تبدو خاصة جداً بدلالة نصها الأول وألف لام التعريف في عنوان المجموعة، لكن حمولة نصوصها تشي بأن الإرث المراد حرقه ثقيل ويتجاوز الفردي والخاص إلى الجماعي العام.


تتضمن "المحرقة" صوراً متنوعة للحياة اليومية في إطار من الواقعية الاجتماعية يرسمها قلم الأنثى والأم والطفلة والمرأة في أدوارها المختلفة ما يؤكد أن المرأة حاضرة بقوة في العمل. صور هاجسها هموم المرأة تسطرها بلغة بسيطة ومباشرة تعرف هدفها إلى المتلقي. تتنوع الأساليب بين الجدية وحس السخرية والفكاهة والمفارقة والنهاية المباغتة. 
تشتغل المجموعة على الفكرة الومضة فتجبرها على هذا النوع من الفلاش السريع والجمل القصيرة. بعض بدايات القصص عادية، لكنها تشتغل على النهايات فتؤجل الدهشة حتى سطورها الأخيرة. أمثلة على ذلك يمكن أن نجدها في هذه العناوين:
(لقاء، الغريب، ذات نهار، على خشبة المسرح، مجرد تهيؤات، ..)
ومثال توضيحي آخر من خارج المجموعة نجده في نص "حب":
"ضمته إلى صدرها، أصابعها راقصت غابة شعره الفاحم، تنفست عطره، المعجون برائحة جسده، توسد ذراعها، همس في أذنها: أحبك .. يا .. أمي .."


نص يوحي بالكثير، ويمكن أن يحيلنا إلى فرويد والتحليل النفسي لنكشف بعض خباياه، لتضمينه مفردات ترد في سياق الحب الذي يجمع بين عاشقين لا الحب الذي يجمع ابن بأمه. لكن هذا الجمع بين المتناقضات وغير المألوف أو المتآلف هو ما جعل النص ينتهي بالدهشة والمباغتة المحببة للقارئ.


تتميز انتصار السري بميزة تحويل المشاهد الحياتية المألوفة إلى قصص مكثفة يتلاحق فيها إيقاع الأفعال الحاضرة، لتقول لنا أن هذه المشاهد تحدث الآن وهي بانتظار أو على أمل أن تصبح أفعالاً ماضية بعد أن تلتهمها النيران!


في المجموعة القصصية القصيرة إصرار كبير يشي بأن مشوار بداياتها حافل بقادم أجمل وأن ما قيل ليس هو كل ما في جعبة القاصة من حكايات سحرية قادمة لن تكتفي برصد الواقع وهمومه بل وتتعداه إلى ما هو أبعد حيث سحر اللغة وخيالها الشعري والسحري. 


هذه المهمة يلزمها ولادة ثالثة، لأن السحرة يولدون على ثلاث مراحل: الأولى بيولوجية، والثانية بعد تعلم السحر، أما الثالثة وهي الأهم، فهي التميز بين المجموعة الكبيرة من السحرة. انتصار انتصرت على وجودين، ودخلت بوجودها الثاني عالم الكتابة بصفته "ورطة"! حين ينطبق عليه المثل بعد التعديل "دخول عالم الكتابة ليس كالخروج منه"!


وسواء أكان التميز هبة أو منحة لا دخل للمبدع فيها, أو كان حرفة لها أسرارها فطريق البدايات وإن كان وعراً, إلا أن كثيراً من العظماء مروا عليه ويتذكرونه بمحبة. هذه قاعدة السحر التي لها استثناءاتها القليلة التي تميزت بحرق المراحل, لكن الأسماء الكبيرة كان لها بداياتها إلى أن وجدت السر. ولكل ساحر سره الخاص, ولانتصار ثلاثة أسرار:
سر نشترك فيه جميعاً وهو وجودنا في الدنيا, وسر دخولها دنيا الكتابة, وسر ثالث مضمن في اسمها, وعليها أن تبحث عن السر الرابع, في أن تكون .. انتصار السري!

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً