الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
في مجموعة "سعيدة لقراري" القصصية ( وداعا..أحلام الغد ) تحت عنوان : "البوح الجارح" - كريم القيشوري
الساعة 16:32 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



في احتفاء خاص بخزانة العلامة عبدالرحمن حجي بمدينة سلا؛ للقاصة سعيدة لقراري من خلال مولودها الإبداعي الأول في جنس القصة القصيرة " وداعا..أحلام الغد"، نظمت جمعية العناية للعمل الاجتماعي والثقافي والرياضي والتي يرأسها الفاعل الجمعوي الطموح ذ "مصطفى أخصاي" أمسية قصصية؛يوم السبت 05 دجنبر 2015.
 

خصت قراءة نقدية في المنجز؛ وبعض القراءات الشعرية والقصصية..
لقراءنا الأعزاء القراءة الانطباعية للمجموعة القصصية للقاص/الإعلامي عبدالكريم القيشوري.
سعداء أن نرهن أسماع حضورنا الكرام في جولة سريعة بين ردهات الأجناس الأدبية التي تشكل عماد السرديات ؛ انطلاقا من الرواية باعتبارها الشكل السردي الأكثر حظا ؛ في امتلاكه مساحات الزمن والأمكنة والشخوص وما استتبع ذلك؛ وبين القصة القصيرة والقصيرة جدا وما تتميز به من قصر و تكثيف ومفارقة وخلق للدهشة.

 

بما أننا - اليوم- في حوزة القصة القصيرة سنلقي من خلالها أنواعا من الضوء الكاشف؛ على المناطق الصامتة في المتاهة - الإنسان- القصة التي تحتضن الهامش وتحتفي به؛ وتمنح العابر أبدية الجمالية. فالقصة تقدم للجماليات الحديثة والمعاصرة أطروحة قابلة للتجدد هي أطروحة الاقتصاد التخييلي ومستتبعاتها على مستويات اللغة والصورة والبناء؛ وفلسفتها عند القارئ كمنشط أساسي للعالم المتخيل والبناء المقترح. إنها الطريقة الخاصة بـ " القصة" لأنسنة اللغة وإعادة أنسنة الإنسان المستمرة والمتجددة.
 

يقول مثل قديم : " خلق صانع القصص الأول والأمهر ثلاث تفاحات. وهب الأولى للراوي والثانية للشخوص والثالثة للقارئ ".
ويقول الكاتب المكسيكي" خوان رولفو" ليس في القصة القصيرة سوى ثلاثة مواضيع أساسية هي : ( الموت – الحب – الألم ) ويضيف القاص المغربي عبدالله المتقي " البحر".
كان لابد من تقديم هذه الأرضية التي من خلالها سنستشرف قراءة المنجز القصصي للقاصة المبدعة سعيدة لقراري الموسوم بــ" وداعا أحلام الغد" بمقاربة انطباعية؛ حيث عرف هذا الجنس الأدبي ( القصة القصيرة) مقاربات نقدية متنوعة؛ اختلفت وتعددت باختلاف وتعدد النقاد. من مقاربة تاريخية؛وانطباعية؛ وفنية ؛ واجتماعية؛ ونفسية؛ وببليوغرافية؛ وبنيوية سردية؛ وبنيوية تكوينية؛ وسيميائية؛ وجمالية؛ وموضوعاتية؛ وبلاغية.. ونتفهم تحفظ د جميل حمداوي على استخدام مصطلح المنهج " في القراءات القصصية" الذي يحيل على مجموعة من الخطوات العلمية الموضوعية الصارمة التي يلتزم بها البحث؛ لذا فهو يحبذ استعمال مفهوم المقاربة النقدية ؛ ونحن نتماهى معه.

 

عندما توصلت من الأخت سعيدة بمنجزها الإبداعي ؛ والذي لي الشرف اليوم لتسليط الضوء على تيماته من خلال هذه القراءة المتواضعة؛ لإثارة رأي الحضور الكريم؛ وتبشيرهم بقاصة مبدعة واعدة قادمة؛ أكيد ستقول كلمتها في الآتي من الأيام لاجتهادها وبحثها وتعدد قراءاتها..وأراهن على أنها ستلجأ للجنس الأدبي الأكثر رحابة وحرية ألا وهو الرواية.. بالرغم من شغفها القصصي وشطحاتها الشعرية هنا وهناك.
 

ما أثارني واستفزني لأول وهلة المدخل .عتبة الكتاب عنوان(المجموعة القصصية) "وداعا..أحلام الغد" ؛ وجعلني أطرح الاستفهامات التالية :
- هل يمكن للإنسان أن يعيش بلا حلم ؟ - عن أي أحلام تتحدث الكاتبة ؟ -هل عن "الحلم الحقيقي" الذي يحلمه الإنسان أم عن "الحلم الأدبي "؟ - ماذا يميز هذا عن ذاك ؟.
فعبارة "الحلم " تطلق عادة في معناها الحقيقي على ذلك النشاط الذهني الذي يظهر أثناء النوم؛ في شكل هو في الغالب عبارة عن صور بصرية؛ لكن هذا النشاط الذهني المرتبط بالنوم يتحول عند اليقظة إلى محكي –فالحالم عندما يسترد وعيه يقدم حلمه في شكل نص؛ أي في شكل جمل متسلسلة من السلوكات والأحاسيس والأفكار؛ وبهذا نكون أمام متوالية سردية مصبوغة باللذة أو بالانزعاج أو بنسبة متغيرة منهما معا. وبما أن الأدب السردي يسعى دوما إلى إيهام القارئ بأنه أمام كائنات إنسانية واقعية وحقيقية؛ فمن الطبيعي أن تكون هذه الكائنات تحلم مثلها في ذلك مثل باقي البشر. هل نحن أمام إيهامات سعيدة لقراري لكائنات إنسانية واقعية أم خيالية في منجزها القصصي "وداعا أحلام الغد"؟ 

 

هذا العنوان المحيل على نظرة تشاؤمية للقادم من السرد. والمتضمن في اللوحة التشكيلية الفنية التي برع في تصميمها القاص حسن قري؛ وأبدع في إنجازها الفنان محمد سعود مضفيا عليها لمسته الإبداعية/الفنية المتجلية في الألوان الغامقة التي تماهت ومدلولات النصوص القصصية.
عتبة العنوان الدال والمستفز والذي كتب بخط عريض وبلون أحمر؛ له دلالته الرمزية؛ -فهو في تقديري- لم يأت هكذا اعتباطا؛ على اعتبار أن دلالة اللون الأحمر ترمز إلى القوة والإثارة والحب والطاقة والخطر وحب المغامرة.

 

البياض الذي شكل إطار لوحة الكتاب؛ واللوحة الفنية المعبرة بألوانها القاتمة والفتاة/المرأة التي تتطلع إلى المستقبل بنظرة فيها بصيص من الأمل يرمز إليه الجزء الأبيض في مشهد اللوحة والمعبر عن الصفاء والبراءة والبساطة..
والسواد الذي خط به اسم القاصة "سعيدة لقراري" وجنس الأدب الذي تضمنه "قصص". إضافة إلى الإهداء والمقدمة التي أفلح فيها المبدع عبدالعاطي الزياني؛ حيث لخص من خلالها علو كعب القاصة "سعيدة لقراري" الفني؛ وامتلاكها الواعي لأدوات الإمتاع القصصي؛ بلغة تملك قدرا هائلا من البوح الجارح الذي زعزع أسئلة العتمات ومنح القارئ الخوض في أبعادها الدلالية من المكان إلى الزمان إلى الإنسان إلى الطبيعة إلى الإحسان بالذات وشطحاتها.

 

مرورا بمحتويات المجموعة التي ضمت عناوين صاعقة : 1- رحيل . 2- المرحوم .3- وداعا..أحلام الغد. 4- صدى البقايا . 5- نحو الشاطئ. 6- عبور . 7- رنة نهاية . 8- نشيد الآتي . 9 الرقص مع الغائب . 10- نبض متآكل . 11- عودة .
ختاما بكلمة القاصة التي جاءت على ظهر الغلاف والتي تعيد من خلالها القارئ إلى جادة الصواب؛ حيث تنقله من غياهب العتمات إلى مشارف النور والضياء مخاطبة من خلاله الحياة والأمل قائلة : مجتزأ مما جاء فس قصة "عبور" ص 39( ظهرغلاف الكتاب).

 

هذا المسح الفسيفسائي وهذه النظرة الكرونولوجية – إن صح التعبير- لهذا العمل الإبداعي الفني؛ تطلب منا بعد طرق بابه؛ الدخول إلى فضاءاته السردية الرحبة؛ ولنا وقفة عند الأضمومة القصصية التي تضمنها الإطار العام للمجموعة والمعنونة أيضا بنص عنوان المجموعة : " وداعا..أحلام الغد" والتي تضمنت نصوص " لــمتعلم " و "طفلة المحطة" و " نجمة" و " على باب الله" و " السقطة الأخيرة".
 

يمكن اعتبارها الحبل الناظم والمحور الذي يشكل الرؤية العامة للقاصة سعيدة في مجموعتها القصصية "وداعا ..أحلام الغد".فالقصة الأولى " لمتعلم - دريس" والتي تمثل المفارقة بين طفلين "مَتْعلم" بالمفهوم العامي/ الدارج؛ والذي تمثله حياة "دريس" الطفل بكل أعطابها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية.. المتمثلة في حياة اليتم؛ والعمل في سن يتنافى وكل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية الجاري بها العمل ؛ والحرمان من التمدرس وممارسة كل الهوايات.. نجد بالمقابل الطفل أيمن "المتعلم" بالمفهوم المدرسي صديق "دريس" ؛ والمتوافق معه عمريا؛ ينعم بحياة طبيعية وسط أسرة منسجمة توفر له كل شروط الراحة من أكل وشرب وتعليم وصحة وممارسة لهواياته الرياضية.. فلحظة الاستمتاع بمشاهدة أطوار مقابلة في كرة القدم تجري بملعب الحي؛ ينفس الطفل "لمتعلم -دريس" من خلالها عن مكبوتاته وجروحه..لم يتم الاستمتاع بها. " وهو يقتعد كرسيا مهترئا لينعم بالفرجة وليشجع صديقه أيمن لتسجيل الأهداف وهو يصرخ :"أيمن .. أيمن.. خذ الكرة..نعم..زيد اقتربت من المرمى..كول كول؛ وي وي.." ينبعث من خلفه صوت "لمعلم المختار" غاضبا آمرا له " اجمع راسك؛ خذ المكنسة ونظف المحل من بقايا الخشب؛ إياك أن تنسى وضع المناشير والمطرقتين في مكانهما؛ أنا ذاهب الآن لصلاة المغرب؛ خذ المفاتيح عند الانتهاء من التنظيف؛ أحكم إغلاق الباب؛ وغدا إن شاء الله أجدك في المحل عند السابعة صباحا؛ إياك ثم إياك أن أجد النار مطفية والقطة مجلية". ص 19
 

مطارق أوامر لمعلم المختار لا تفارق قشرة دماغ الطفل/لمتعلم دريس؛ وإن أفلح في الامتثال لها؛ فعودته إلي البيت منهكا لم تترك له شهية الوجبة التي أعدتها له أمه مما جعله يستسلم للنوم وهو جثة هامدة؛ سابحا في ملكوت الأحلام التي يتساوى فيها مع لمعلم المختار وأيمن صديقه..بالرغم من إلحاح الأم على إيقاظه لملء معدته؛ لكنها استسلمت بدورها بعدما غطته لسلطة النعاس الشبيه بالموت. هذا حلم من أحلام دريس لمتعلم الذي جاء في سياق سردي ينم عن حلم مجهض لتمثلات مستقبلية لا تشي ببوادر أمل إلا بشكل ضئيل؛ تجعل من "لمتعلم" يصبح "معلم" حسب ظروف الواقع المعيش.
 

وفي قصة " طفلة المحطة " حيث ترصد لنا الكاتبة الجو العام للمكان الذي يعج بالمتناقضات وما يعرفه من تجاوزات؛ نتيجة توافد مختلف الشرائح الاجتماعية من بسطاء وطبقة متوسطة من مسافرين وتجار بالتقسيط وباحثين عن المتعة؛ ولصوص ومتسولين ومعتوهين.. تسوق لنا قصة الطفلة ابنة "الثانية عشرة" المتخلى عنها؛ والتي أخذت المحطة مكان كسب قوتها عن طريق امرأة تستغلها في التسول ؛ وعبر تقنية الحوار الموظف من قبل شخصية "عائشة" المرأة المسافرة صوب مدينة البيضاء؛ نتعرف أسباب إقدام الطفلة إلى المحطة وارتباط معيشها اليومي بها. ص 22
 

لقد رصدت القاصة سعيدة لقراري من خلال خماسيتها " وداعا.. أحلام الغد " ثلة من الاختلالات التي يعيشها المجتمع المغربي يمكن حصرها فيما يلي : 
- تشغيل الأطفال وهم في سن التمدرس . مثال قصة( لمتعلم - دريس).
- الأطفال المتخلى عنهم وآفة انتشار التسول .. قصة ( طفلة المحطة)
- تهجير الطفلات من الأرياف إلى المدن قصد تشغيلهم كخادمات نتيجة الفاقة والعوز؛ واستغلالهم جنسيا. قصة ( نجمة) .
- النساء اللائي يعلن أسرهن بعرق جبينهن. إما بواسطة مطعم متنقل وهو عبارة عن عربة لتهييء أكلة سريعة ( بيصارة+زيت+ شاي) تركن بمحاذاة سور مدرسة.. قصة ( على باب الله مي ارحيمو). أو العاملات في حقول جني مواد فلاحية؛ وماراتون معاناتهن ابتداء من وقت الالتحاق بالعمل (قبل شروق الشمس) مرورا بوسيلة النقل التي تحملهن كقطيع؛ إلى نهاية اليوم والرجوع في وقت متأخر ( بعد غروب الشمس). قصة مريم ( السقطة الأخيرة).

 

تجربة القاصة "سعيدة لقراري" تتجسد في القصص الاجتماعية والإنسانية التي تحاكي بها الواقع منشدة القارئ المتأمل إلى عوالمها الملتاعة المفعمة بالوجع المزمن؛ راصدة زوايا الألم الثخين لأناس بسطاء؛ يعيشون في الحياة؛ منهم المهمش والمعذب والجائع والجريح و.. حياة صعبة؛ متحدية شرطها القاسي حد الحافة؛ ورغم ذلك هناك بوارق الأمل والتكيف للظروف. وكما قال كاتب مقدمة المجموعة ذ "الزياني عبدالعاطي" تبشر الحيارى بالربيع في عز الخريف.
 

إن القاصة "سعيدة لقراري" تبدو عبر تجليات السرد متماهية مع الاتجاه الواقعي؛ حيث تميزت مجموعتها " وداعا أحلام الغد" بالواقعية التسجيلية والانتقادية؛ منحتها قدرة إبداعية على التشخيص والتحليل لتفاصيل واقعية وحوادث اجتماعية لها انعكاسات في واقع القص وتأثيرات على المجتمع الذي تعيش بين ظهرانيه. قصة لمتعلم "ادريس" وقصة طفلة المحطة . صفحات 19-20-21-22-23-24.
 

لهذا كانت قصصها مستوعبة لمعاناة الإنسان ومصورة لتفاصيل الواقع المر الذي نحياه جميعا. لكن تبقى العين اللاقطة والراصدة عين القاصة سعيدة؛ وكأنها عين كاميرا تصور لقطات من مختلف الزوايا وتنقلك بين أمكنة وأزمنة متعددة ؛ عبر مشاهد قد لا تثير لها بالا ؛ ومع ذلك فهي تفرض عليها تتبعها بأسلوب مشوق وبلغة سلسة ؛ ورؤية إخراجية فنية وكأنها مخرجة فيلم.
 

إن عناصر البناء القصصي في مجموعة القاصة "سعيدة لقراري" كانت وفق العناصر التي تكون القصة وتلبسها هويتها الإبداعية والجنس الأدبي الذي تنتمي إليه؛ إن على مستوى الشكل الفني الذي يميزها عن الأجناس الأخرى أو على مستوى عناصرها من حبكة وأحداث وبناء وشخصيات..
إن اهتمام القاصة في هذه المجموعة- من وجهة نظري- كان منصبا على كشف وتعرية أعطاب الواقع؛ وإدانة كل سلوك يخرج عن القيم والمبادئ الإنسانية؛ وقد كان لها ذلك .

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً