الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
أجساد وموسيقى 2 - لارا الظراسي
الساعة 16:01 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


عمو هيكل الذي يقفزُ ليأكلَ وجهَ القمر
"عمو هيكل" هكذا كنتُ أناديه، وأرحّب به عندما يزورنا، "هيكل" أبيه ابن عم والد "سعيدة ..أمي"، واختصاراً للمسافة، واقتراباً للحب، كان هيكلُ كأخواته ابن عم ماما، وعم لارا.

 

عمو"هيكل" لم أره منذ أكثرَ من عشرين عام أو أكثر قليلاً ، آخر مرةٍ التقطتْه عيناي كان يرقصُ في عرس خالي الذي جاء من أمريكا ليكملَ نصف دينه في بيتنا. 
في تلك " المخدرة" التي انتصبتْ كماردٍ أمام بيتنا وسرقتْ نصف الشارع بفرح، رأيتُ"هيكل " للمرة الأخيرة كان وقتها خاطباً فتاةً جميلة، وأنا مازلتُ طفلةً منكوشة الشعر، كلما جاء أتسلّقه لأقبّله قبلَ إخوتي كنوعٍ من الحفاوة الطفولية.

 

يالله ...مازلتُ أتذكّر ماذا كان يرتدي..قميصاً جميلاً ذا لونٍ فاتح – خانتْني الذاكرة في القبض عليه- و"فوطةً" بنفسجية - الفوطْ نوعٌ من الملابس للرجال في اليمن-، أتذكر لونها جيداً لأنها ولأول مرةٍ في حياتي التي وصلت لـ9أعوام أرى هذا اللون "لفوطة "..!، قبلها كنتُ أعتقد أنه لونٌ للفتيات فقط، ولا أنكرُ أنه كان أنيقاً جداً في ملابسه، إنعكس اللونُ البنفسجي على عينيه العسليتين الماكرتين وهو ينظرُ للنساء أثناء رقصهِ الجميل.
 

عمو هيكل كان يهزُّ عودَه المتبخترَ في الأرض على أنغام "الشرح اللحجي "بمهارة صيادٍ يغازل البحر، النساءُ الشابات علّقنَ عيونهن عليه، وخطيبته بيننا تشعرُ بالزهو، وهو يختال كالطاووس بين جميع الراقصين،"يُسلطن " يعرفُ في ذاته أنه الأفضل، حقيقةً كان فناناً يتذوق اللفظ الموسيقي قبل أن يطبّقَ حركته، كان يراوغ الإيقاع ، يراود الموسيقى عن ذاتها أمام الجميع، يضعُ قدمه على الأرض وفي الأخرى يقفز ليأكل وجه القمر..ويعودُ ضاحكاً
 

وبينما هو يرقص، والمخدرة تزمجرُ بالموسيقى و المدعوون و المدعوات في حالة انتشاءٍ كاملٍ همستُ لأمي: عندما أكبرُ ، وأكون في طول عمو هيكل، سأرقصُ معه.
أمي تبتسمُ : سترقصين مع هيكل فقط ؟ طيب و البقية؟
: البقية "يهبلو" مش يرقصوا.
كلما توقّفَ عن الرقص وجلس"هيكل " ليرتاحَ من معاركه الايقاعية، كنتُ أحزن، وأقول مع النساء: ثاني ..ثاني. 

 

يالله كم كان بهياً وهو يراقص الموسيقى، يعانق الدان ويهرول مسرعاً في "الشرح" ويتقسّم كلما تقسم الإيقاع ، ويطولُ كثيراً كلما طرب المزمار ُ، ويحتجلُ بالعود ...ويترنم.
أمي تقول كبُرَ هيكل تزوجَ وأنجب وابتلعه الزمنُ كما ابتلعتنا الغربة .
لكني مازلتُ أتذكر رقص هيكل 

 

أتذكر أيضا عند قيام الوحده بعد عام تقريباً من واقعةِ رقص هيكل وبدأنا نتعلم كيف نربط الحجاب على الرأس الذي لم يعرفْ القيد أبداً ، كيف نخفي الحرير الأسود عن أشعة الشمس وعن العيون الفضولة وعن ألف عيبٍ جاءت جاهزةً كاملة الأركان مُحملةً بعربة العقاب و النار وجهنم التي تنتظرُنا.
أتذكّر أن الجميعَ كان متأففاً من الحجاب، إلا أنا لم أُلقِ بالاً ..كنتُ أفكرُ هل حُرمتُ من الرقص مع هيكل للأبد ؟

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً